St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   37-Al-Yakaza-Al-Roheya
 

كتب قبطية

كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث

7- العاطفة المُسَيطِرَة

 

إن كانت المشغوليات تملك الوقت، ولا تعطي فرصة لله..

فالعاطفة تملك القلب والفكر أيضًا، بعيدًا عن الله...

الشيطان لا يكشف أوراقه على الدوام، فهو لا يمنع الإنسان صراحة من الوجود مع الله إنما قد يقدم له عاطفة ما تشغل كل قلبه وفكره وأحاسيسه ومشاعره، وتخدره تمامًا، وتستحوذ على كل اهتماماته، ومعها لا يكون لله مجالًا في داخله. ومع هذه العاطفة تظل الكرة تتدحرج وتتدحرج، وهي لا تدرى ما هي فيه، أو إلى أين هي سالكة..

تمامًا كما معنا طفل، نخشى أن يعطلنا بصراخه وضجيجه وكلامه، فنقدم له لعبة يلهو بها فينشغل بها عنا ويهدأ.. كذلك يقدم الشيطان مثل هذه العاطفة كلعبة يلهو بها القلب بعيدا عن العمل الروحي.. ويبحث الله عنك فلا يجدك، ويناديك فلا تسمعه، لأنك مشغول أو مخدر بهذه العاطفة التي تسربت إلى قلبك.

St-Takla.org Image: A painting of a black raven, crow (image 3), with a golden background - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 3 February 2024. صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة غراب أسود اللون (صورة 3)، بخلفية ذهبية - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 3 فبراير 2024 م.

St-Takla.org Image: A painting of a black raven, crow (image 3), with a golden background - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 3 February 2024.

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة غراب أسود اللون (صورة 3)، بخلفية ذهبية - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 3 فبراير 2024 م.

أنها محبة معينة، من أي نوع كانت..

لا يشترط أن تكون محبة من النوع الذي بين فتى وفتاه، أو تعلق قلب بقلب، إنما هي عاطفة من أي نوع، والمهم أنها تملك المشاعر كلها وتوجهها في مسارها.

مثل هواية معينة تسيطر على الإنسان، وتملك كل وقته واهتمامه.. هواية كالكرة، أو العوم، أو التجديف أو السباق، أو كالرسم، أو الكتابة، أو التمثيل، أو أي فن من الفنون.. أو محبة للعبة من اللعب، أو تسلية من التسليات، أو قراءة خاصة في الفلسفة أو علم النفس مثلا أو قد تكون هذه المحبة محبة الإنسان لعمله، تحولت إلى هواية تملك كل وقته وكل فكره لا يتحدث مع أحد، حتى في بيته، إلا عن هذا العمل وأخباره وتفاصيله ومدى نجاحه أو المشاكل التي تعترضه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). هو عنده كل شيء..

أو قد تكون محبة للشهرة أو للظهور أو للعظمة، تجعله حتى في وقت فراغه يسبح في أحلام اليقظة، أو يؤلف حول نفسه قصصا خيالية يعيش فيها، ويترجم رغباته إلى حكايات وتصورات..

أو قد تكون هذه العاطفة التي تشغله هي ثورة لتغيير الأوضاع، أو ما يُسميه برغبة في الإصلاح حسب مفهومه الخاص طبعًا، تجعله ينتقد كل شيء، ويغضب، ويدين، ويقترح اقتراحات جديدة، ويتصور أوضاعًا جديدة للجو الذي يريد أن يصلحه، ويقضى الوقت إقناعًا لغيره بوجهة نظره.

أو قد تكون هذه المحبة انتماء لجمعية أو هيئة معينة، أو فكر ما. المهم أن تيارًا جارفًا يكتسح قلبه ويوجهه في حماس وفي نار داخلية تتقد، وتظل الكرة تتدحرج في عنف، وهو يعلم بذلك، بل ويسر به، لان محبة هذه الدحرجة قد دخلت قلبه وملكت عليه.

ويبحث الله عن مكان في قلبه، فلا يجد..

قلبه مشغول، على الدوام، بهذه العاطفة التي استولت عليه، والتي يصحو ويبيت مفكرا فيها والتي التهمت كل محبة أخرى، تجدها في طريقها، حتى محبة الله.. إنها كالعثاء (العِتة) التي تلتهم الملابس، أو كالسوس الذي يأكل الحبوب، أو كسرطان الدم الذي يأكل الكرات الحمراء.. تظل تلتهم كل شيء، حتى تبقى وحدها. ويشعر هذا الإنسان أن هذه العاطفة هي الوحيدة التي تشبعه! وتسأل عن مركز الله في قلبه، أو مركز الروح أو الأبدية، فلا تجد إلا هذه الحقيقة المرة:

لقد طردنا صاحب البيت، وأسكنا في مكانه الغرباء...!

الله، الذي هو المالك الحقيقي لقلبك، أصبح لا يجد له مكانا فيه. انشغل القلب تمامًا بعاطفة غريبة، خدرت كل عواطفه الروحية، فنامت وغرقت في النوم.. والعجيب أنه ليس من السهل أن توقظ مثل هذا الإنسان، لأنه سعيد بنومه. اليقظة قد تتعبه، لأنها تحرمه من (محبته)!!

لذلك ما أجمل حياة الرهبان القديسين، الذين قطعوا من قلوبهم كل محبة أخرى غير الله، وجعلوا شعارهم:

الانحلال من الكل، لٍلارتباط بالواحد (الذي هو الله).

هؤلاء أحبوا الله أكثر من كل محبة أخرى مهما كانت بريئة، أحبوه أكثر من الأب والأم والأهل والأقارب، بل حتى أكثر من أنفسهم، حسب الوصية الإلهية (مت 10: 27-39) وكأن كل واحد منهم يقول لله: لا أريد محبة أخرى تشغلني عن التفرغ لك. فليس لي سواك. أنت الذي تشغل فكرى وقلبي، وتشغل حياتي ووقتي وتشغل حواسي وعواطفي. أنت شغلي الشاغل. قلبي ملآن بك وفرحان بك، ولا يعوزه أحد غيرك. لا يوجد فيه فراغ يتسع لأحد غيرك.

هذه مشاعر القديسين سكان البراري ولكن الكل ليسوا هكذا دوامة العالم تجذبهم، وتلفهم داخلها. حتى إن جلسوا مع الله، لا يكون ذلك بكل قلوبهم، لأن عواطف أخرى كثيرة تنافس الله في القلب..

ولكن هل العواطف والمشغوليات هي الوحيدة التي تخدر الإنسان، وتجذبه بعيدا عن الله؟ كلا، فهناك أيضًا البيئة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/37-Al-Yakaza-Al-Roheya/The-Spiritual-Wake-07-Passion.html

تقصير الرابط:
tak.la/a85xw9v