لقد خلقنا الله أحرارًا, لا نُستعبد لشيء, ولا نُستعبد لأحد. ومن الكلمات الجميلة عن الحرية, ذلك المثل الانجليزي الذي يقول:
"لو أنك فقدت كل شيء -ماعدا الحرية- فأنت لا تزال غنيًا"...
ولكن الحرية لها شروط وحدود, وإلا فأنها تتحول إلى لون من التسيب. ومع محبتنا العميقة للحرية, إلا أننا لا نؤمن بالحرية المطلقة, ولا نأمن لنا. بل الحرية السليمة هي الحرية المنضبطة...
* كل إنسان حرّ, بحيث لا يعتدي على حريات غيره أو حقوقه. فهو لا يستطيع أن يضع يده في جيب غيره, ويقول "أنا حرّ أضع يدي حيثما أشاء"!! كما لا يليق به أن يقيم حفلًا بمكبرات صوت واسعة الانتشار، تزعج المريض الذي هو في حاجة إلى النوم والراحة، وتعطل طالب العمل الذي لا يمكنه أن يذاكر دروسه في وسط من الضجيج... وما يشبه ذلك من حالات
* والإنسان أيضًا حرّ، بحيث لا يخالف النظام العام. فهو لا يستطيع أن يقود سيارته بعكس قواعد المرور، ويقول "أنا حر أقود سيارتي حيثما أشاء"!
* والإنسان حرّ بحيث لا يتعدى القانون, ولا حتى العرف السائد, وإلا عرضّ نفسه للعقوبة والجزاء. وعدم معرفته بالقانون لا تعفيه إطلاقًا من المسئولية إذا ما خالفه.
* وأيضًا الإنسان حرّ, بحيث لا يخالف أي وصية من وصايا الله تبارك اسمه. وإن كان الله قد خلقنا أحرارًا, إلا إنه في نفس الوقت وضع لنا وصايا يجب أن نلتزم بطاعتها. أما إن خالفناها, فإننا نعرض أنفسنا للعقوبة الإلهية...
* والإنسان حرّ, بشرط أنه لا يضر نفسه.. فليس هو حرًا في تعاطي المخدرات أو المسكرات, أو في الأضرار بصحته بأية طريقة من الطرق, أو بأية عادة ضارة, أو بالإهمال في دراسته. وليس هو حرًا في نوعية الألفاظ التي يستخدمها, سواء كانت نابية أو غير لائقة...
لكل هذا ينبغي أن يضبط الإنسان نفسه فيما يستخدم الحرية.
وإن لم يضبط نفسه, يتعرض لأن يضبطه المجتمع أو القانون. وما أجمل العبارة التي قالها أحد الآباء "احكم يا أخي على نفسك, قبل أن يحكموا عليك". إذن انضباط الحرية يبدأ من الضمير أولًا, ثم من المجتمع أو القانون الذي ينظم كافة العلاقات...
وقد وُضع القانون لحماية المجتمع من انحرافات البعض في استخدام الحرية, وأيضًا لحماية الضعيف من بطش القوى. كما وُضع القانون لتنظيم الحريات ومنعها من التسيب.
والإنسان الذي لا يضع حريته تحت إشراف من المراقبة والمحاسبة, فإن القانون سيتولى هذه المحاسبة وأيضًا المعاقبة. ومن حق القانون -في حالة انحراف الحرية- أن يحكم بالسجن بل وبالإعدام أيضًا. وإن كان السجن يمنع السجين من الحرية, إلا إنه في الواقع يمنعه من إساءة استخدام الحرية في إيذاء الغير. وكذلك الإعدام هو حماية للمجتمع ممن يستخدم حريته ضد غيره استخدامًا لا يستحق معه الحياة. وفي الكتاب المقدس آية تحكم بأن "سافك دم الإنسان, بيد الإنسان يُسفك دمه" وأيضًا "نفس تؤخذ عوضًا عن نفس". وتقوم الدولة بتنفيذ ذلك...
الحرية الشخصية, وحرية العقيدة, وحرية الفكر.
والحريات العامة, منها: حرية الرأي, وحرية الاجتماع, وحرية النشر, وحرية الصحافة. وكل ذلك في حدود القانون والقواعد الموعية..
* فالحرية الشخصية لها شروط أيضًا. فلا يجوز لأي إنسان- باسم الحرية أن يقوم بأي عمل مخلّ بالآداب, كأن يسير عاريًا في الطريق, ولا يجوز أن يفتح ريكوردر في ركوبه للأتوبيس ويقول هذه حريتي. كما أنه في حريته الشخصية لا يسمح له بأن يتزوج زيجة غير شرعية, أو أن يمارس الشذوذ الجنسي, كما لا يجوز لفنانة أن ترقص في الطريق. وكذلك ليس من الحرية الشخصية أن ينتحر الإنسان, إذ ليس من حقه أن يقتل نفسه. فنفسه مِلك لله الذي خلقها, وأيضًا مِلك للمجتمع الذي رعاها وعلّمها وأنفق عليها وينتظر منها أن ترد الجميل.
ومن الحرية الشخصية, حرية العقيدة أيضًا. فالإيمان أمر بين الإنسان وربّه, لا يكرهه عليه أحد أو يغيرّه...
ومن جهة حرية الفكر. فالإنسان حرّ يفكر كما يشاء. ولكنه مسئول أمام الله عن نقاوة فكره. فكل فكر خاطئ يُحاسب عليه أمام ضميره وأمام الله.
أما حرية الرأي وحرية النشر: فهما مكفولتان حسب القانون بحيث لا ينشر أحدًا أفكارًا هدامة أو يقُصد بها إثارة الجماهير وقيادتهم في ما يضر المجتمع. وكما يُسمح للإنسان بحرية الفكر والرأي, فإن عليه أن يلتزم بنزاهة الرأي وصدقه. فإن خرج عن هذا, يكون قد أساء استخدام الحرية, وتقع عليه المسئولية.
ونفس الوضع نقول عن حرية الاجتماع, فهي مكفولة طالما هي بريئة وصالحة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). أما إذا كانت تهدف إلى قلب الأنظمة القائمة, فما أسهل أن يوجد سبب لمنعها. ليس منع حرية الاجتماع, وإنما لمنع أهدافها الخاطئة.
حرية الصحافة: هي أيضًا قائمة حسب القانون. ولكن ينطبق عليها ما قلناه في حرية النشر. فلها أن تكتب ما تشاء مساهمة في بناء المجتمع وتثقيفه وتوضيح الأمور له. أما إذا تحولت كتابات بعض الأخبار أو المقالات إلى السب والقذف والتشهير والمساس بسمعة الآخرين, فحينئذ تدخل تحت طائلة القانون, لأن السب والتشهير ليسا من خواص الصحافة كما ينبغي لها أن تكون...
ويستطيع أن يستخدم الحرية استخدامًا سالمًا, من يستخدمها استخدامًا سليمًا. وعمومًا فالصفة الأولى للحرية, أن يتحرر المرء من الداخل. يتحرر من الخطيئة, ومن الذات, ومن كل عادة خاطئة أو طبع رديء. وحينئذ يستطيع أن يستخدم الحرية بأسلوب لا يسئ فيه إلى أحد, ولا يسئ فيه إلى نفسه, ولا تنطبق عليه عقوبات القانون ولا لوم المجتمع له.
ومن احترم حريات الغير, يحترم الكل حريته. أما إذا ظلمه أحد, فسوف يدافع المجتمع عنه. وينصره الله الذي يحكم للمظلومين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/b6t3r6x