إن السيد المسيح إلهنا عندما أخلي ذاته نزل من السماء إلى الأرض، وما أبعد المدى بين الاثنين! ونحن الذين على الأرض إن أردنا أن ننزل منها فإلي أين ننزل، وإلى أين نهبط؟ هل تعلمون إلى أين ننزل وإلى أين نهبط؟ لا شك أننا في هبوطنا، وإنما نهبط من الأرض إلى السماء. وفي نزولنا إنما ننزل من تحت إلى فوق...!!
وهكذا نري أن السيد الرب قد غير المقاييس البشرية، مقاييس العلو والهبوط...
ألغاها كلها، وغيرها إلى العكس فقال: "من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع" (مت23: 12). وقال في نفس المعني: "من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن خادمًا. ومن أراد أن يكون فيكم أولًا، فليكن عبدًا" (مت20: 26). وقال أيضًا: "إذا أراد أحد أن يكون أولًا، فليكن آخر الكل وخادمًا للكل" (مر9: 35).
فالشخص الذي يرفع نفسه، إنما يهبط بمستواها الروحي. كلما انتفخ، ويتضاءل حتى يصبح لا شيء... مثل هذا شبهه القديس أوغسطينوس بالدخان الذي كلما يرتفع، تتسع رقعته. وكلما تتسع رقعته يتلاشى حتى يصبح لا شيء. وقد أخذ القديس أوغسطينوس هذا التشبيه عن داود النبي عندما قال: "لأن الأشرار يهلكون فنوا كالدخان فنوا" (مز37: 20) "كما يذري الدخان تذريهم" (مز68: 2).
إن الذين يظنون أنهم يرفعون ذواتهم، إنما (يرفعونها) إلى أسفل، لا إلى فوق وهذا هو ما قصده الرب بقوله: "من يرفع نفسه يتضع"...
أما المتواضعون فكلما يهبطون إلى أسفل يرتفعون إلى فوق أو أن صح التعبير يهبطون إلى فوق... هم باستمرار ينزلون إلى الأعالي الكائنة في الأعماق، لأن السيد الرب أعطانا فكرة جديدة عن العلو والعمق، عندما أخلى ذاته.. لقد علمنا أن العلو هو العمق، وأن العلو يوجد تحت لا فوق... وأعطانا مقاييس للعظمة لم تعرفها البشرية من قبل.
إن المتضعين يرتفعون من قبل في هبوطهم، والمتكبرين يهبطون في صعودهم. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وكل من يريد أن يصعد إلى فوق، ويلتصق بالله، علية أن ينزل إلى الأرض ويقول مع داود: "لصقت بالتراب نفسي" (مز119: 25). وإلهنا الناظر إلى المتواضعات "يقيم المسكين من التراب، ويرفع البائس من المزبلة، ليجلس مع رؤساء شعبه" (مز113: 7).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/h278ysc