1 – روايات الميلاد والطفولة الأبوكريفية ومخالفتها للإنجيل القانوني:
قبل الدخول في موضوع الكتب، المسماة بأناجيل الميلاد والطفولة، نضع الأسئلة التالية أمامنا لتتضح الصورة الحقيقية لها، ومعرفة دوافعها ومغزاها وأسباب كتابتها، وأسباب انتشارها بين الهراطقة وبعض العامة من الجهلاء بالكتاب المقدس. وهل لها صلة بالأناجيل القانونية والتي استلمتها الكنيسة من الرب يسوع المسيح عبر تلاميذه ورسله مباشرة، أم لا:
1 – هل أعلن الوحي في الأناجيل القانونية الأربعة (الإنجيل بأوجهه الأربعة) بوجود أية معجزات صنعها المسيح في ميلاده وطفولته، بأي شكل من الأشكال؟
2 – هل فعل الرب يسوع المسيح معجزات في ميلاده وطفولته غير المذكورة في الإنجيل بأوجهه الأربعة، وذكرت في وثائق غير الإنجيل؟
3 – هل ذكر الآباء الرسوليون وآباء القرن الثاني والقرن الثالث الميلادي أية معجزات للمسيح في ميلاده وطفولته غير المذكورة في الإنجيل بأوجهه الأربعة؟
4 – وهل ذكروا أي من هذه المعجزات المزعومة، والمذكورة في الكتب المسماة بالأبوكريفية والتي خرجت من دوائر الهراطقة، أو استشهدوا بها؟
5 – وهل تتفق هذه المعجزات الخرافية والأسطورية مع سمو وبساطة وعظمة معجزاته المذكورة في الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة؟
6 – وما معنى قول الإنجيل للقديس لوقا: "وكان الصبي (يسوع) ينمو ويتقوى بالروح ممتلئا حكمة وكانت نعمة الله عليه.. وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو40:2،52)؟
7 – وهل يدل ما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا: "وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب" (يو20:30)، على أن هناك معجزات حدثت في ميلاد وطفولة المسيح غير المذكورة في الإنجيل بأوجهه الأربعة؟
8 – ولماذا كتبت المعجزات في هذه الكتب الأبوكريفية بمثل هذا الشكل الأسطوري البعيد عن سمو وبساطة الرب يسوع المسيح وعظمته؟
9 – كان لكل معجزة من معجزات المسيح هدفً سواء كان روحيًا أو تعليمًا أو لإثبات لاهوته وعلاقته بالآب، فما هي أهداف هذه المعجزات الأسطورية المذكورة في هذه الكتب الأبوكريفية؟
10 – تذكر هذه الكتب الأبوكريفية معجزات للطفل يسوع تدل على طبيعة عدوانية لطفل عدواني مشاكس ومسبب للمتاعب، بل والآلام والأحزان، لكل من حوله، فهل تتفق بذلك مع مسيح الإنجيل بأوجهه الأربعة، الوديع والحنان والمحب بلا حدود؟
11 – ظهرت الملائكة وقت ميلاد المسيح لفئة واحدة من الناس هم الرعاة، وظهر نجم في المشرق لفئة واحدة من الناس هم مجوس من المشرق، فهل يبرر ذلك ما ذكرته هذه الكتب الأسطورية من ظهور الملائكة لكثير من الناس، وسجود الحيوانات له، وخضوع الطبيعة والأشجار له وهو طفل كإله الكون ومدبره، متجاهلة حقيقة تجسده واتخاذه للطبيعة الإنسانية الكاملة؟
12 – وما هي الأسباب الحقيقة وراء تأليف هذه القصص الأسطورية وكتابتها ونشرها بين الهراطقة وبسطاء المؤمنين؟
وللإجابة على هذه الأسئلة نبدأ بما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا عن معجزة تحويل الماء إلى خمر التي صنعها الرب يسوع المسيح في عرس قانا الجليل والتي تقول: "هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل واظهر مجده فآمن به تلاميذه" (يو2: 11). وكلمة "آيات" هنا هي، كما جاءت في اليونانية "σημεῖον - sēmeion"، وتعني كما جاءت في قاموس Strong؛ "معجزة، علامة، أمارة، عجيبة" (1). وتعني هنا "بالتحديد علامة إعجازية، علامة عمل قوة ونعمة، وصفة لاهوتية" (2)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. أي "حدث طبيعي أو إنساني يصبح علامة أو شهادة لطاقات لاهوتية أو غير مرئية" (3). وهي تعني كل أنواع الأعمال التي تظهر من الرب يسوع المسيح، والتي عملها بكل أنواعها، معلنة عن شخصه ولاهوته وكونه المسيح ابن الله الحي.
ويرتبط بها قوله "واظهر مجده"، ثم "فآمن به تلاميذه"، أي أن هذه الآيات التي كان يصنعها الرب يسوع، كانت بسب تحننه وحبه للبشرية، وبالدرجة الأولى لإظهار مجده، وحتى يؤمن تلاميذه وغيرهم أنه المسيح الآتي، ابن الله، "المسيح ابن الله الحي" (مت16:16؛ يو6:69)، ومن ثم نجد عدة آيات تؤكد هذا المعنى، كقوله عن مرض لعازر الذي أقامه من الموت بعد أربعة أيام من موته: "فلما سمع يسوع قال هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به" (يو11:4)، وقوله عن المعجزات التي سيفعلها على يد تلاميذه "ومهما سألتم باسمي فذلك افعله ليتمجد الآب بالابن" (يو14:13). وهذا ما قيل عن معجزاته المتنوعة؛ "جاء إليه جموع كثيرة معهم عرج وعمي وخرس وشل وآخرون كثيرون. وطرحوهم عند قدمي يسوع. فشفاهم، حتى تعجب الجموع إذ رأوا الخرس يتكلمون والشل يصحّون والعرج يمشون والعمي يبصرون. ومجدوا اله إسرائيل" (مت 15:30و31). بل وكانت هذه المعجزات والعجائب هي رده العملي في إجابته على تلاميذ يوحنا دلالة على أنه المسيح الآتي: "فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. أن العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون. وطوبى لمن لا يعثر فيّ" (لو7:22و23).
وتبدأ الآية بقوله: "هذه بداية الآيات فعلها يسوع"، والتي تؤكد أنه لم يصنع أية آية قبلها، مؤكدة على أن كل ما نسب للرب يسوع المسيح قبل ذلك، سواء في ميلاده أو طفولته أو قبل خدمته، غير صحيح. ففي ميلاده حدثت المعجزات لأجله ولم يفعلها هو كالطفل يسوع، بل حدثت من أجله وأبرزها ظهور الملائكة للرعاة وظهور النجم للمجوس. ولم يذكر الإنجيل بأوجهه الأربعة، أية معجزات صنعها يسوع وهو طفل، برغم أن ذلك لا ينفي إمكانية فعله للمعجزات كالإله المتجسد، ولكنه كان يفعل كل شيء بحسب التدبير الإلهي والمشورة الإلهية الأزلية.
كما أن جميع المعجزات التي صنعها الرب يسوع المسيح تميزت بالبساطة والسمو والعظمة والحكمة في آن واحد وقد سجلت ودونت بالروح القدس دون زخرفة أو مبالغة أو تهليل، بل ذكرت كأحداث طبيعية بالنسبة للمسيح ابن الله الحي، وبصورة بسيطة تلقائية، مؤكدة على بساطة وعمل الروح القدس في كُتّابها، الذين اعتادوا عليها، ولم يروا فيها شيء غير طبيعي بالنسبة له، كابن الله الحي. وكان تأثيرها يظهر فقط، عند جموع الناس التي شاهدتها، وكان تعبير الكتاب دائمًا هو: "فتعجب الناس قائلين أي إنسان هذا. فان الرياح والبحر جميعا تطيعه" (مت8:27)، "فلما اخرج الشيطان تكلم الأخرس. فتعجب الجموع قائلين لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل" (مت9:33)، "فتعجب الجميع" (مر5:20)، "فقام (المفلوج) للوقت وحمل السرير وخرج قدام الكل حتى بهت الجميع ومجّدوا الله قائلين ما رأينا مثل هذا قط" (مر2:12). "وبعد شفائه لمجنون أعمى واخرس، يقول الكتاب: "فبهت كل الجموع وقالوا ألعل هذا هو ابن داود" (مت12:23)، وبعد إقامته لابنة يايرس من الموت، يقول: "فبهت والداها" (لو8:56). وبعد شفائه لصبي من الصرع وإخراجه للروح النجس، يقول: "فبهت الجميع من عظمة الله وإذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع" (لو9: 43).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/k67w5z8