أعطى الآباء اهتمامًا خاصًا للبتولية، وهذا يُفسِر جُزئيًا بأنَّ الرَّهبنة كانت الحدث المُهِم في عصر الآباء الذهبي، لأنَّ الرَّهبنة كانت بنظرهم الحياة الإنجيلية المُثلَى... ومع ذلك كتب الآباء كِتابات عميقة عن الزواج لأنهم عاشوا ما يرمُز إليه الزواج، في العُرْس السِّرِّي، حيث العروس التي لا عريس لها ويُسمَّى عُرْسها عُرْسًا بتوليًا بالإتحاد بالله.
رأى الآباء أنَّ البتولية ليست جدبًا أو عُقمًا إنما هي حياة مِلؤها الخصب والنماء تحفظ تمامية الإنسان في سمو وقداسة، مُعتبرين أنها عطية روحية وحياة ملائِكية وتَبَعِية للحَمَلْ أينما ذهب، لذلك هي هِبة ليست للجميع بل للذينَ أُعطِيَ لهم.
ويرى آباء الكنيسة أنَّ البتولية إحدى صور الحياة المسيحية، فهي ليست صورة عامة ولكنها صورة خاصَّة، تنشأ بالروح القدس في حياة المدعوين لها، وركَّز الآباء على أنَّ البتولية تُعتبر علامة القِيامة من الموت وعلامة البُّنوة الكامِلة، حتّى أنَّ بعض الآباء اعتبر أنها السِّر الثَّامِن من أسرار الكنيسة.
وعند كلّ الآباء تُعتبر البتولية علامة القِيامة، والبتوليون هم الذين فعلًا قاموا من بين الأموات بينما هم لا زالوا في الجسد، والروح القدس الفاعِل في الأسرار يزرع فيهم هذه الطبيعة الفائِقة، طبيعة القِيامة، فالبتولية سِمة العالم الجديد وبِدايِة الملكوت وقانون الحياة الأبدية، طريقها سماوي ملائِكي، والسَّالِكين فيها بشر سمائيون وملائِكة أرضيون، شريطة ألاَّ تكون وضعًا خارِجيًا بل حالة كمال حقيقي وتبنِّي لطبيعة العادِمي الأجساد، جحود فائِق للطبيعة ومُنافسة عجيبة للملائِكة.
أوصى الآباء الذين يحيون حياة البتولية أن لا ينتفِخوا بسبب بتوليتهم أمام السَّالكين في ممرات الزيجة التي هي أقل، إذ لا ينبغي على مَنْ يملُك ذهبًا أن يحتقِر الفِضَّة، فلا معنى لبتولية الجسد بدون بتولية القلب وتكريس كلّ الطاقات للعِبادة والخدمة.
وعرَّف الآباء نذر البتولية بأنه حياة عدم الفساد ورِباط الإتحاد بين الأُلوهية والبشرية وزيجة روحية يقتني بها البتول أجنحة روحانية ويطير ليسكُن في نور البتول ابن البتول كواحِد مُختار من الناس المُختارين وكمعدود ضِمن الطغمات السمائية صاحِب النصيب الأمجد في قطيع المسيح.
ويرى الآباء أنَّ البتوليين هم زهور الكنيسة، جمال وزينة ونِعمة الروح، صورة الله التي تعكِس قداسته، الجزء الأكثر لمعانًا في قطيع المسيح المُثمِر المجيد، ويتمثَّل جمال الحياة البتولية في عُمقها في علاقة شخص الرب يسوع بعروسه البتول.
ويرى الآباء الأوَّلون أنَّ الطوباوية مريم العذراء هي نموذج ومِثال البتولية، وهي مُعلِّمة البتولية والطهارة، ونذر بتولية العذراء الذي وضعته في قلبها جعل البتول يحِل فيها لِيُقدِّس فيها حياة البتولية، ولِيُؤكِد بتولية القلب التي يُريدها للكنيسة خلال بتولية جسد مريم.
فالمسيح نفسه بتول وأمه بتول، نعم مع أنها أُمُّه لكنها لا تزال بتولًا، إذ دخل يسوع فيها خلال الأبواب المُغلقة... (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ونحن أولاد الملِك البتول الذي تم فيه القول أنَّ البتول سلَّم البتول إلى البتول فاستراح المثيل إلى مثيله (يو 19: 26) نسأله أن يبعث في أعضاء جسده إمكانية حياة البتولية التي هي شريعة السماء ليصير هو السيِّد البتول راعيًا للبتوليين، مُتحِدًا بنا مُصيِرًا كلّ ما فينا بتولًا... مُعطِيًا إيَّانا الفِكْر البتولي والقلب البتولي والحواس البتولية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/4rsx65t