"احكم يا أخي على نفسك قبل أن يحكموا عليك".
هذه المقولة قالها ورددها كثير من الآباء القديسين، ولم يَرِد ذِكرها بالفم فقط، ولكن تدرَّبوا على كيف يعيشوها بالفِعل. فكلٍ منا يريد أن يتصرَّف في كل الأمور بحرية مطلقة ويحكم على الآخرين في أخطاءهم وتقصيرهم وردود أفعالهم، ولا يريد أن يُحْكَم عليه بالمِثل، ولا يقبل النقد في أي شيء. فالإنسان بطبيعة حاله يريد أن يرى كل ما يفعله أنه "حَسَنٌ جِدًّا"، مساويًا نفسه بالله الذي لا يُخطئ ولا يوجد في فمه أي غِش أو التواء في التعامل أو مراوغة في الكلام..
هذا الإنسان الذي لا يقبل النقد والتوجيه تجده شديد الانتقاد لتصرفات كل مَنْ هم حوله، وقد يكون حاد الطباع، أو تصرفاته تميل إلى العنف.. بل وقد يفكر بالشر لأقربائه أو معارفه في بعض الأوقات، وتسوء العلاقة بينه وبين الآخرين دونما يدري، ولا يشعر بأي تصرُّف جارِح أهان فيه البعض، ولا يدرك معنى الكلمات التي تُنْطَق من فمه مثل طلقة الرصاص المقذوفة، التي تُحْدِث جرحًا دفينًا في جسم مَنْ تقابله.. وكل ذلك وهو لا يدري -أو قُل لا يدرك- مدى ضرره بالآخرين، أو تجريحه لهم بالكلام وبالألفاظ والاتهامات إلى ما غير ذلك.
هذا الشخص تجده بعد قليل يفقد الكثير من أصحابه ومعارفه وأقاربه، بسبب سلوكه الرديء وتردي علاقته بهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فهو يصمم على الغلط في حقهم، وهنا يرجع من خلفه البعض الكثير ويبتعدون عنه، ولا يساندونه في أحرج الأوقات التي يحتاج فيها إلى صديق. وقد يستمر في مسلسل الاتهامات ويقنع نفسه والقِلة القليلة بأن الجميع تركوه وذهبوا إلى حالهم.
فقد يكون مثل هؤلاء الطريح الذي تُرِك على حافة البِركة الموجودة في بيت حسدا.. وظل مطروحًا ثمان وثلاثين سنة دون أن يدفعهُ أحد ويُلقيه في البِرْكة متى تحرَّك الماء.. هو بلسانه نطق بذلك عندما دار الحديث بينه وبين السيد المسيح: "وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». فَحَالًا بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى" (إنجيل يوحنا 5: 5-9).
هذا المطروح بدلًا من أن يلوم نفسه ويفكِّر جيدًا لماذا "لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ"، فجميع مَنْ حوله لهم مَنْ يلقونهم، بدليل أنه كل هذا الزمان الطويل كلما أتى الملاك وحرَّك الماء ينزل قدامه آخر وينال الشفاء، ومَنْ ينزلون لهم مَنْ يلقونهم في البِركة..
هل بسبب سوء علاقتنا بأقارِبنا وأصحابنا ومعارفنا سوف يأتي الوقت على كل واحد منا ويقول: "لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ.. لَيْسَ لِي قَرِيبٌ.. لَيْسَ لِي صَدِيقٌ.." فلماذا ليس لك؟! هل العيب في الآخرين الذين ذهبوا إلى حالهم؟ أم العيب فينا وفي سلوكنا الخاطئ وتصرُّفاتنا الرديئة..؟ فَلْيُراجِع كلٍ منا نفسه: هل تصرفاته وكلماته تحمل احترامًا أم إهانة للآخرين، وبدلًا من أن نُعاتِب الآخر، نلوم أنفسنا لأننا بسبب سوء علاقتنا بالآخرين نفقدهم إلى الأبد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/bad-relationships.html
تقصير الرابط:
tak.la/2rgph35