نزل الأبدي إلينا متجسدًا لكي يحملنا كنيسة متحدة به، تحيا فيه، وتحمل سماته. وهكذا إذ رفعنا إلى العضوية في جسده الأقدس، أي في الكنيسة المتحدة به، ندخل حياته ونمارس سلوكه السماوي، ونكتشف ملكوته ليس خارجًا عنا بل في داخلنا.
لقد صبغ كنيسته بصبغة سماوية، ودخل بها إلى "الحياة الفائقة الطبيعة" خلال إتحادها به، لا كحياة خيالية تسجلها الكتب أو يعظ بها خدام الله، لكنها "خبرة واقعية في المسيح" الذي جاء إلينا في واقعنا الأرضي.
فإن كانت الحياة المسيحية هي حياة سماوية لكنها تُمارَس على الأرض، إذ لم يدخل بنا الله إليها وهو منعزل في السماء، بل نزل الكلمة الإلهي واتحد بناسوتنا، عاش على الأرض وأكل من ثمارها وشرب من مياهها واعتمد في أحد أنهارها، وخضع لقوانينها ومارس طقوس العبادة فيها وهو الأبدي المعبود! لقد أعطانا الأبدية خلال واقع الزمن، فنجلس في السمويات ونحن بعد على الأرض.
هكذا عاشت الكنيسة في عصر الرسل كما في عصر الآباء الأولين، تسلك بروح سماوي واقعي، تحمل سمة الإسخاتولوچية (الأخروية) والواقعية في نفس الوقت. تعلن في غير توقف حنينها الملتهب نحو اللقاء الأبدي مع الرب وجهًا لوجه دون تجاهل للحياة الزمنية المقدسة في المسيح يسوع.
انعكس هذا كله في حياة الكنيسة، في عبادتها وكرازتها وسلوكها، فإن كانت تود أن تدخل بالعالم كله إلى "الأبدية". تنطلق بكل نفس إلى ما وراء الزمن وتفتح كل بصيرة لمعاينة ملكوت الله الذي لا يُعبَر عنه بلغة ولا تحده قوانين ولا يخضع لنظم بشرية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). لكنها في نفس الوقت لا تتجاهل واقعنا كأناس نحمل جسدًا ونسلك على وجه الأرض... التزمت أن تحدثنا عن "الملكوت السماوي" باللغة البشرية رغم عجزها، ونظمت العبادة في طقوس وشعائر وأنظمة مع أن "الحياة في المسيح" هي شركة سرية داخلية مع الله لا تحدّ بأنظمة وترتيبات ...
قدمت لنا الكنيسة إيمانها في عبارات وقوانين لكي تدخل بنا إلى ما وراء العبارات والقوانين. ونظمت لنا "العبادة" لكي ننطلق من خلالها إلى الليتورچية السماوية، نشارك الطغمات العلوية تسبحتهم الأبدية.
هذه هي كنيسة المسيح التي لا تعرف الثنائية؛ تدخل الأبدية ولا تحتقر الزمن، تعيش في السمويات ولا تتجاهل الأرض، تهيم في حب الله بغير حدود ولا تترك النظام والطقس[1].
من أجل هذا أثرت أن ندرس معًا -تحت قيادة الروح القدس- قوانين الرسل كما سجلتها لنا الكنيسة الأولى: كيف بدأت؟ وكيف تطورت؟ وما هو غايتها؟ ثم ندرس "الديداكية" التي تعتبر أول وثيقة بين أيدينا تقدم لنا النظام الكنسي في الكنيسة الأولى.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3szwngd