فهرس |
نتابع معًا بقية الأسئلة عن سر الاعتراف:
طبعًا هذا التفكير تفكير خاطئ.. لأنه يجب أن أعترف لأب اعترافي بكل شيء ولا أحجب عنه شيء. تخيلوا معي مريضًا ذهب لطبيب لأنه يعاني من مرض ما.. وهذا المريض وصف للطبيب نصف الأعراض التي يعانى منها.
هل من المتوقع أن يكتشف هذا الطبيب المرض اكتشافًا سليمًا، ويبدأ في علاجه ويأتي هذا العلاج بالنتيجة المطلوبة وهي شفاء المريض؟
بالطبع لا.. لأن المريض لم يعرض للطبيب كل ما يعاني منه.
هكذا بالنسبة للمُعترف.. إذا ذكرت بعض الخطايا ولم تذكر الباقي خوفًا من أن أب اعترافك يأخذ عنك فكرة تسيء إليك وسوف يغيِّر فكرته عنك.
أقول لك: لا تخف من هذا.. كيف تخاف من أبوك الذي يريد أن يضمد جميع جراحاتك.. الذي يفرح ويقف منتظرك.. وعندما يراك من بعيد يفرح.. "فقامَ وجاءَ إلَى أبيهِ. وإذ كانَ لم يَزَلْ بَعيدًا رَآهُ أبوهُ، فتحَنَّنَ ورَكَضَ ووَقَعَ علَى عُنُقِهِ وقَبَّلهُ" (لو15: 20).
* أب اعترافك منتظرك لكي تحكي له كل متاعبك، ومتوقع أن يسمع منك ضعفاتك وخطاياك.. وليس أن يسمع طموحك ومشاريعك وما حققته من نجاح علمي.
* لا تخف من ذلك لأنه ليس صحيحًا أن يغيِّر أب اعترافك فكرته عنك بمجرد أن تقول له بعض الخطايا.. وإذا لم تقل هذه الخطايا لأب اعترافك.. هل سوف تحتفظ بها داخلك مدى الحياة أم لمَنْ تقولها؟
* إذا قلتها لأحد آخر سوف يقول لك الشيطان
نفس هذه المقولة: "لا تعترف بها لأبونا لكي لا يغيِّر فكرته عنك".. وتظل هذه الخطية رابطة داخلك تتعبك طوال حياتك لأنك لم تبوح بها لأب اعترافك.* كن شجاعًا واعترف لأبيك بكل شيء، وتأكد أن أب اعترافك سوف لا يغيِّر فكرته عنك بمجرد سماعة بعض الخطايا التي تعاني منها.
* الكاهن مثل الطبيب.. مَنْ من الأصحاء يذهب للطبيب! كل مَنْ يذهب للطبيب هو مريض ودائمًا الطبيب منتظر المريض.. "لا يَحتاجُ الأصِحّاءُ إلَى طَبيبٍ، بل المَرضَى" (لو5: 31)، (مت9: 12)، (مر2: 17).. هكذا الكاهن منتظر منك اعتراف بالخطايا والرذائل وليس حكايات عن أحلامك المستقبلية.
بعضنا يقع في مشكلة التأجيل.. فسؤال يطرح كثيرًا..
هذه طبعًا حرب من حروب الشيطان وهي حرب التأجيل.. وهذه حرب في منتهى الخطورة في ممارسة سر الاعتراف..
* لا تؤجل الاعتراف مهما كانت الظروف حتى لا تتعود على ذلك.. فالتأجيل يجعلك تتراضى في ممارسة السر، وأيضًا يجرك إلى النسيان.. فكلما طال الوقت من الاعتراف للآخر.. ينسى الإنسان ما قد وقع فيه من أخطاء وخطايا.
* حاول باستمرار أن تحدد مواعيد ثابتة للاعتراف مع أب اعترافك، ويكون إلزام عليك أن تلتزم بهذا الميعاد حتى لو كنت لا تشعر بالرغبة في الاعتراف.. وذلك لكي تحافظ على التزامك بالاعتراف.. وإذا طال الوقت لظروف خارجة عن إرادتك يكون معك ورقة خاصة بك لا يراها غيرك، وتكتب فيها أفكارك والخطايا التي وقعت فيها.
* حاول أن تجمع فكرك أثناء محاسبة نفسك.. فالمفروض علينا أن تكون لنا جلسة هادئة ولو لعدة دقائق يوميًا في آخر اليوم لكي تحاسب نفسك وترى ماذا عملت طوال اليوم.. وتكتب بهدوء خطاياك التي وقعت فيها.
هنا وننتقل إلى سؤال مهم آخر وهو..
أهم تصرف يجب أن يسلك فيه الإنسان طوال حياته وليس في الاعتراف أو ما قبله فقط هو الخشوع المستمر.
إذا الإنسان سلك بهذا الأسلوب المسيحي.. سوف يخجل من فِعل الخطية من الأصل، وإذا وقع فيها دون ما يدري يقوم بسرعة ويُحاسب نفسه ويقف على قدميه ويقول: "لا تشمَتي بي يا عَدوَّتي، إذا سقَطتُ أقومُ" (مي7: 8).
أما قبل الاعتراف مباشرة فيجب على كل واحد منَّا:
* محاسبة نفسه بتدقيق وبجدية وبدون أن يعطي لنفسه أي أعذار أو يختلق لنفسه بعض الأعذار في كثير من الخطايا التي وقع فيها.
* يُحاسب الإنسان نفسه ماذا فعل من خطايا.
* ويكتبها في ورقة إذا كان خائفًا من النسيان كما قلنا.
* ويفحص فكره وتصرفاته كلها في الفترة التي لم يعترف فيها.
* ويقدم عنها توبة لله في صلاة فردية داخل غرفته الخاصة قبل ذهابه لأب اعترافه.
هذا ما فعله الابن الضال.. "فرَجَعَ إلَى نَفسِهِ وقالَ: كمْ مِنْ أجيرٍ لأبي يَفضُلُ عنهُ الخُبزُ وأنا أهلِكُ جوعًا! أقومُ وأذهَبُ إلَى أبي وأقولُ لهُ: يا أبي، أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ، ولستُ مُستَحِقًّا بَعدُ أنْ أُدعَى لكَ ابنًا. اِجعَلني كأحَدِ أجراكَ" (لو15: 17-19).
وبعد أن يحاسب الإنسان نفسه بدقة ويفحص فكره جيدًا يذهب لأب اعترافه لكي يقدم توبة أمامه.. "فقامَ وجاءَ إلَى أبيهِ. وإذ كانَ لم يَزَلْ بَعيدًا رَآهُ أبوهُ، فتحَنَّنَ ورَكَضَ ووَقَعَ علَى عُنُقِهِ وقَبَّلهُ. فقالَ لهُ الاِبنُ: يا أبي، أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ، ولستُ مُستَحِقًّا بَعدُ أنْ أُدعَى لكَ ابنًا" (لو20:15-21).
* يقدم الإنسان توبة بقلب نادم على كل خطأ وقع فيه.
* ويكون خاشعًا في كلامه واعترافه.
* نادمًا - إحساس المذنب- كل ما ينطق به يكون بالفعل نادمًا عليه ومعترفًا بخطئه فعلًا.
* ويكون الإنسان مركزًا كلامه كله في خطاياه وأخطاءه هو وليس على خطايا الآخرين.
إننا نرى البعض قد يأخذون وقتًا طويلًا في الاعتراف ويكون اعترافهم عبارة عن سرد لأخطاء مَنْ حولهم ومَنْ يتعاملون معهم.
يحضر شخص للاعتراف.. ونجده يحكي بعض القصص التي تستغرق وقتًا طويلًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. يحكى قصة بكاملها وكل ظروفها، ويسرد كل تصرف حدث من كل شخص اشترك في هذه القصة، ويُعلق بعض التعليقات على هؤلاء الأشخاص، ومَنْ منهم مذنب ومَنْ منهم بريء، وينصب ميزان الحكم على الآخرين.. بل من الممكن أن يخرج من هذه القصة إلى قصة متعلقة بها ويكون فيها أشخاص آخرين، ويتخذ معهم نفس الأسلوب الذي اتخذه مع الآخرين.. وفي كل هذا لا يسرد ماذا فعله هو، أو ما الخطأ الذي صدر منه الذي جعله يسرد هذه القصة الطويلة التي استغرقت حوالي النصف ساعة.
وفى آخر جلسة الاعتراف يكون هذا الشخص جلس مع أب اعترافه جلسة مودة وصداقة يحكي له قصص وحكايات، ولم يعترف بخطية واحدة.
هل هذا يعتبر اعتراف؟ أب اعترافك في هذه الحالة يصلي التحليل لمَنْ - لك أم للآخرين الذين اعترفت بأخطائهم؟
ومن الممكن أن الإنسان يكون تفكيره عن أب اعترافه أنه هو حلال المشاكل.. أذهب إليه عندما أقع في مشكلة.. أو حينما أكون متضايق من موضوع ما.. أجري عليه وأحكي معه.
وذلك في وقت الاعترافات وليس في أي وقت آخر.. وهذا هو الخطأ.. لأنني أستهلك وقت باقي المعترفين في هذه المشاكل.
أريد أن أقول يجب أن نميز بين أب الاعتراف وبين الصاحب أو الصديق الذي أتكلم معه في أي شيء يخصني.
طبعًا هذه الطريقة خطأ..
أب الاعتراف هو الطبيب وأنا المريض.
كيف يعالج الطبيب المريض دون أن يحكي المريض كل المرض الذي يعاني منه؟
تخيلوا مريضًا ذهب للطبيب وسأله الطبيب بماذا تعاني.. وما هي شكواك؟ وقال المريض بعض الأعراض التي يعانى منها، ولكن جاء على عرض مهم جدًا يعاني منه، ولم يذكره للدكتور وهذا العرض يكون المريض فقط هو الذي يؤلمه أو يشعر به.. وكتب الطبيب العلاج حسب المريض وسماعه لشكوته.. هل سوف يأتي الدواء الذي كتبه الطبيب بنتيجة فعّالة ويشفى المريض شفاءً تامًا؟ أم يظل يعاني من هذا المرض لأنه لم يعرف حالته بالكامل للطبيب؟
هكذا كل إنسان منَّا إذا اعترف ببعض الخطايا وترك خطية أو اثنين لم يقولها خجلًا من أب اعترافه أو خوفًا من اهتزاز صورة الشخص أمام أب اعترافه.. وكلها تخيلات شخصية.. فصورتك لا تهتز إطلاقًا أمام أب اعترافك ما دمت صريحًا وواضحًا ضد الخطايا التي تقع فيها.
بل صورتك سوف تهتز بالفعل عندما تنكشف حقيقة فعلًا أنك تكذب على أب اعترافك أو أنت لا تتعامل معه بصراحة وأمانة وتخفي الخطايا عنه.. هذا الذي سوف يهز صورتك وليس اعترافك بكل أمانة بكل خطاياك.
أريد أن أذكركم بقول مُعلمنا يعقوب الرسول: "اِعتَرِفوا بَعضُكُمْ لبَعضٍ بالزَلاَّتِ" (يع5: 16).
إذًا يجب علينا أن نثق في أب الاعتراف.
إنه أب يريد خلاص كل منَّا..
ويفرح أيضًا بتوبتنا، كما فرح الأب عند رجوع ابنه.
* "فقامَ وجاءَ إلَى أبيهِ. وإذ كانَ لم يَزَلْ بَعيدًا رَآهُ أبوهُ، فتحَنَّنَ ورَكَضَ ووَقَعَ علَى عُنُقِهِ وقَبَّلهُ" (لو15: 20).
* "فقالَ الأبُ لعَبيدِهِ: أخرِجوا الحُلَّةَ الأولَى وألبِسوهُ، واجعَلوا خاتَمًا في يَدِهِ، وحِذاءً في رِجلَيهِ، وقَدّموا العِجلَ المُسَمَّنَ واذبَحوهُ فنأكُلَ ونَفرَحَ، لأنَّ ابني هذا كانَ مَيّتًا فعاشَ، وكانَ ضالًا فوُجِدَ. فابتَدأوا يَفرَحونَ" (لو15: 22-24).
ربنا يبارك حياتكم ويجعلنا نحيا حياة التوبة المستمرة..
ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/confession.html
تقصير الرابط:
tak.la/64pwj97