St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   28-Al-Khedma-Wal-Khadem-3
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي -3 لقداسة البابا شنودة الثالث

17- اكسبوهم بالاتضاع

 

 الناس لا يحبون الشخص الذي يتعالَى عليهم، ويحدثهم من فوق، كأنه في مستوى أسمَى من مستواهم، بل يحبون الإنسان المتضع، الذي لا يشعرهم بأنه أعلى منهم.

 لذلك في كسب الناس إياك من هذا التعالي الذي ينفر الناس، ويبعدهم عنك.

 في عظاتك ابتعد عن أسلوب عرض المعلومات والتباهي بالمعرفة، إنما ركز على ما يلزمهم في حياتهم الروحية.

 ولا تستخدم ألفاظًا أو تعبيرات لا يفهمونها، بقصد أن تظهر أنك تفهم ما لا يفهمون..!

 إنما كن متضعًا في أسلوبك بسيطًا في تعبيرك، تشرح أعمق المعاني في أسهل الألفاظ. إياك أن تحول الدين إلى فلسفة. وتذكر قول القديس بولس الرسول "وأنا لما أتيت إليكم أيها الأخوة، أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة.." (1كو2: 1). "وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة" (1كو2: 4).

 إنك في خدمتك، لست تبني نفسك، بما تقوله من كلام، إنما أنت تبني الآخرين.

 لذلك كن متواضعًا في خدمتك، ولا تجعل هذه الخدمة مجالًا للذات، فليس في ذلك ربح للناس..

St-Takla.org         Image: Jesus talking to Nicodemus صورة: السيد المسيح يتحدث مع نيقوديموس

St-Takla.org Image: Jesus talking to Nicodemus

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يتحدث مع نيقوديموس

 والذين هدفهم (الذات) قد يجعلون مركز اهتمامهم في عظاتهم هو اللغة أو المعلومات، وليس التأثير الروحي.. أو قد يكون هدفهم هو إعجاب الناس بكلامهم، وليس قيادة الناس إلى التوبة.

 كذلك فإن رابح النفوس الحكيم، ليس واجبه فقط هو أن يربح المخدومين وإنما أيضًا أن يربح زملاءه في الخدمة.

 الخادم المتواضع، لا يغطي على غيره، بل يعطيه فرصة ليعمل هو أيضًا. وهو لا يكتسح غيره من الخدام، بل يتذكر قول الرسول ط مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو12: 10).

 وإذا كان في لقاء لا يأخذ الجلسة كلها لحسابه الخاص، بل يعطي مجالًا لغيره لكي يتكلم. ولا يقاطعه، ولا يحقر رأيه، ولا يحاول أن يثبت أنه أعمق فكرًا أو أكثر معرفة، بل يمتدح ما يقوله زملاؤه من الخدام – ولو كانوا تلاميذه.

 وتكون له فضيلة حسن الإصغاء.

 فيحبه الناس لإصغائه.. وعندما يتكلم، لا مانع من أن يقول أعجبني رأي فلان في كذا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ومن النقط الجميلة ما قاله فلان، وأنا أوافق فلانًا على رأيه، وقد استفدت كثيرًا مما قاله فلان"..

 وهكذا يعجب الناس بطريقة كلامه، كما يعجبون بإصغائه.

 والخادم الحكيم المتواضع، لا يتجاهل أحدًا، ولا يستصغر أحدًا، بل يحترم الكل. فيحبه الناس في تواضعه.

 السيد المسيح تواضع فدخل بيت زكا العشار، وأعطي مقامًا لمتى العشار بأن جعله رسولًا. ودخل بيوت الخطاة وسمح للمرأة الخاطئة أن تلمس قدميه وتمسحهما بشعرها. بل أعطى أهمية للأطفال أيضًا.

 لذلك أحبه الكل، وربح الكل. وقادهم بمحبته وتواضعه إلى الملكوت.

 وداود النبي بعد انتصاره على جليات، وبعد تعيينه رئيسًا على رجال الحرب، أمكنه أن يكسب جميع الناس بسبب عدم تعاليه عليهم. وكانوا "يحبونه لأنه كان يخرج ويدخل أمامهم" (1صم18: 16).

 والخادم المتواضع الحكيم يربح الناس أيضًا بتنازله إلى ضعفاتهم..

 ومن أمثلة تنازل السيد المسيح لضعفات الناس، أنه زار نيقوديموس ليلًا وسرً، إذ كان نيقوديموس خائفًا من اليهود. فلم يجبره الرب على إعلان صلته به مادام لم يكن قد وصل إلى احتمال ذلك. وبهذا ربحه إليه، وأعلن انتماءه فيما بعد..

 تنازل الله أيضا لضعف المجوس.

 وكانوا يرصدون النجوم، فأظهر لهم قوة سمائية في هيئة نجم عجيب في تحركاته وفي اتجاهه، وفي سيره ووقوفه. وبهذا جذبهم إلى الإيمان. فلما آمنوا، لم يرشدهم عن طريق نجم، وإنما أوحي إليهم في حلم(مت2: 12).

 كذلك تنازل الله للبشرية كلها بتجسده وربحهم بذلك.

 إن الذي يتنازل لضعف الناس يربحهم.. أما الذي يتعامل معهم من برجه العالي، فلا يمكن أن يصل إلى قلوبهم ولا إلى أفكارهم.

 لا تكن كالفيلسوف الذي لا يتكلم إلا بأسلوب معقد، ولا يتنازل ليبسط معلوماته للناس، فلا يجتمع حوله سوى نفر قليل من مريديه وحوارييه ومن يمكنهم فهمه.

 ولا تكن كذلك الأديب الذي عاتبه أحدهم بقوله "لم لا تقول ما يُفهم". فأجابه في عظمة، "ولم لا تفهم ما يُقال".

 احتمل قصر فهم الناس، وإن جادلوك في تعليمك فلا تثر عليهم ولا تنتهرهم.

 الخادم الحكيم المتواضع، لا يحسب أن كلامه منزه عن الجدل والنقاش والحوار. ولا يحاول أو يفرض رأيه على الناس. ولا يعتبر أن مناقشته في كلامه أهانه له، وإنما بكل محبة وبكل اتضاع يجيب. ولا يضيق صدره مطلقًا بأية معارضة لرأيه، كما لو كانت كلماته عقائد!

 إن فرض الرأي لا يقنع أحدًا. وبالتالي لا يربح أحدًا. والذي يفرض رأيه في أمور الخدمة، ينفر الكل منه..

 والخادم الذي يعيش في خدمته وفي تعاليمه مع زملائه أو مخدوميه، بأسلوب الأمر والنهي، وبأسلوب السلطة والإرادة، لا يمكن أن يربح العاملين معه. فإما أن ينفر الكل منه ويصل إلى الانفرادية في العمل، أو يتحول محيط الخدمة إلى مجال للصراعات التي تفقد الخدمة روحانيتها.

 طريق الإقناع والتفاهم، قد يكون أطول بكثير من طريق السلطة أو القوة، ولأنه أكثر ثباتًا، وأعمق تأثيرًا.

 وهو الأسلوب الروحي الذي يتسم بالوداعة والاتضاع، وهو أيضًا أسلوب حكيم، لأنه يؤدي إلى نتائج عملية سليمة..

 حتى إن كنت على حق بالتمام، وغيرك على باطل بالتمام، أصبر واحتمل، حتى تقنع هذا الغير، ولا تظن انك بالعنف يمكن أن تتجاهله وتقضي على رأيه في الخدمة.

 الخادم الحكيم يربح الناس بالاحتمال، وبطول الأناة وسعة الصدر..

 يحتمل في سبيل ربح الناس كل كلمة جارحة، وكل صد يحتمل رفض الناس له، ويحتمل جدلهم ومناقشاتهم.. بل يحتمل تهكمهم أيضًا عليه من أجل الرب، من أجل خلاص النفس لأنه إن لم يحتمل، قد يخسر مواقف، وقد تفشل خدمته..!

 الخادم المتواضع يربح أقل الناس فهمًا، وأكثرهم عنادًا، وذلك بكياسته ولباقته، وعدم تعاليمه، وعدم توبيخه للناس، وحرصه على مشاعر الكل..

 أما الخادم الحكيم، أو غير المتواضع، أو الخادم الضيق الصدر، فإنه لثقته بذكائه أو بعلمه أو بمركزه، قد لا تعجبه أفكار وتصرفات الناس. فيكثر من توبيخهم حتى يخسرهم. وينتهر هذا، وينتقد ذاك، ويكلم ثالثًا بكلمة شديدة، أو ينصح بأسلوب جارح، أو بهزء وسخرية. ويعلق تعليقات قاسية على طريقة تفكير غيره ومدى فهمه. هكذا يخسر الكل، لمقارنته في داخل قلبه بين ذكائه وضعف تفكيرهم..!

 كثيرون لهم عقول كبيرة، وفي نفس الوقت لهم قلوب صغيرة ونفسيات أصغر..!

 ولذلك يفشلون في الخدمة، لا بسبب العقل أو المعرفة، إنما بسبب القلب المحب لذاته، وبسبب النفس التي تضيق بسرعة، أو بسبب الأعصاب المتوترة. وفي كل ذلك لا تسعفهم عقولهم بحلول، لأن حالتهم النفسية لم تعط فرصة للعقل الكبير أن يتصرف. فقامت الأعصاب بقيادة الموقف.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/28-Al-Khedma-Wal-Khadem-3/Spiritual-Ministry-and-Minister-III-17-Humility.html

تقصير الرابط:
tak.la/352ftj4