* الإنسان المُنْشَغِل باستمرار بذاته، ليس لديه وقت للاهتمام بغيره.
ولا حتى لديه رغبة في الاهتمام بملكوت الله ولا بخدمة الناس. كل ما يشغله هو ماذا أكون؟ وكيف أكون؟ ومتى أكون؟ وليس فقط أنه لا ينشغل بغيره، بل هو يريد أن الدنيا كلها تنشغل به!
مثل هذا الإنسان يكون بعيدًا جدًا عن الخدمة وروحها.
وإن دخل إلى الخدمة، لا يخدمها بهدف روحي من أجل بناء الملكوت ومنفعة الآخرين... بل يتخذ الخدمة وسيلة لبناء ذاته، ومجالا لظهوره وممارسة ما يهواه من سلطة وقيادة...!
إذا دخلت الذات في الخدمة، تضيع نفسها وتضيع الخدمة.
وقد تكون مجالا للسلطة والسيطرة... فيقول: لا يتم شيء إلا بإذني، إلا بمشورتي وفكري. القرار هو قراري والتدبير هو تدبيري، حتى لو وافق الكل لا غير ذلك. لذلك هو لا يشرك معه في الخدمة إلا من يتبعه ويخضع له. ولا مانع من أن يتخلص من الباقين، لكي ينفرد بالعمل تخطيطا وتنفيذا...
هذا من جهة الإدارة في الخدمة . على أن الذات قد تأخذ مجالًا آخر، هو الفكر الخاص في التعليم. بحيث لا يتبع التعليم العام للكنيسة، إنما منهجه الخاص، وتفسيره الخاص للكتاب، ونشر ما يعتقده هو مهما كان فكرا جديدا يخالف فيه التسليم العام!!
من مثل هذا المنهج الذاتي تكونت البدع في تاريخ الكنيسة. من أفكار ابتدعها البعض، وتمسكوا بها ونشروها... وأحيانا أمثال هؤلاء الأشخاص يشكلون تكتلات معينة داخل الكنيسة، لها فكرها واتجاهها وأسلوبها وانفرادها عن المجموع! إنها الأنا.
من سيطرة الأنا وعنادها، تتولد الانقسامات.
نعم، من أين تأتي الحروب والخصومات، إلا من الذات؟!... من (الأنا) تسبب الخلافات العائلية، التي قد تصل إلى المحاكم والقضايا، وما يسبق ذلك من شقاق وشجار وانفصال... حيث لا يفكر الشخص في سعادة غيره ولا في إرضائه، بل في راحته هو، وكرامته هو، وحقوقه. سواء كان داخل الأسرة أو الكنيسة...
وبسبب (الأنا) يبني راحته على تعب غيره.
بسبب الذات يركز الإنسان على نفسه، ولا ينفتح على الآخرين، ويتشبث بفكره ويهاجم الفكر الأخر. المهم أن ينتصر هو، ولو على حساب فشل غيره وخسارته.
وبهذا يفقد محبته للآخرين، ومحبة الآخرين له.
لأنه يعيش في دائرة ضيقة هي جائرة الذات. يرى فيها أنه على حق، وكل ما يخالفه على باطل. هو الصواب، وغيره الخطأ...
وطبعًا لا يمكنه بهذا أن يكون إنسانا اجتماعيًا. فهو إما أن ينطوي على ذاته، أو أن يصطدم بغيره. ويبرر نفسه عن طريق أن ينسب الخطأ إلى غيره... وهكذا يجعل الآخرين وقواد لنفسه لتدفئته. ولابد أن يروا الأمور كما يراها، ولو برؤية خاطئة!
* وقد يقلل من شأن غيره, لكي يكون باستمرار هو الأفضل.
وهكذا يقع في خطية الإدانة. بل يزداد الأمر إلى حد الوقوع في التشهير بالآخرين، وبخاصة من يحسد نجاحهم وتفوقهم (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)... ذلك لأنه لا يحتمل أن يوجد من هو أفضل منه، أو من يمدحونه أكثر منه. إنه بهذا يتعب مع الناس، ويتعب الناس منه...
* الإنسان المتمركز حول ذاته، يكون دائما صعب التعامل.
لأن المتعامل معه لابد أن يكون العنصر الخاسر في كل نقاش، وفي كل صفقة يشترك معه فيها. كما أن المتعامل معه لا يمكن أن يصل إلى نتيجة مع إنسان كهذا عنيد ومتشبث برأيه. فمن الأفضل إذن الابتعاد عنه، إراحة لأعصاب من يتعامل معه...
حتى في التعامل مع الله، لا يكون سهلًا.
أولًا لأنه لا يبحث عن ملكوت الله، وإنما عن ملكوته هو...ولا يريد مشيئة الله، بل مشيئته هو، حتى في صلاته , لا يطلب إرشاد الله له. إنما يفرض على الله طلباته. وكأنه يقول: انظر يا رب ز هذا الموضوع الذي اعرضه عليك، أنا قد درسته جيدا. وبقي عليك أن تنفذه لي وأن تفعل فيه كذا وكذا!! وليس فقط يطلب من الله أن ينفذ له مشيئته، بل ينبغي أن يكون ذلك بسرعة وبغير إبطاء...
الإنسان الواثق بذاته، يقيم نفسه رقيبًا على أعمال الله معه.
ويجادل الله في كبرياء: لماذا فعلت بي كذا؟ وكان يجب أن تفعل كذا... وإذا لم ينفذ له الله ما يريد، فإنه يغضب من الله، ويهدد بقطع العلاقات معه ومع كنيسته، وأن يمتنع عن الصلاة والصوم والتناول.
وإن كانت معاملته هكذا مع الله، فتعامله مع أب الاعتراف أصعب.
ما أسهل أن يختلف معه. وكإنسان حكيم في عيني نفسه، فهو قد يعرض على أب الاعتراف أمورًا لأجل الموافقة, وليس لأجل الإرشاد. فهو يعرف الصالح ربما أكثر من أب الاعتراف! وسهل عليه أن يناقش أب الاعتراف ويخطئه. وما أسهل عليه أن يرفت أب الاعتراف، ويبحث عن أب غيره، إذ لم يكن إرشاده حسبما يهوي هو!!
* الإنسان المتمركز حول ذاته: إن عاتب يكون عتابه قاسيًا.
لا يهتم فيه بمشاعر من يعاتبه , إنما يريد أن ينفس عن الإحساس بالضيق الموجود في داخله. وربما لا تقبل كرامته أي عذر أو تبرير يقدم إليه. كرامته -في نظره- أكبر من أن تمحو الأعذار ما تشعر به من إهانة..!
لذلك فإن غضبه قد يكون شديدًا, وربما يتحول إلى حقد.
وقد تطول مدته, لأنه لا يغفر بسهولة. فذاته تظل متأثرة، وفي عمق، لمدى زمني ممتد حتى يشعر أن ذاته قد أخذت حقها من الإرضاء، وكرامته قد نالت ما تريد من تقدير. ولهذا فهو في غضبه قد يثور وقد يحتد، دفاعا عن ذاته وكرامتها وحقوقها.
* وقد لا يكتفي بالغضب، وإنما يلجأ إلى الانتقام.
ولا شك أن كل جرائم الأخذ بالثأر سببها الذات التي تتسع دائرتها فتشمل كل أفراد العائلة أو القرية أو فريق الرياضة، وما إلى ذلك. إنه ينتقم ليأخذ حقه أو حق قريبه، ومن أجل شرف العائلة. ولا يعني الانتقام مجرد القتل، وإنما قد يحاول أن يضيع غيره في أية المجالات. وقد يشمل أيضا الشماتة به إن جاءته الخسارة من مصدر آخر...
والمُحَارَب بالأنا من الصعب أن يتعاون مع غيره.
لأنه يريد أن يكون الكل له، أو النصيب الأكبر له، سواء من جهة الربح أو الإدارة, أو مديح الناس. وتنطبق عليه مع زميله العبارة التي قيلت في سفر التكوين "ولم تسعهما الأرض أن يسكنا معًا" (تك 13:6).
وربما يكون هناك خادمان يعملان معا في كنيسة واحدة، ولا يقدران أن يعيشا معًا، على الرغم من أنهما من كبار الخدم! وذلك أيضًا بسبب الذات! حيث يختفي من بينهما الاهتمام بالخدمة، وتبقى الذات! من الأهم؟ ولمَن تكون الاختصاصات؟!
في أحد الأيام دخل أحد الخدام في حوار عميق حول مسألة كنسية مع خادم كبير. فاحتد ذلك الكبير عليه، وقال له:
"لابد أن تعرف من أنت؟ وَمَنْ أنا؟ "
وأتي ذلك الخادم (الأصغر) إلى ليشكو مما قيل له. فقلت له: كانت أصح إجابة هي أن تقول له: نحن الاثنين مجرد تراب ورماد, كما قال أبونا إبراهيم عن نفسه (تك 18).
* وأحيانًا لا يكون الشخص كبيرًا, ولكنه بأحلام اليقظة يتخيل لنفسه صورًا من الكبر والعظمة.
وهذه الأحلام نوع من تكبير الذات عن طريق الخيال... هي صورة للنفس التي لا يشبعها الواقع الذي تعيش، فتلجأ إلى إشباع ذاتها بأحلام اليقظة. فتتخيل أنه صارت كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا ونالت من الناس ألونا من التمجيد والتوقير! وتدخل أحلام اليقظة في حروب المجد الباطل... ويعيش بها الإنسان في وهم يسعد به! وينسي ويتناسى أنه ليست له القدرة على الوصول إلى أحلامه وأوهامه...
المُحَارَب بالذات، ما أسهل أن يصبح عدوانيًّا...
فيقف موقفًا عدوانيًّا ضد كل من يقف في طريق هذه الذات أو يعارضها أو ينافسها، أو من يظنه كذلك. ويشن حربًا شعواء عليه. حربا لا تعرف سلاما ولا ضميرا... وإن كان يعرف شيئا قديما عن هذا الشخص، يعلنه ويشهر به، يكيل له التهم, كل ذلك لكي تبقى ذاته بلا منافسة ولا مقاومة.
* وفي سبيل الدفاع عن الذات, لا مانع من الكذب والرياء...
الذات هي سبب الكذب. فحينما تخطئ الذات، ويريد الإنسان أن يغطي أخطائها, لكي تبدو أمام الناس بلا عيب، حينئذ يكذب ليخفي عيوبها، أو ليخفي نقائصها. أو قد يكذب من أجل غرض معين يريد أن يحققه لذاته، أو في سبيل رغبة آثمة تريدها الذات لنفسه، أو لصديق أو لعدو .
كذلك في سبيل الذات يلجأ الإنسان إلى الحيلة والدهاء. وبسبب الذات يلجأ إلى الرياء لتبدو ذاته فاضلة أمام الآخرين ولكي تنال مديحا منهم. وبه تستوفي أجرها على الأرض (مت 6).
* وكثيرًا ما تقف (الأنا) في سبيل التكريس.
مثال ذلك الأم التي تقف في طريق رهبنة أبنها أو ألنتها، بالرفض والضغط والبكاء والمرض، لكي تنفذ رأيها ورغبتها في أن يكون ابنها إلى جوارها ولا يترهب، أو تضغط عليه لكي يتزوج فتاة تنتقيها له... وفي كل ذلك لا يهمها مشاعر قلبه ورغبته في تكريس نفسه لله. وإنما هي الذات التي تدفع الأم إلى تنفيذ فكرها، ولو ضحت بابنها وسعادته الروحية....
* مثال آخر هو تدخل الأم في الحياة الزوجية لابنها.
ولا مانع عندها من أن تفرق بينه وبين زوجته أو بمعاملة الزوجة بقسوة أو جفاء لكي يرضي أمه. وإن لم يفعل ذلك تتهمه الأم بأنه ابن عاق نسي تعبها في تربيته، أو بأنه زوج ضعيف تؤثر عليه زوجته وتخضعه لشخصيتها!! وفي كل ذلك لا يعنيها فشله في حياته الزوجية بقدر ما يعنيها طاعته لها. إنها (الأنا).
* وأيضا الإنسان المحب لذاته، قد يصبح لحوحًا يتعب غيره.
إنه يريد أن ينفذ فكره أو رغبته بكافة الطرق وبكل سرعة. لذلك يلجأ إلى الإلحاح الشديد الذي يتعب أعصاب غيره... وذلك بتكرار الطلب، والضغط على تنفيذه الآن وكما هو، مهما كانت هناك عوائق تمنع من ذلك، ومهما كان الموقف غير مناسب... ولكن (الأنا) تريد، ولا يهمها إحراج من تطلب منه...
ويكون التعامل صعبًا مع هذا اللحوح الذي لا يهمه سوى ذاته.
والذات أو (الأنا) تشمل الأنانية بكل تفاصيلها.
من حيث أن إنسانًا يتمركز حول ذاته، لا يفكر إلا فيها، وأن يكون لها كل ما تريد، وفي سبيل ذلك يفضلها على الكل. فإذا اصطدمت ذاته بمحبة إنسان، يفضل ذاته على هذا الإنسان. وإن تعارضت مع بعض المبادئ والقيم من أجل ذاته. بل اصطدمت ذاته بمحبة الله، فإنه يفضلها على الله ومحبته...
نعم، أليست كل مخالفة لله, سببها الذات؟!
أليست الذات هي السبب في ضياع كل فضيلة.
الذات التي ترفض التواضع وتسعى إلى المتكآت الأولى... الذات التي تصاب بالغرور، وترتئي فوق ما ينبغي (رو 12: 3). والتي تشتهي عمل المعجزات والتكلم بألسنة، لكي ترتفع في نظر الآخرين..! الذات التي تحب البر الذاتي. وتدفع الإنسان إلى أن يكون بارا في عيني نفسه، وحكيما في عيني نفسه، وعظيما في عيني نفسه وفي أعين الآخرين ... الذات التي تفضل نفسها على الكل، وتبني راحتها على تعب غيرها... الذات التي تجد لذتها في أن تقع في كل الشهوات الجسدية والمادية، وبهذا تنجس جسدها الذي هو هيكل الروح القدس... الذات التي تفضل نفسها على الله بالخطية، وتحب أن تستقل عنه في فكرها وتدبيرها، وهكذا تهلك نفسه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/264crmm