1- مثل ابن الإنسان في
سفر دانيَّال:
رأى دانيال النبي في أولي رؤياه التي رآها ودوَّنها في سفره بالروح القدُّس أربعة حيوانات خارجة من البحر الكبير والذي يمثِّل العالم ؛ الأول كالأسد وله جناحا نسر، والثاني مثل الدبِّ، والثالث مثل النمر وله علي ظهره أربعة أجنحة طائر كما كان له أربعة رؤوس، والرابع هائل وقويّ جدًا وله أسنان كبيرة من حديد وقد سَحَقَ الثلاثة السابقين عليه وداسهم برجليه، وكان له عشرة قرون طلع بينها قرن صغير له عيون كعيون الإنسان وكان يجدِّف علي اللَّه وعلي قدَّيسيه. وكانت هذه الحيوانات ترمز وتمثل الإمبراطوريَّات الأربعة التي سادت علي العالم من القرن السادس قبل الميلاد إلي القرن السادس عشر الميلادي، وهي بابل وفارس واليونان والرومان، كما كان يرمز القرن الصغير لضد المسيح الذي سيسبق المجيء الثاني. وقد تلي هذه الرؤيا رؤيا أخري للعرش الإلهيّ حيث يجلس اللَّه كالقديم الأيام، أي الأزليّ الذي لا بداية له، في مشهد سمائيّ مَهِيب وحوله قدِّيسوه وقد فُتحت الأسفار، أي أسفار الدينونة (دا7: 1-12) .
ثم
رأي دانيال النبيّ المشهد الثالث في هذه الرؤيا وهو مشهد "مثل ابن الإنسان" فيقول
"كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ
مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ
قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ
كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا
لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ"
(دا
7: 13-14).
وهنا نرى هذا الكائن
السمائيّ الذي رآه
دانيال النبيّ في شكل ابن إنسان "مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ"
له عدَّة صفات لا يُمكن أنْ تكون لإنسانٍ أو ملاكٍ أو أي كائنٍ مخلوقٍ، إنما هي
خاصَّة باللَّه وحده! فقد أُعطي " سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ
وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ."
. إذًا فهو صاحب السلطان علي كلِّ الخليقة وملك الملكوت الذي له المجد وحده إلي
الأبد، والمعبود من جميع الخليقة " لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ
وَالأَلْسِنَةِ
". والكتاب المقدَّس يُؤكِّد أنَّه لا سجود ولا عبادة إلاَّ للَّه وحده "
الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ وَبِاسْمِهِ
تَحْلِفُ. "
(تث6: 13؛10: 20)
و" لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ
"
(مت4: 10)
.
فمَنْ هو هذا الكائن السمائيّ الذي رآه دانيال النبي "مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ" الآتي علي سُحُب السماء؟ والإجابة هي أنَّه الربّ يسوع المسيح نفسه الآتي علي السحاب، وهذا ما أكَّده الربّ يسوع المسيح نفسه عندما سأله رئيس الكهنة قائلا " أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! أَنَا هُوَ. "، و"وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ»" (مت 26: 63-64؛ مر62:14).. كما أنَّ جميع الأوصاف التي وُصف بها هذا الكائن السمائيّ الآتي مثل ابن الإنسان هي أوصاف الربّ يسوع المسيح نفسه:
(1) فقد أعطي سلطاناُ ومجدًا
وملكوتًا:
والرب يسوع المسيح يقول عن نفسه "كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي"
(مت11: 27)،
وأيضًا " دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى
الأَرْضِ"
(مت
28: 18)،
" اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي
يَدِهِ."
(يو3: 35)،
أو كما يقول عنه الكتاب بالروح " وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ
رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هَذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا،
وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ"
(أف1: 20-22).
(2) لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة: والربّ يسوع المسيح يقول أنَّه الربّ المعبود:
† "حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ" (مت18: 20) .
† "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ." (مت7: 21) .
† "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟" (مت7: 22).
† "لِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟" (لو6: 46).
† كما يقول الرسول بالروح " لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ" (في2: 9-10) .
(3) " سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض ": بيّنا أعلاه كيف أنَّ الربّ يسوع المسيح له السلطان في السماء وعلي الأرض وأنَّ هذا السلطان هو سلطان أبديّ لا بداية له ولا نهاية. فهو ملك الملكوت الذي قال عن ملكوته هذا " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. " (يو18: 36) ، فهو ليس مُجَرَّد ملكٌ أرضيّ بل، كما قال الكتاب " مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ" (رؤ19: 16)، الذي " تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ " (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ولذا قال الملاك للعذراء عندما بشَّرها بالحبل به " هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ " (لو1: 32-33). وكان اليهود وقت تجسُّد المسيح يعرفون من النبوًّات أنَّ ملكوته أبديّ، وإنْ كانوا قد فهموه بطريقةٍ أرضيَّةٍ، فقالوا له " سَمِعْنَا مِنَ النَّامُوسِ أَنَّ الْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ " (يو12: 34)، ويقول عنه الكتاب أيضًا أنَّ ملكوته "لا يَتَزَعْزَعُ" (عب28: 12) .
لقد كانت رؤيا دانيَّال
عبارة عن نبوَّة تفصيليَّة عن المسيح كالآتي علي سحاب السماء لكي تتعبد له جميع
الشعوب والأمم والألسنة، فهو ملك الملوك ورب الأرباب الذي تسجد له كلّ ركبةٍ مما
في السماء ومن علي الأرض ومن تحت الأرض.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/xrztm66