إن أردنا نأخذ أمثلة عن الغيرة المقدسة، فإن أول مثال لنا هو الله نفسه، سواء في أزليته، أو في تجسده. ثم الملائكة وسائر القديسين، في العهدين القديم والحديث. مع أمثلة من تاريخ الكنيسة. ونبدأها بغيرة الله نفسه:
1) الله نفسه:
قرأنا لقبه في مواضع كثيرة أنه "إله غيور".
ورد في سفر الخروج " لأن الرب اسمه غيور. إله غيور هو" (خر 34: 14). وفي سفر التثنية " الرب إلهك هو نار آكلة. إله غيور" (تث 4: 24). وقيل عنه في سفر يشوع "إله قدوس وإله غيور هو". (يش 24: 19). وفي سفر ناحوم "الرب إله غيور" (نا 1: 2). ويتحدث السيد الرب عن غيرته الإلهية، فيقول:
"... أغار على اسمي القدوس" (حز 39: 25).
وغيرة الرب تظهر في معاقبته للشر، سواء صدر من شعبه أو من الأمم. فمن جهة أهل أورشليم الذين نجسوا مقادسه، يقول "أنا الرب تكلمت في غيرتي... أتممت سخطي فيهم" (خر 5: 13). كذلك تكلم عن غيرته ونار سخطه في اجتياح جوج لإسرائيل (حز 38: 19). أما عن الأمم فيقول الكتاب " هكذا قال السيد الرب: إني في نار غيرتي تكلمت على بقية الأمم الذين جعلوا أرضى ميراثًا لهم..." (حز 36: 5) مع "غضب عظيم على الأمم" (زك 1: 14).
وفى غيرة الرب التي تضرب الأشرار، قيل:
"لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع أن ينقذهم في يوم غضب الرب. بل بنار غيرته تؤكل الأرض كلها" (صف 1: 18).
ومن الناحية الأخرى، في غيرته ينقذ شعبه:
فيقول "الآن أرد سبى يعقوب، وأرحم كل بيت إسرائيل، وأغار لاسمي القدوس" (خر 39: 25). وأيضًا "هكذا قال رب الجنود إلى أورشليم، فيبنى بيتي فيها" (زك 1: 14). " لأنه من أورشليم تخرج بقية، وناجون من جبل صهيون. غيرة رب الجنود تصنع هذا" (إش 37: 32).
لذلك كان الناس يصرخون إلى غيرة الرب لإنقاذهم:
فيقولون له " تطلع من السماء، وانظر من مسكن قدسك ومجدك. أين غيرتك وجبروتك" (إش 63: 15). وهكذا نرى أن يوئيل النبي نادى بصوم وتذلل وتوبة، وبأن يبكى الكهنة أمام الرب " فيغار الرب لأرضه، ويرق لشعبه" (يؤ 2: 18).
بل أن غيرة الرب على خلاص شعبه، كانت سبب التجسد.
وهكذا قيل في سفر إشعياء النبي "لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابنًا، وتكون الرياسة على كتفه. ويُدعى اسمه عجيبا مشيرًا، إلها قديرًا، أبا أبديًا رئيس السلام لنمو رياسته وللسلام لا نهاية... غيرة رب الجنود تصنع هذا" (إش 9: 6، 7)
هذه الغيرة على خلاص وعلى القداسة والملكوت نجدها في تجسد السيد المسيح:
غيرة الرب هذه واضحة في تطهيره للهيكل، إذ " وجد في الهيكل الذين كانوا يبيعوا بقرًا وغنما وحمامًا، والصيارفة جلوسًا، فصنع سوطًا من حبال، وطرد الجميع من الهيكل، الغنم، والبقر. وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا. لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة" (يو 2: 14-16). ويعلق القديس يوحنا الإنجيلي على تطهير الهيكل فيقول:
"فتذكر تلاميذه أنه مكتوب: غيرة بيتك أكلتني" (مز 69 : 9).
وفي غيرة السيد المسيح لخلاص الناس، بذل ذاته عنهم (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).
كانت غيرة عملية بكل عمق الكلمة. لم تكن مجرد رغبة في أن تخلصوا. وإنما جمل خطاياهم، ودفع ثمنها على الصليب، ومات عنها... إنها الغيرة التي فيها الحب والبذل. وليس مجرد بذل شيء خارجي، إنما بذل الذات والحياة. وهكذا ضرب لنا المثل الأعلى في الغيرة العملية.
وفى فترة خدمته على الأرض، كانت له الغيرة المملوءة حبًا.
كان من أجلهم "يطوف المدن كلها والقرى، يعلم في مجامعها ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفى كل مرض وكل ضعف في الشعب". وماذا أيضًا؟ يقول الكتاب "ولما رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومطرحين كغنم لا راعى لها" (متى 9: 35، 36). وقال عنه القديس بطرس الرسول إنه كان يجول يصنع خيرًا (أع 10: 38).
وكان الله -من غيرته على خلاص الناس- يكلف ملائكته بأن يكونوا خدامًا لهذا الخلاص.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/nqscgb4