كَثُرَت المشغوليات التي تقضي على وقت الإنسان وتُفْقِدَهُ راحته اليومية، وسعادته المُستقبلية.. فمع كثرة المسئوليات والمُتطلبات اليومية لإيفاء حق مَنْ هم يقعون تحت مسئولية الإنسان: إن كانت أسرة أو خدمة اجتماعية أو كَنَسيَّة.. إلخ. فبسبب ضيق العَيش وتَرَدِّي المستوى الاقتصادي للبلاد، أصبح الإنسان يعمل بكل طاقَتهُ لِكَسْب ما يكمن كَسْبَهُ من المال، لضمان حياة كريمة دون عَوَز أو احتياج.. وهذا يجعل الإنسان يُفَكِّر كثيرًا في كيفيَّة الحياة دون احتياج، وينسى نِهائيًا أن الله هو الذي يعول الكل، فهو الذي يعول العصافير وفِراخ الغِربان: "أَلَيْسَتْ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَيْسَ مَنْسِيًّا أَمَامَ اللهِ؟ بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضًا جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. فَلاَ تَخَافُوا! أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!" (إنجيل لوقا 12: 6، 7). فالسيد المسيح يقول لنا: "فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ" (إنجيل متى 6: 34)، ونحنُ نحمِل هموم اليوم وغدًا وبعد غد.. بل نجد البعض يفكرون في المستقبل بطريقة مُخيفة، ويعِدون حِساباتهم لسنين عديدة، ويقولون لأنفسهم: "يجب أن نُدَبِّر أمورنا من الآن لتوفير كل المتطلبات بعد سنين كثيرة أيًّا كان عددها"..
فأين أيها الأحِباء الاتكال على الله والثِقة في اهتمامه ومحبتهُ لنا؟! فهذا لا يلغي التفكير الجاد وتَحَمُّل المسئولية، لئلا يظن البعض أنني أُشَجِّع مَنْ يخلطون المفاهيم، وبدلًا من أن يحيوا حياة الاتكال على الله والثِّقة في محبته ورعايته واهتمامهُ بنا، يتركون كل شيء ويحيون التواكُل بدلًا من الاتكال، ويعيشون بلامُبالاة بأي شيء.. لا يتعبون ولا يعملون ولا يَجِدُّون في حياتهم العملية، ولا يحاولون بَذْل الجهد لتحقيق أي نجاح.. بل يُزَيِّفون الحقائق ويقولون: "نحنُ متكلين على الله، وبما أنه يعول حتى العصافير، فهو قادِر بأن يعولنا ويُوَفِّر كل احتياجاتنا"، فيلجئون إلى طلب المساعدة من الكل ومن الكنيسة، ويُحَمِّلون الآخرون أَحْمَالًا عَسِرَة الحِمْل دون أن يحركوها بأحد أصابِعهم مثل النَّامُوسِيُّونَ، وَيُطالِبون البعض بتوفير احتياجاتهم، ويقولون: "نحن نعش الاتكال على الله"!
أخي الحبيب: احذر الخَلْط في المفاهيم، أو تحويل الفضائِل إلى رذائِل.. وبدلًا من أن يكون إنسانًا يحمِل المسئولية التي وضعه الله فيها، ويكون قديرًا بِتَحَمُّلها ببذل الجهد والعرق في تحقيق حياة كريمة لنفسه ويترك المستقبل في يد الله، يصبح بعد قريب إنسانًا متسوِّلًا يَسْتَعطي من كل أحد.. فيفقد احترام الناس له، وينحَط في نظرهم، وتتجه أصابِع الاتهام له بأنه إنسان غير مستحق لهذه المساعدة؛ فهو ذو صحة جيدة وفِكر ناضج، ولا توجد عنده أي إعاقة تمنعه من أن يكون إنسانًا ناضِجًا، مفيدًا لنفسه ولأسرته ولمجتمعه ولكنيسته..
فيجب علينا أن نُمَيِّز الفِكر الذي قد يشغلنا عن حياتنا الحاضِرة، ويضيعها ويفقدنا سعادتنا الحاضِرة وتفاءلنا بالمستقبل، بل يُفقدنا حياتنا الروحية بسبب كثرة الهموم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وعندما ندخل في عِراك فِكري من كثرة الأفكار والمشغوليات، نقول لأنفسنا: "إلهنا الحنون، القادِر على كل شيء، الذي خلقنا، سوف لا يدعنا نعتاز لأي شيء نحتاج إليه.. فهو الذي يعول الكل بمحبته وحنانه"..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/distractions.html
تقصير الرابط:
tak.la/3hbw922