المقدمة:
موضوع هذه الحلقة الثامنة من سلسلة مقالاتنا "شخصيات من تاريخنا"، عن شخصيتين أولهما كان من الشخصيات التي لعبت دورًا في تكوين كتاب الإبصلمودية المقدسة الكيهكية بوضعها المتعارف عليه الآن، وثانيهما شاعر شعبي قبطي مغمور. وعلى كل الأحوال، قد أثرا وساهما كلًا منها في مجال الإمنولوجيا العربية المنتسبة للتراث القبطي. وشخصيتا هذا المقال هما القمص جرجس الكبير الشنراوي والقمص مكسي ابنه، الذان عاشا بين أواخر القرنين الثامن عشر ومنتصف التاسع عشر الميلادي. فمن خلال هذا المقال المتواضع نتعرف على أثنين من أصحاب الأيادي البيضاء في هذا المضمار -وهم كُثر- ومع ذلك لم يتتبعهم أحدًا ليسجل أعمالهم وتاريخهم بشكل علمي(1)، مفسرًا سبب ظهورهم في هذه الفترة التاريخية بالذات.
ولا يمكن أن نتفهم الظرف الذي دفع بهما -كما بغيرهما- لهذه الإضافات في مجال الإمنولوجيا العربية المنتسبة للتراث القبطي، إلا بعد أن نتعرف على الظروف المحيطة بهما والتي أدت في نهاية الأمر إلى إبراز صورة الكنيسة القبطية بتلك الوضعية التي ظلت عليها حتى منتصف القرن العشرين تقريبًا.
عند تناولنا موضوع عرض ودراسة تاريخ الأقباط في هذه الفترة هنا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت، أول ما يعترضنا في هذا السياق، هى الفكرة المشهورة عند الكثير من المؤرخين أن الحملة الفرنسية على مصر وبعض بلاد الشرق، هي التي كانت سببًا مُباشرًا لنهضتها الحديثة وأنفتاحها على الغرب، ولكن الدراسات الحديثة قد تُثبت غير ذلك. فالإمبراطورية العثمانية التي أفسحت المجال أمام التعددية الأثنية والدينية والثقافية في ظاهرة تاريخية فريدة بصفة عامة، والوضع الجيد للأقباط في مصر أثناء القرن الثامن عشر بصفة خاصة، كان لابد أن ينتج عنهما في النهاية ظهور طائفة الأقباط في مطلع القرن التاسع عشر كطائفة ذات وضع مُميز(2). مما رشحها للقيام بدور هام وبارز في تاريخ مصر الحديث، وهي تلك الفترة التي نحن بصددها، وهذا عكس فترات سابقة كان دور الأقباط فيها يكاد يكون مُهمش وثانوي، لدرجة أن البعض من الدارسين والمؤرخين حسب دورهم في تلك العصور السابقة وكأنه محصورًا على دفع الضرائب أو الجزية للدولة فقط دون أن يكون لهم أي دور مميز وفعال في بناء الدولة، حيث انحسرت أعمالهم في المجالات المحاسبية والمالية ومسح الأراضي الزراعية مثل فترة الروك الحسامي(3).
ولكن الحقيقة والواقع عكس ذلك، وهذا ما قصدنا أن نبرزه رويدًا رويدًا من خلال هذه السلسلة من المقالات، والتي نعشم أن تظهر في عمل موحد بعد أن تكتمل حلقاتها.
وفيما يلي نلقي الضوء على حياة الشخصيتين السابقتين الذكر:
_____
(*) هذا المقال سبق نشره في مجلة الكرمة الجديدة - العدد الثامن، الصادر سنة 2011- 2012، ص 185- 194.
(1) لم يرد ذكرهما مثلًا عند كلًا من الأب Georg Graf في عمله الشهير:
Geschichte der christlichen arabischen Literatur, Biblioteca Apostolica Vaticana, Città del Vaticano, band I- IV, 1944- 1951;
ولا عند الراهب القس أثناسيوس المقاري (راهب من الكنيسة القبطية)، فهرس كتابات آباء كنيسة الإسكندرية (الكتابات العربية/ الجزء الثاني)، ط. 1، يناير 2012م.
(2) Danil Crecelius and Gotcha Djaparidze, “Relations of the Georgian Mamluks of Egypt with their Homeland in the Last Decades of the Eighteenth Century”, JESHO 45,3; Magdi Guirguis, An Armenian Artist in Ottoman Egypt, the American University in Cairo Press, Cairo- New York 2008, p. 7- 16.
(3) الروك مصطلح مصرى قبطى معناه عملية قياس الأراضى و حصرها و تسجيلها و تثمنيها، أي تقدير درجة خصوبة تربتها، وعلى هذا الأسس يتحدد خراجها و ضريبة الدوله المفروضه عليها، أي ما يُعرف الآن باسم " فك الزمام و تعديل الضرائب ". وكان يتم خلال الروك إعادة توزيع الإقطاعات على السلطان والأمراء والمماليك والأجناد. ومن أشهر الروكات التاريخية اللى عُملت في مصر " الروك الحسامى " الذي حدث فى عهد السلطان المملوكي حسام الدين لاجين في عام 1297م إستغرق عمل الروك نحو ثمانية أشهر وأشرف عليه الاداري القبطي " التاج الطويل "، راجع: ابن تغرى بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، سلطنة الملك المنصور لاجين، القاهرة 1968م؛ قاسم عبده قاسم (دكتور)، عصور سلاطين المماليك – التاريخ السياسي والاجتماعي، القاهرة 2007م، ص 168.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-basilous-sobhy/characters/girgis-intro.html
تقصير الرابط:
tak.la/t7pmyq3