الآباء الرسوليون هم تلاميذ الرسل وخلفاؤهم الذين تتلمذوا على أيديهم وخدموا معهم وكانوا معاونين لهم وصاروا خلفاء لهم واستلموا مسئولية الكرازة والخدمة من بعدهم، وحملوا الإنجيل، سواء الشفوي أو المكتوب، وكان مصدر عقيدتهم ومصدر تعليمهم، ومن ثم فقد استشهدوا بآياته ونصوصه في كرازتهم وعظاتهم وتعليمهم، وكتاباتهم التي بقى لنا منها عدد كاف ليكشف لنا عما تسلموه من الرسل وما تعلموه وعلموه من عقائد. وكان على رأس هؤلاء الشخصيات التالية التي تركت لنا أعمالًا مكتوبة ظلت ومازالت تشهد للأجيال لصحة كل نقطة وكل حرف وكل كلمة وكل آية وكل فقرة وكل إصحاح وكل سفر في العهد الجديد والكتاب المقدس كله.
(1) القديس أكليمندس الروماني (30-110 م.)، كما يقول عنه يوسابيوس القيصري في تاريخه، أسقفًا لروما ومساعدًا للقديس بولس (13)، وقال عنه القديس جيروم سكرتير بابا روما (343-420 م.)؛ "هذا هو الذي كتب عنه الرسول بولس في الرسالة إلى فيلبي" (14)، وقال عنه القديس بولس الرسول انه جاهد معه في نشر الإنجيل (في3:4)، والذي تعرف على الكثيرين من الرسل وتعلم منهم، يقول عنه القديس إيريناؤس أسقف ليون (120 -202م) "أسس الرسل الطوباويون الكنيسة (كنيسة روما) وبنوها وسلموا الأسقفية للينوس.. ثم خلفه اناكليتوس، وبعده الثالث من الرسل صارت الأسقفية لأكليمندس. هذا الرجل رأى الرسل الطوباويين وتحدث معهم وكانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنيه وتقاليدهم ماثلة أمام عينيه. ولم يكن هو وحده في هذا لأنه كان يوجد الكثيرون الباقون من الذين تسلموا التعليم من الرسل" (15). كما قال عنه العلامة أوريجانوس (185 -230 -254) "أكليمندس الذي رأى الرسل حقًا" (16).
(2) والقديس أغناطيوس (30-107 م.) الذي كان أسقفًا لإنطاكية بسوريا وتلميذًا للقديس بطرس الرسول وقال عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري (340 م.) "أغناطيوس الذي اختير أسقفًا لإنطاكية خلفًا لبطرس والذي لا تزال شهرته ذائعة بين الكثيرين" (17). وقد كتب هذا الرجل سبع رسائل أكد فيها على المساواة بين ما كتبه الرسل وبين أسفار العهد القديم فجميعها كلمة الله الموحى بها وأسفار مقدسة وأستشهد فيها بما جاء في الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس يوحنا وسفر أعمال الرسل وما جاء في الرسائل إلى رومية وكورنثوس الأولى وأفسس وكولولسي وتسالونيكي الأولى وكانت آيات الإنجيل للقديس يوحنا مؤثرة جدًا على عقله وفكره وقلبه ويبدو أنه كان السفر المفضل لديه.
(3) والقديس بوليكاربوس (65-155 م.) أسقف سميرنا بآسيا الصغرى (حاليا أزمير بتركيا) والذي قال عنه كل من القديس إيريناؤس والمؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري أنه كان تلميذًا للقديس يوحنا وبعض الرسل الذين أقاموه أسقفًا على سميرنا بآسيا الصغرى والذي استلم منهم التقليد الرسولي، يقول عنه القديس إيريناؤس "ولكن بوليكاربوس لم يكن متعلمًا من الرسل فحسب بل وتحدث مع الكثيرين من الذين رأوا المسيح وتعين من الرسل في أسيا أسقفًا لكنيسة سميرنا، الذي رأيته في شبابي.. كان رجلًا أكثر عظمة وأكثر رسوخًا في الشهادة للحق" (18).
"إنه لا يزال ثابتًا في مخيلتي ما كان يتصف به القديس بوليكاربوس من احتشام ورصانة مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته، وتلك الإرشادات الإلهية التي كان يعلم بها رعيته وبابلغ من ذلك كأني أسمع ألفاظه التي كان ينطق بها عن الأحاديث التي تمت بينه وبين القديس يوحنا الإنجيلي وغيره من القديسين الذين شاهدوا يسوع المسيح على الأرض وترددوا معه وعن الحقائق التي تعلمها وتسلمها منهم" (19).
وكان التاريخ الحاسم لقانون العهد الجديد هو الفترة من 140 إلى 200م، وخاصة بعدما ظهر مركيون ووضع لنفسه قانونا للعهد الجديد، خاص به وحدة وبشيعته، هذا القانون يتكون من إنجيل الرب الذي أخذه عن الإنجيل للقديس لوقا فقط وعشر رسائل من رسائل القديس بولس، وأسمى قانونه هذا بـ"الإنجيل والرسول" ورفض بقية العهد الجديد وكل العهد القديم!! وكذلك لما ظهر قادة الهرطقة الغنوسية الدوسيتية، الآخرين، وبدأوا يكتبون الكتب الخاصة بأفكارهم وعقائدهم وينسبونها لتلاميذ المسيح بصورة مكشوفة لا تتفق وفكر الكنيسة، بل وراح كل كاتب من كُتاب هذه الكتب ينسب لنفسه أو لأحد التلاميذ، بل ويزعم أن هذا التلميذ المزعوم قد خصه المسيح وحده بأسرار لم يخص بها غيره من التلاميذ وطلب منه أن يدونها بعد ذلك في كتاب!!
ومن هنا اضطرت الكنيسة أن تضع قانونها الموثوق به وهو ما تسلمته من الرسل، الإنجيل بأوجهه الأربعة وسفر أعمال الرسل للقديس لوقا والرسائل الجامعة وسفر الرؤيا، الأسفار السبعة والعشرون، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وأن تعلن أنه لا يوجد أي إنجيل صحيح، تم تسليمه لآباء الكنيسة من رسل المسيح مباشرة، سوى الإنجيل بأوجهه الأربعة التي جمعها ودونها بالروح القدس الإنجيليون الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا، كما قال القديس إيريناؤس وأكد على وجود الإنجيل بأوجهه الأربعة وانتشاره في كل مكان حتى الهراطقة: "الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبة حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدأون من هذه الوثائق وكل منهم يسعى لتأييد عقيدته الخاصة منها" (20).
وبرغم أن آباء نهاية القرن الأول وبداية الثاني اقتبسوا، معًا، من كل أسفار العهد الجديد، إلا أن كل واحد منهم أقتبس مجموعة منها بحسب الموضوع الذي كتب فيه، ولم يكن قصدهم أظهار قانون للعهد الجديد، لأنه لم تكن الحاجة قد دعت لذلك، أنما عبروا من خلال ما اقتبسوه عن إيمانهم به ككلمة الله الموحى بها والمكتوبة بالروح القدس. إلا أن آباء منتصف القرن الثاني وبداية القرن الثالث كانت كتابتهم أكبر في الكم والكيف، وكانت أكثرها دفاعية، مثل دفاع يوستينوس الموجه للإمبراطور الروماني وحواره مع تريفو اليهودي، وكتابات كل من إيريناؤس وترتليانوس وهيبوليتوس ضد الهراطقة، فقد أوضحت صورة قانون العهد الجديد كما كانت معروفة في الكنيسة وكما تسلموها من الرسل، لذا شهدوا لكل أسفار العهد الجديد ودافعوا عنها ككلمة الله الوحيدة الموحى بها بالروح القدس والمسلم مرة للقديسين من المسيح ثم رسله وتلاميذه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7cytdy6