هل يمكن أن نقتطع اليوم من كلّ من الأمس ومن الغد؟! وكأن الحياة تتركز في هكذا اليوم، وكأنك تعيش يومًا واحدًا، وليكن يومًا مثاليًّا إذن، فلا تجعل اليوم تذييلًا للأمس، ولا مقدمة للغد...! بل اسع بكل قوتك لتخلص اليوم... اسعى لِتُخَلِّص الآن...
إنك مُطالَب باليوم، مسئول عن هذا اليوم... سَتُدان عنه، كما ستدان عن كل يوم.
فالذي يؤخَذ فيه الإنسان، ففيه يؤخَذ وبه يُدان، وإن حدثتك أفكارك بأن تستريح اليوم على أن تصلي في الغد، فلا تطعها... بل صلِّ الآن، لأن مَنْ لا يصلي اليوم -في القليل المُتاح- فكيف يضمن أن يصلي في الغد... في الكثير غير المضمون؟!
"شيخ حَدَّثته أفكاره من جهة الصوم قائلة: كُل اليوم وتَنَسَّك غدًا. فأجابها قائلًا: كلا. إن هذا لن يحدث... بل أتنسَّك اليوم، ولتكن مشيئة الله غدًا"(1). وتقول الأم سارة "الذي لا يعطي صدقة من فلس واحد، لا يقدر أن يعطي من المائة دينار"(2).
هكذا عندما تُوعِز إليك الأفكار، بأنه من الممكن أن تكون في الغد أفضل حالًا من اليوم، فلا تصدقها ولا تطعها، فقد زيَّنَت لك ذلك بالأمس، ولم يتحقَّق الادعاء!!
وفي كثير من الأحيان تكون المسافة بين شدة الاشتياق (إلى أي عمل روحي) وضياع نفس الاشتياق، مجرد في ثوان!! شعرة... خط رفيع... بحيث إذا مَرَّت بِضع دقائق أو بعض الوقت، وعاد الإنسان للإمساك بالاشتياق والدخول به إلى حَيِّز العمل، ليصبح فِعلا قائمًا وثمرًا وتعزية، فلا يجده... بل قد يدفع نفسه دفعًا فلا يجد الرغبة - مجرد الرغبة... نسبة من الرغبة!
اعمل اليوم... بقدر قوتك اعمل... ما دامت لك القدرة على العمل، يأتي وقت حين لا تقدر أن تعمل، وبينما لديك اليوم القدرة على العطاء والجهاد، في حين تفتقر إلى الرغبة، فقد ينقلب الوضع في الغد، بحيث تصبح لك الرغبة في العمل بينما تكون قد فقدت القدرة على العمل!! فانتبه... "يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ... مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ" (إنجيل يوحنا 9: 4) (انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا).
أراد إنسان موسر، أن يُعَلِّم أولاده النشاط، فقال لهم "هل تعلمون كيف صِرت غنيًا؟ إن سمعتم مشورتي استغنيتم مثلي"، فسألوه عنها، فقال لهم: "في كل سنة يوجد يوم من أيامها، كل مَنْ عمل فيه باجتهاد استغنَى، إلا أني لشيخوختي قد نسيت أي يوم هو، فلا تتوانوا أنتم في العمل كل يوم، لئلا يفوتكم العمل في ذلك اليوم المبارك، فيضيع تعبكم في السنة كلها. وهكذا نحن أيضًا لسنا نعرف يوم وفاتنا، فان توانينا فاتنا مقصدنا وضاع كل تعبنا، وإن اجتهدنا إلى الآخر وجدنا ملكوت السموات"(3).
_____
(1) بستان الرهبان ص339.
(2) بستان الرهبان.
(3) المرجع السابق ص 209.
مفتدين
الوقت |
تقديس الحاضر كتب الأنبا مكاريوس - الأسقف العام |
مذاقة الأبدية
على الأرض |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/j2snkan