أولا, وقبل أن أبدأ هذا المقال, أحب أن أهنئكم جميعًا بعيد الميلاد المجيد, وببدء عام جديد, راجيًا لكم عيدًا سعيدًا, وعامًا مملوءًا بكل خير, لكم ولمصر كلها... في هذه الأيام التي يسود فيها القلق والتخوف.
ويتساءل الكل من جهة بلادنا العزيزة المحبوبة: إلي أين؟!! والجواب: إلي كل خير وبركة... بمشيئة الله الذي لا يشاء إلا الخير والبركة, والذي رحمته تتقدم كل أعماله, وكل أعمال مشيئته. سبحانه الذي نحتمي برحمته كل حين.
وأهنئكم أيضا -يا إخوتي وأحبائي- بعيد ميلاد هذه السنة بالذات، الذي لأول مرة خلال سنوات كثيرة مضت- تزدحم فيه الكاتدرائية بأكبر عدد من القيادات الإسلامية بكافة اتجاهاتها يهنئون الأقباط بعيدهم, ويضعون أيديهم في أيدينا فرحًا في وحدة المشاعر. ويقولون: كلنا واحد في حب مصر.
هذا مع الحضور المميز والمشرف لأعضاء المجلس العسكري, الذي يعمل من أجل حماية مصر واستقرارها. هذا الذي نصلي من أجله جميعًا أن يديمه الله في قوة وجبروت, مستمرا فيً حماية مصر من الداخل والخارج أيضًا.
أما عن ميلاد السيد المسيح له المجد, فقد وردت عنه في الكتاب المقدس أنه 'كان يجول يصنع خيرًا, ويشفي كل مرض وضعف في الشعب...' (سفر أعمال الرسل 10: 38؛ إنجيل متى 4: 23؛ إنجيل متى 9: 35). نعم, لقد كان هذا هو أسلوب السيد المسيح في العمل, طوال مدة رعايته للكل علي الأرض, وبخاصة للمحتاجين والفقراء والمساكين والذين ليس لهم أحد يذكرهم...
نعم, كان يجول يشبع الكل من رضاه. يهتم بالكل. وهو معين من ليس له معين, ورجاء من ليس له رجاء.
كان يهتم جدا بالفقراء والمحتاجين. بالجياع والعطاش والعراة والمسجونين وأمثالهم. ويعتبر اهتمام الشعب بهؤلاء كأنه موجه له شخصيًا. فإن سألوه ـ كما ورد في مت25 ـ' متى رأيناك يا رب جائعا أو عطشانا أو عريانا, أو سجينا أو ما أشبه...'. فيجيبهم قائلا:' الحق أقول لكم: مهما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر, فبي قد فعلتم'، ونص الآيات هو: "تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ" (إنجيل متى 25: 34-40). وهكذا شجع الجميع بالعناية بالفقراء والمحتاجين الذين اعتبرهم إخوته مهما كانوا من الأصاغر في نظرنا.
وكان يهتم أيضا بالضعفاء والمساكين روحيًا, أعني بالخطاة وبالعشارين أيضًا. كان أسلوبه الروحي في معاملة هؤلاء: ليس الانتقام منهم أو عقوبتهم بسبب ارتكابهم للخطايا, بل بالحري إنقاذهم من تلك الخطايا... وهكذا حينما لاموه علي جلوسه مع العشارين والخطاة, أجابهم بعبارته الشهيرة المملوءة عمقا وحبا: "لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى" (إنجيل متى 9: 12؛ إنجيل مرقس 2: 17؛ إنجيل لوقا 5: 31)'. إذن هؤلاء الخطاة, هم مرضي, ويحتاجون إلي طبيب, لكي يعالجهم, وليس ليعاقبهم. وهنا يسأل البعض: هل السيد المسيح لم يعاقب أبدًا؟ نقول كلا بل عاقَب ولكن بطريقة لطيفة، رقيقة، يكسب بها الخاطئ وليس أن ينتقم منه. ولذلك في قصة طرده الباعة من الهيكل الذين أتوا ببضائعهم. ووبخهم قائلا: 'بيت أبي بيت الصلاة يدعي, وأنتم جعلتموه مغارة لصوص' (سفر إشعياء 56: 7؛ إنجيل متى 21: 13). وفي هذا قلت:
يا قويًا ممسكًا بالسوط في كفه والحب يدمي مدمعك
نعم, كان الحب هو أسلوب السيد المسيح, حتى في معاملة الخطاة. وهنا أذكر قول أحمد شوقي أمير الشعراء: ولد الحب يوم مولد عيسي...
وهنا أيضا أذكر تعامله في قصة المرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل. وكيف أتي بها الكتبة والفريسيون الذي اعتبروا أنفسهم أمناء علي تطبيق الشريعة وأذلوها. وسألوه:' بماذا تحكم علي هذه المرأة التي تأمر شريعة موسي برجمها؟'. وهنا قال لهم في عمق:' من كان منكم بلا خطية, فليرمها بأول حجر'، ونص الآية هو: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!" (إنجيل يوحنا 8: 7). وفي نفس الوقت, بدأ بطريقة ما يظهر لكل منهم خطاياه. فهربوا جميعًا. فقال السيد المسيح للمرأة:' أين الذين أدانوك؟ هل لم يبق منهم أحد؟! وأنا أيضا لا أدينك. اذهبي ولا تعودي تخطئي أيضًا'. وهكذا أنقذ المرأة من الرجم ومن المذلة...
وبنفس أسلوب المحبة تعامل مع زكا رئيس العشارين وقتذاك. الذي كان قصيرًا وتسلق شجرة وقتذاك. فقال له السيد المسيح: 'يا زكا أسرع وانزل. اليوم سأتعشى في بيتك'، ونص الآية هو: "يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ" (إنجيل لوقا 19: 5). فلما لامه الكتبة والفريسيون: كيف يدخل في بيت رجل خاطئ؟! أجابهم قائلا:' إن ابن الإنسان جاء يطلب ويخلص ما قد هلك'، ونص الآيات هو: "فَلَمَّا رَأَى الْجَمِيعُ ذلِكَ تَذَمَّرُوا قَائِلِينَ: «إِنَّهُ دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُل خَاطِئٍ».. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (إنجيل لوقا 19: 7، 10)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بهذا الحب أنقذ زكا العشار الذي قال تبعا لذلك: 'ها أنا تركت نصف أموالي للفقراء. وإن كنت قد وشيت بأحد, أرد أربعة أضعاف'، ونص الآيات هو: "هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ" (إنجيل لوقا 19: 8). وبهذا الأسلوب تاب زكا. وبمثل هذا الأسلوب الرقيق الهادئ تابت المرأة السامرية وآمنت, وكانت سببا في إيمان بلدتها... هذه الخاطئة التي قال السيد المسيح لها في رقة دون أن يجرحها:' حسنا قلت إنه ليس لك زوج, لأنه كان لك خمسة أزواج, والذي معك الآن ليس هو لك'، ونص الآيات هو: "حَسَنًا قُلْتِ: لَيْسَ لِي زَوْجٌ، لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَالَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ" (إنجيل يوحنا 4: 17، 18). وطبعا كلمة (أزواج) هنا هي عبارة رقيقة. فهم لم يكونوا أزواجًا. ولكن السيد المسيح لم يستخدم معها العبارة الدقيقة المحرجة, حرصا علي مشاعرها رغم خطيئتها!!
السيد المسيح كان أيضًا رجلًا شعبيًا. يعيش باستمرار مع الشعب. كان معلما يعمل كثيرًا في التعليم. وغالبا ما كانوا يدعونه 'يَا مُعَلِّمُ' (إنجيل متى 8: 19؛ 12: 38؛ 22: 16، 24, 36؛ إنجيل مرقس 4: 38؛ 9: 17، 38؛ 10: 20، 35؛ 12: 14...) 'أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ' (إنجيل متى 19: 16؛ إنجيل مرقس 10: 17؛ إنجيل لوقا 18: 18). ومع ذلك لم يكن له مكان للتعليم. بل كان يعلم أحيانا وهو جالس علي الجبل, أو وهو سائر في الحقول, أو علي شاطئ البحيرة. وعموما لم يكن له بيت يقيم فيه. وقيل عنه' لم يكن له أين يسند رأسه'، ونص الآية هو: "ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ" (إنجيل متى 8: 20؛ إنجيل لوقا 9: 58) والذين كانوا يتبعونه من تلاميذه الصيادين الفقراء, كانوا يسيرون وراءه, وهم لا يعلمون إلي أين يمضون!!
كان بين الناس يسلك بالتواضع والبساطة. وكان يعاشر فقراء الناس, وليس كبار القوم منهم. وقد نشأ في بلدة فقيرة هي بيت لحم, من أم فقيرة هي القديسة العذراء مريم, التي كانت تحيا في بيت نجار. ولعل السيد المسيح قد تعلم هذه الصناعة منه في شبابه المبكر.
كان السيد المسيح يتعامل مع الناس بكل بساطة وشعبية يتعامل مع الكل. حتى مع الأطفال الذين كانوا يحيطون به, متمتعين بمحبته. والذين قال عنهم لتلاميذه 'إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال, فلن تدخلوا ملكوت الله'، ونص الآية هو: "إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (إنجيل متى 18: 3). يقصد مثل الأطفال في براءتهم وبساطتهم وصدقهم, وليس في عقليتهم طبعًا.
المسيح أيضا في تواضعه وبساطته, لم يجعل الكنائس تبني باسمه, ولا حتى الأناجيل تحمل اسمه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/syn5sdj