1- مجيء الرب من سيناء وإشراقه من سعير وتلألؤه من فاران:
قبل موت موسى
النبي مباشرة أخذ يبارك
أسباط إسرائيل الاثني عشر ويذكّرهم بأعمال الله
العظيمة التي عملها معهم طوال رحلة الخروج من مصر، ويعرّفهم بماهيّة الرب (يهوه
יְהוָה) مانح البركة ثم يقدم لهم في الإصحاح الـ33 بركة فردية خاصة لكل سبط من أسباط إسرائيل
الاثني عشر، ويبدأ الإصحاح بقوله
"وَهَذِهِ
هِيَ البَرَكَةُ التِي بَارَكَ بِهَا مُوسَى رَجُلُ اللهِ بَنِي إِسْرَائِيل قَبْل
مَوْتِهِ، فَقَال: " جَاءَ الرَّبُّ (يهوه
יְהוָה) مِنْ سِينَاءَ وَأَشْرَقَ(يهوه
יְהוָה) لهُمْ مِنْ سَعِيرَ وَتَلأْلأَ(يهوه
יְהוָה) مِنْ جَبَلِ فَارَانَ وَأَتَى مِنْ رَبَوَاتِ
القُدْسِ (מֵרִבְבת
קדֶשׁ - مربيبوت قودش) وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ
شَرِيعَةٍ لهُمْ" (تثنية33: 1-2).
وموسى النبي، في هذه الآيات، يذكّر بني
إسرائيل بتجلّي الله لهم في رحلة الخروج من مصر إلى أرض كنعان في هذه المناطق
الثلاث التي تقع جميعها في طريق هذه الرحلة، أي فيما بين مصر وفلسطين. ومن ثمّ
فهي لا تمثّل نبوّة مستقبلية ولا تشكّل بركة قادمة، وإنما تذكّر بعمل الله معهم
طوال رحلة الخروج التي استمرت 40 سنة!! وهذا أسلوب مُعْتاد في الكتاب المقدّس
يذكّر الله به شعبه مُؤَكدًا أنّه إله حيّ يتدخّل في التاريخ ويُظهر نفسه لهم،
وعلى سبيل المثال يقول المرنّم "لأَنَّهُ هُوَ إِلَهُنَا وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ. الْيَوْمَ إِنْ
سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ كَمَا فِي مَرِيبَةَ مِثْلَ
يَوْمِ مَسَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي. أَبْصَرُوا
أَيْضًا فِعْلِي" (مزمور95: 7-9). ومريبة في سيناء هي المكان الذي تمرّد
فيه الشعب على موسى وهارون وأظهر الله مجده بأنْ أخرج لهم من الصخرة ماء "
هَذَا مَاءُ مَرِيبَةَ حَيْثُ خَاصَمَ
بَنُو إِسْرَائِيل الرَّبَّ
فَتَقَدَّسَ فِيهِمْ" (عدد20: 13).
(1)
ويقول الكتاب عن تجلّى الربّ لهم في سيناء " وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ
يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ
عَلَيْهِ بِالنَّارِ وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ وَارْتَجَفَ كُلُّ
الْجَبَلِ جِدًّا. فَكَانَ صَوْتُ الْبُوقِ يَزْدَادُ اشْتِدَادًا جِدًّا وَمُوسَى
يَتَكَلَّمُ وَاللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتٍ. وَنَزَلَ الرَّبُّ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ
إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ وَدَعَا اللهُ مُوسَى إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ. فَصَعِدَ
مُوسَى" (خروج19: 18-20).
(2)
وعن تجلّيه من سعير تقول دبّورة النبيّة في سفر القضاة "يَا رَبُّ بِخُرُوجِكَ مِنْ
سَعِيرَ, بِصُعُودِكَ مِنْ صَحْرَاءِ أَدُومَ, الأَرْضُ ارْتَعَدَتِ.
السَّمَاوَاتُ أَيْضًا قَطَرَتْ. كَذَلِكَ السُّحُبُ قَطَرَتْ مَاءً. تَزَلْزَلَتِ
الْجِبَالُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ, وَسِينَاءُ هَذَا مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ إِلَهِ
إِسْرَائِيلَ" (قضاة5: 4-5).
2-
أين هو الموقع الحقيقي لفاران؟:
وبالرغم من وضوح
المعنى والقصد في الآيات السابقة إلا أن بعض الكتاب من الأخوة المسلمين قالوا
أن "مجيئه من سيناء يعني إعطاؤه التوراة لموسى، وإشراقه من سعير يعني إعطاؤه
الإنجيل لعيسي، وتلكؤه من فاران يعني إنزاله القرآن على نبي المسلمين، لأن
فاران من جبال مكّة" (1)!! وقال أحد هؤلاء الكتاب "لكن تذكر التوراة أيضًا
أنّ إسماعيل قد نشأ في بريّة فاران (تكوين21: 21) ومن المعلوم تاريخيًا أنه نشأ
في مكة المكرمة في الحجاز" (2)!! وقد اختلف هؤلاء الكتاب في تحديد موقع فاران ولم يتفقوا على شيء:
1-
فقال الشيخ رحمة الله الهندي فاران جبل بمكة؛ " استعلانه من جبل فاران تعني
إنزاله القرآن لأن فاران جبل من جبال مكة" (3)!! هكذا دون توثيق!!
(1) انظر كتاب " الجواب الصحيح لمن بدل
دين المسيح " لابن تيمية ج3 ص300، و"الكنز المرصود في قواعد التلمود
" تقدم د. أحمد حجازي السقا ص86-89. وذلك إلى جانب بقية الكتب والمواقع
الموضوعة على الإتنرنت التي سبق الإشارة إليها في الفصول السابقة!!
(2) د. منقذ بن محمود السقار، بنوءة موسى عن
البركأ الموعودة في أرض فاران.
http/saaid.net/Doat/mongiz/noor/5-11.htm
(3) إظهار الحق ص517.
2- وقال محمد الشرقاوى أنها بلاد الحجاز
نفسها؛ "فاران هي بلاد الحجاز التي هاجر إليها إبراهيم وولد فيها
النبي" (4)!! ولم يذكر لنا خريطة تدل على ذلك!!
3- ولما وجد إبراهيم خليل أحمد أنه لا يوجد لا جبل ولا بلد في بلاد الحجاز
تُسمَّى باسم فاران قال أنها مجرد مجاز " فاران مجاز عن الأرض التي سكن فيها جد الرسول الكريم سيدنا
إسماعيل" (5)!!
4- وقال بشري زخاري أنها بريّة من جبال
مكة " فاران برية بين ثلاث جبال بمكة هي أبو قيس وقيعان وجبل حراء
وفيها سكن إسماعيل" (6)!! وليلته
يدلّنا على خريطة واحدة أو مرجع واحد يثبت صحة مزاعمه!!
5- وعندما وجد د. السقا أن هذه
الاستنتاحات غير مجدية فقد حاول تأويلها بقوله أنّ فاران سُكنى بني إسماعيل وحيث
أنّ إسماعيل له بركة وقد ظهر في بني إسماعيل نبي في مكان سّكناه وانتشر دينه شرقًا
وغربًا فيكون المعنى بالتلألؤ من جبل فاران يُشير إلى بدء بركته
(7)!!
6-
وقال أبو عبيد الله القضاعي في كتابه تخطيط مصر أنّ فاران، والطور كورتان من كور
مصر القبلية، وفاران من قرى صفد سمرقند ويُنسب إليها أبو منصور الفاراني. [ تخطيط
مصر للقضاعي ]. ولم يقلْ أنّ فاران جبل في مكة إلا ياقوت في كتابه [ المشترك وضعًا
والمختلف صقعًا ] " فاران اسم جبال مكة. وقيل اسم جبال الحجاز. وقال أبو
عببيد القضاعي في كتاب [ خطط مصر ]: وفاران
(4) محمد الشرقاوى؛ كتاب " محمد في
بشارات الأنبياء " ص24.
(5) كتاب " محمد في بشارات الأنبياء ص 38.
(6) كتاب " محمد رسول الله " هامش ص
63.
(7) كتاب " نبوه محمد " ص 63-64.
والغريب أنه ينقل عن ابن تيمية قوله " وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في
أن " فاران " هي مكة"!! " الكنز المرصود في قواعد التلمود"، ص87 و"
معركة هرمجدون
ونزول عيسي والمهدي المنتظر" ص32. و" الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح
" لابن تيمية، ج 3ص300. وهنا نسأل الناقل والمنقول عنه: متى وأين وفي
أي مرجع قال أهل الكتاب أن فاران هي مكة؟!! ليتهما يدلونا على ذلك!
والطور كورتان من كور مصر القبلية.
وفاران أيضًا من قري صفد سمرقند، يُنسب إليها أبو منصور الفارابي " ومع ذلك
لم يحدد يقينًا ذلك، إذ أنه قال: أن فاران موجودة في أربعة محلات وهي مكة والحجاز
ومصر وبلاد فارس!! ومع
ذلك تؤكد الآيات الكتابية التي وردت فيها كلمة فاران أنّها تقع فيما بين مصر
وفلسطين بالقرب من إيلات الحالية وتبعد عن مكة بحوالي 500 كيلو متر(8)!!
7-
بل وقد جاء في كتاب معجم البلدان أنّ اسم (فيران، فيرن، فارايان، فاران) كلها
أسماء مختلفة لجبل واحد يقع في المنطقة ما بين مصر والشام وعلى الأرجح في فلسطين(9).
3-
موقع فاران حسب المراجع الجفرافية والكتاب المقدس:
وعن
موقع فاران يقول الكتاب أنها تقع على الطريق بين مصر وفلسطين، بالقرب من سعير
وبجوار مصر "
فَارْتَحَل بَنُو إِسْرَائِيل فِي رِحْلاتِهِمْ مِنْ بَرِّيَّةِ
سِينَاءَ فَحَلتِ السَّحَابَةُ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ" (عدد10: 12)، " وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ.
وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ" (تكوين21: 21)، " وَبَعْدَ ذَلِكَ ارْتَحَل الشَّعْبُ
مِنْ
حَضَيْرُوتَ وَنَزَلُوا فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ"
(عدد12: 16)، أي في رحلتهم من مصر إلى كنعان،"
فَأَرْسَلهُمْ
مُوسَى مِنْ بَرِّيَّةِ فَارَانَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. كُلُّهُمْ
رِجَالٌ هُمْ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيل" (عدد13: 3)، " فَسَارُوا حَتَّى أَتُوا إِلى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ جَمَاعَةِ
بَنِي إِسْرَائِيل إِلى بَرِّيَّةِ فَارَانَ إِلى قَادِشَ" (عدد13: 26)
(انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا)، " هَذَا هُوَ الكَلامُ الذِي كَلمَ بِهِ
مُوسَى جَمِيعَ إِسْرَائِيل فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ فِي البَرِّيَّةِ فِي
العَرَبَةِ قُبَالةَ سُوفَ بَيْنَ فَارَانَ وَتُوفَل وَلابَانَ وَحَضَيْرُوتَ وَذِي ذَهَبٍ"
(تثنية1: 1)، "
وَمَاتَ
صَمُوئِيلُ فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَنَدَبُوهُ وَدَفَنُوهُ فِي
بَيْتِهِ فِي الرَّامَةِ
Rama. وَقَامَ دَاوُدُ وَنَزَلَ إِلَى بَرِّيَّةِ فَارَانَ"
(2صموئيل25: 1)، "
وَقَامُوا
مِنْ مِدْيَانَ وَأَتُوا إِلَى فَارَانَ وَأَخَذُوا مَعَهُمْ رِجَالًا مِنْ
فَارَانَ وَأَتُوا إِلَى مِصْرَ" (1ملوك11: 18).
(8) كتاب " مدخل إلى الحوار الإسلامي
المسيحي " الأب يوسف الدرة حداد، ص348.
(9) " معجم شبه جزيرة العرب" أبو
الفدا، في المؤرخ ج5 ص98.
وجاء في قاموس الكتاب المقدس أن
فاران هي " برية واقعة إلى جنوب يهوذا (1صموئيل25: 1-5) وشرق برية
بئر سبع وشور (تكوين21: 14و21 وقابل 25: 9و12-18و28: 9) بين جبل
سيناء (والأصح بين
حضيروت الواقعة على مسيرة أيام من سيناء) وكنعان (عدد10: 12و12: 16). وكانت
فيها قادس (عدد 13: 26) وبطمة فاران أو أيْلة (إيلات اليوم) على البحر الأحمر التي تقع غربي العقبة (تكوين14: 6). كما كانت
تشمل برية صين أو كانت مندمجة فيها دون حد معين يفصل بينهما (قابل
عدد13: 26مع20: 1). وجميع هذه المعلومات تشير إلى السهل
المرتفع أو الأرض الجبلية (تثنية23: 2وحب3: 3) الواقعة
إلى جنوب كنعان تحيط بها من الجهات الأخرى برية شور وسلسلة الجبال المعروفة بجبل
التيه ووادي العربة. وفي هذه البرية تنقل بنو إسرائيل 38 سنة. ومعظمها على ارتفاع
يتراوح بين 2000 و2500 قدم عن سطح البحر.(10)
خريطة
لِبرّيّة فاران
وجاء في دائرة المعارف الكتابية(11) " فاران"، ومعناها " موضع المُغاير"، وهي بريّة شاسعة في أقصى جنوبي فلسطين، بالقرب من قادش برنيع. ويرجّح كثيرون من العلماء أنّها كانت تقع في الشمال الشرقي من شبه جزيرة سيناء. ويقول آخرون إنها هي " برّية التيه " في وسط هضبة سيناء. ويقول " بينو روتنبرج" (Rothenberg Beno) في كتابه " برّيّة الله"، إنّ " برّيّة فاران " كان الإسم القديم لكلّ شبه جزيرة سيناء في العصور الكتابية".
(10) انظر قاموس الكتاب المقدس والموسوعة
المسيحية العريبة الإليكترونية، كلمة " فاران".
(11) دائره المعارف الكتايبة ج 6ص1و2.
4-
أين تقع سعير؟
يذكر
الكتاب المقدس سعير بأنها أرض الحوريين "وَالْحُورِيِّينَ فِي جَبَلِهِمْ
سَعِيرَ إِلَى بُطْمَةِ فَارَانَ الَّتِي عِنْدَ الْبَرِّيَّةِ" (تكوين14: 6). وهم، الحوريين، أحد القبائل التي سكنت
في محيط بحر الملح أو
البحر الميت. ويقول لنا أنّها واقعة في أرض الأدوميّين التي
منحها الرب لعيسو "
وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلًا
قُدَّامَهُ إِلَى عِيسُوَ أَخِيهِ إِلَى أَرْضِ سَعِيرَ بِلاَدِ أَدُومَ" (تكوين32: 3)، "
فَسَكَنَ
عِيسُو فِي جَبَلِ سَعِيرَ.(وَعِيسُو هُوَ أَدُومُ)" (تكوين36: 8)، "
وَأَوْصِي
الشَّعْبَ قَائِلًا: أَنْتُمْ مَارُّونَ بِتُخُمِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي عِيسُو
السَّاكِنِينَ فِي سَعِيرَ فَيَخَافُونَ مِنْكُمْ. فَاحْتَرِزُوا جِدًّا" (تثنية2: 4)، وهي تقع في الجزء
الشرقي مقابل صحراء العربة ببن
البحر الميّت وإيلات على البحر الأحمر "
أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ حُورِيبَ عَلى طَرِيقِ جَبَلِ
سَعِيرَ إِلى قَادِشَ بَرْنِيعَ" (تثنية1: 2)، "
ثُمَّ
تَحَوَّلنَا وَارْتَحَلنَا إِلى البَرِّيَّةِ عَلى طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ كَمَا
كَلمَنِي الرَّبُّ وَدُرْنَا بِجَبَلِ سَعِيرَ أَيَّامًا كَثِيرَةً" (تثنية2: 1)، "
فَعَبَرْنَا عَنْ
إِخْوَتِنَا بَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سَعِيرَ عَلى طَرِيقِ العَرَبَةِ عَلى
أَيْلةَ وَعَلى عِصْيُونَِ جَابِرَ ثُمَّ تَحَوَّلنَا وَمَرَرْنَا فِي طَرِيقِ
بَرِّيَّةِ مُوآبَ" (تثنية2: 8). أي أنها تقع في الجزء الشرقي من
البلاد فيما يُسَمَّى الآن بالأردن وهذا ينفي كونها هي فلسطين، بل الأردن، وينفي
الزعم بأنّ الوحي نزل على المسيح فيها!!
إذًا
فنصّ الآيات المذكورة لا يُشير لا إلى التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن إنّما يصف،
بأسلوب شعري، رحلة الخروج من مصر إلى أرض كنعان، بقيادة الله لشعبه، في الطريق من
سيناء، إلى سعير، إلى فاران، إلى فلسطين، ولم يذهب الشعب في هذه الرحة مطلقًا إلى
مكّة أو الحجاز، كما يذكر الكتاب أن داود " وَقَامَ دَاوُدُ وَنَزَلَ إِلَى
بَرِّيَّةِ فَارَانَ" (2صموئيل1: 25؛1ملوك11: 18)، ولا يذكر الكتاب مطلقًا أنّ داود غادر
فلسطين إلى الحجاز!! إنما يُذَكّر نصّ الآيات، بما فعله الله مع شعب إسراثيل.
القرينة
هنا تدل على أن موسى في كلامه على هذه المواضع يذكّر بني إسرائيل كيف أضاء مجد
الله إلى مسافات بعيدة عندما كانوا ضاربين
خيامهم عند جبل سيناء، وتبين
لنا الخرائط الجغرافية أنّ سيناء وسعير وفاران ثلاثة جبال متجاورة واقعة في شبه
جزيرة سيناء وجنوب الأردن على بعد مئات من الأميال من مكة، كما بيّنا أعلاه، وكما
هو مبيّن في الخريطة التي أمامنا، فضلًا على أن الذي جاء هو الرب (يهوه
יְהוָה) وهو اسم الله ولا يُطلق على بشر.
هاتان الخريطتان توضّحان مسار خروج بني
إسرائيل من مصر عبر البحر الأحمر ثم بمحاذاته جنوبًا حتّى موقع جبل حوريب في
سيناء، وصعودًا إلى برّيّة فاران، ثم قادش، ثم
جبال سعير، وجنوبًا مرّة أخرى إلى إيلات، فصعودًا في أرض الأموريّين، وأخيرًا، العمونيّين، فجبل نيبو ووفاة موسى.
ومنها نتبيّن، بدون أدنى شكّ، بأنّ رحلة
العبرانيّين من مصر إلى فلسطين لم تتعدّي سيناء والقسم الجنوبيّ من أرض فلسطين
والأردن حاليًا. |
كما
أنه لا يوجد موقع لأي مكان في الجزيرة العربية على الإطلاق يُدعى فاران، ولا يُوجد
اسم فاران على أي خريطة لشبه الجزيرة العربية مطلقًا!! وإلا فليدلونا عليها!!
أمّا
الربط بين قول التوراة أنّ إسماعيل عاش في برية فاران والتقليد الإسلامي القائل
بأنّه عاش في الحجاز، فهذه مسألة أخرى تخصّ أصحابها.
5- ما
المقصود بربوات القدس أو قديسيه:
نقل
بعض هؤلاء الكتاب نصّ الآية محرفًا كالآتي؛ " " جاء نور الرب من سيناء
وأشرق لهم من ساعير، وتلألأ من جبل فاران وجاء معه عشرة آلاف قديس، والشريعة
المشعّة بيده ]... ففي الكلمات شبه نور الرب بنور الشمس " إنه يأتي من
سيناء ويشرق من ساعير) ولكنه تلألأ بالمجد من (فاران) حيث يظهر مع عشرة آلاف
قديس (مؤمن) ويحمل الشريعة بيده اليمني" (12). وتقول الدكتورة مها محمد أنّ هذا يعني
دخول نبي المسلمين مكة مع عشرة آلاف قديس (مؤمن) وجاء بنور الشريعة إلى شعبه
وتستشهد بما جاء في كتاب (السيرة النبوية وأخبار الخلفاء للإمام الحافظ أبي حاتم
بن أحمد التميمي المتوفي 354ه الطبعة الثالثة صفحة 326) والذي كتب عن دخول نبي
المسلمين مكة ومعه عشرة آلاف من المسلمين(13). وقد ركزت د. مها على ترجمة
King James والتي نقلتها
كالآتي:
“He
shined forth from
وقامت
بعمل مقارنات لمحاولة إثبات أن المقصود في الآية ليس هو عشرات الآلاف بل عشرة آلاف
فقط (15)!! ولكن لا نصّ الآية ولا ترجمة الملك جيمس تفيدها أو تفيد البروفيسور
عبد الأحد في شيء!! فقد جاء نص الآية في أصله العبري وترحمته الإنجلبزية كالآتي:
(12) كتاب " محمد... في كتب اليهود
والنصارن " للبروفيسور عبد الأحد داود ص10.
(13) كتاب " هيمنة القرآن المجيد على ما
جاء في العهد القديم والجديد " ص106.
(14) المرجع السابق ص105.
(15) المرجم السابق ص107.
“The Lord came from Sinai and
dawned over them from Seir; He shone forth from
مع
ملاحظة أنّ عبارة " holy ones" هي حرفيًا
" holy one
" ، " קדֶשׁ – قودش = قدس أو مقدس". ومن ثمّ فترجمة النص العبري إلى
العربية حرفيًا هو "
أَقْبَلَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَفَ
عَلَيْهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَجلّيَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ؛ وَأَتَى مِنْ رُبَي
القُدْسِ وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ مُشْتَعَلَة".
وجاءت الآية الأخيرة في الترجمة
اليونانية السبعينيه هكذا:
“...with the ten
thousands of Cades (saints); on his right hand were his angels with him”
(17)
وترجمتها " مَعَ عَشَرَات الألوف من القديسين؛ عَنْ يَمينه ملائكته معه".
ولم
يرد لا في النص الأصلي ولا في أي ترجمة من الترجمات كلمة " نور " التي
أضافوها في عبارة " جاء الرب "
والتي جعلوها " جاء نور الرب"!! ولا عبارة " الشريعة المشعة بيده"، وكذلك إضافتهم لكلمة "
بالمجد " في عبارة " تلألأ بالمجد من (فاران)"!! بل هي
كلمات وضعوها من عندهم هم!!
أما عبارة "رَبَوَاتِ القُدْسِ"
التي بذلت الدكتورة جهودًا لمحاولة إثبات أنها "عشرة آلاف" فقط؛ فقد تعبت دون
جدوى، فقد جاءت العبارة في اللغة العبرية (מֵרִבְבת
קדֶשׁ - مربيبوت قوديش)، وكلمة "
מֵ –
مي " تعني " من"، وكلمة "
רִבְבת – ربيبوت = ربوات " من "
רִבְבת -
RBBH – rebabah- ربوه" (18)، وجاءت في الترجمة السبعينية "
muriaisi –" (19) ومعناها أيضًا " ربوات"،
(16) NIV & John R.
Kohlenberger III Interlinear Hebrew English Old Testament, p. 583.
(17) Sir Lancelot c.L.
Brenton The Septuagint With Apocrypha: Greek And English p.287.
(1 8) Andy Bannister, The claim that Muhammad Is prophesied in
Deuteronomy 33:2.
(19) The SeptUagint With Apocrypha: Greek And English p.287.
ونقلت
في بعض الترجمات الإنجليزية ومنها الترجمة الدولية الحديثة
،
" myriads " NIV
ومعني كلمة "
myriad
" كما جاء في "
The
Lexicon Webster Dictionary" (20) :
Indefinite,
immense number; a multitude of things or people”
“
:ten thousand
والربوة في العبرية كما جاءت في معاجم اللغة العبرية مثل (Dictionary Young’s
Hebrew) تعني "ten thousands,
multitude, " عشرة آلاف
أو عدد كبير " أمّا "
μυριασι
" فتعني ربوات
وعشرات الألوف، ومفردها "
μυριάς
" ويعني " عشرة آلاف". وبالتالي، فالكلمة كما جاءت هي "
ربوات = عشرات الألوف"، وليس عشرة آلاف فقط!!
ويحوّل
د. منقذ السقار هؤلاء الآلاف الآتين من رُبَي القدس إلى " أطهار الملائكة"!! ويحول الملائكة إلى مجرد أتباع ليصل إلى ما يريد!! " فيقول "
ومما يؤكّد أنّ الأمر متعلّق بنبوءة الحديث عن آلاف القديسين، والذين تسميهم أطهار
الملائكة " أي أطهار الأتباع، إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به: الأتباع، كما جاء
في سفر الرؤيا أنّ ميخائيل وملائكته حاربوا التنّين، وحارب التنين وملائكته (الرؤيا12: 7). فمتى شهدت فاران هذه الألوف من
الأطهار؟"!!
ونقول
لسيادته من أين أتيت بكلمة " الأطهار " التي لا وجود لها إلا في
خيالك؟!!
ومن
أين أتيت بالقول أن كلمة ملائكة تعني الأتباع؟!!
فكلمة
ملاك في العبرية واليونانية تعني " رسول أو مرسل " والمقصود بها رسول
روحي من السماء، كما أنّ الكلمة المترجمة " قديسين " هي "
קדֶשׁ – قودش = قدس أو مقدس " وهي تعني
بالدرجة الأولى مكان أي القدس أو المقدس بدليل قوله " وأتَى من" "
מֵ –
مي" وليس " مع"، وهذا ما أتى في الترجمة العربية " وأتى من
ربوات (ربي) القدس " وهو الأصحّ
والأدقّ، ولو سرنا مع الترجمة اليونانية التي ترجمتها " مع عشرات الألوف
من القديسين؛ عن يمينه ملائكته معه" نجد أنها تتكلّم عن قديسين من القدس وعن
ملائكته، رسل روحيين، من السماء وليس عن بشر!!
The Lexicon Webster Dictionary, p. voL 1: 631(20
6-
أين تقع منطقة تيمان؟ وعلاقتها بتيماء؟
وجاء
في سفر حبقوق قوله "
اَللَّهُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ وَالْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. سِلاَهْ.
جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ. وَكَانَ
لَمَعَانٌ كَالنُّورِ. لَهُ مِنْ يَدِهِ شُعَاعٌ وَهُنَاكَ اسْتِتَارُ
قُدْرَتِهِ. قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْحُمَّى" (حبقوق3: 3-5).
وهنا
قال بعض الكتاب من الأخوة المسلمين إن القدوس الذي أتى من جبل فاران هو نبي
المسلمين وفي أحد أقوالهم يزعمون أنَّ " تيمان هي بلاد العرب، ومعنى كلمة تيمان الصحراء الجنوبية لأنّها جنوب بلاد الشام ولا يزال إلى الآن على طريق
القوافل بين
دمشق ومكة قرية تُسمَّى تيماء ومعنى هذه الكلمة أيضًا الصحراء
الجنوبية، وتيماء أيضًا اسم قبيلة إسماعيلية تسلّسلت من تيماء وكانت تقطن بلاد
العرب كما في قاموس الكتاب المقدس (21)!!
ويقول
نفس الكاتب " يتنبأ حبقوق بالرسول والرسالة وامتداد رقعة الإسلام فيوضّح
سلسلة نسب الرسول بمنبت جده إسماعيل عليه السلام في أرض فاران، ثم يتحدث عن امتداد
الإسلام... ثم يتحدّث عن الركع والسجود... ثم يتحدث عن الإعجاز للقرآن الكريم" (22)!!
ونقول لسيادته أن هناك
فرقًا بين تيمان المذكورة في سفر حبقوق وتيماء التي يذكرها الكتّاب العرب، ف " تيمان " هو اسم لشخص: هو حفيد عيسو شقيق
يعقوب (أو إسرائيل) ابن إسحق ابن إبراهيم وقد تَسَمّتْ المنطقة باسمه لأنّه كان
أمير قبيلة.
يقول
الكتاب في تسع آيات أخرى عن تيمان:
"
هَذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي عِيسُو: أَلِيفَازُ ابْنُ عَدَا امْرَأَةِ
عِيسُو.... وَكَانَ بَنُو أَلِيفَازَ: تَيْمَانَ وَأَوْمَارَ وَصَفْوًا
وَجَعْثَامَ وَقَنَازَ" (تكوين36: 11).أي أنّ تيمان بن أليفاز بكر عيسو من
زوجته الحيثية عَدَا.
"
بَنُو أَلِيفَازَ: تَيْمَانُ وَأُومَارُ وَصَفِي وَجَعْثَامُ
وَقِنَازُ وَتِمْنَاعُ وَعَمَالِيقُ" (1أخبار1: 36).
(21) انظر كتاب " محمد في التوراة
والإنجيل والقرآن " إبراهيم خليل أحمد، ص42.
(22) نفس المصدر؛ ص43.
"
هَؤُلاَءِ
أُمَرَاءُ بَنِي عِيسُو: بَنُو أَلِيفَازَ بِكْرِ عِيسُو أَمِيرُ تَيْمَانَ
وَأَمِيرُ أُومَارَ وَأَمِيرُ صَفْوٍ وَأَمِيرُ قَنَازَ" (تكوين36: 15).
كما
يذكر أمير تيمان بين أمراء قبائل أدوم أي عيسو: "وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أُمَرَاءِ عِيسُو
حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وَأَمَاكِنِهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ:... وَأَمِيرُ قَنَازَ
وَأَمِيرُ تَيْمَانَ وَأَمِيرُ مِبْصَارَ،.... هَؤُلاَءِ أُمَرَاءُ أَدُومَ حَسَبَ
مَسَاكِنِهِمْ فِي أَرْضِ مُلْكِهِمْ. هَذَا هُوَ عِيسُو أَبُو أَدُومَ" (تكوين36: 40-42؛ 1أخبار1: 35).
كما
كانت اسم مدينة أو قبيلة في الجزء الشمالي من أدوم " لِذَلِكَ اسْمَعُوا مَشُورَةَ
الرَّبِّ الَّتِي قَضَى بِهَا عَلَى أَدُومَ وَأَفْكَارَهُ الَّتِي افْتَكَرَ
بِهَا عَلَى سُكَّانِ تِيمَانَ. إِنَّ صِغَارَ الْغَنَمِ تَسْحَبُهُمْ.
إِنَّهُ يَخْرِبُ مَسْكَنَهُمْ عَلَيْهِمْ. لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ
الرَّبُّ: وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى أَدُومَ وَأَقْطَعُ مِنْهَا الإِنْسَانَ
وَالْحَيَوَانَ, وَأُصَيِّرُهَا خَرَابًا. مِنَ التَّيْمَنِ وَإِلَى
دَدَانَ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ. " (أرميا49: 20؛ حزقيال25: 13)،
ويرى
البعض أن موقعها الحالي هو " طويلان " على بعد ثلاثة أميال إلى الشرق من
البتراء (23).
أما تيماء (Tema)، والذي يخلط هؤلاء الكتاب بينها وبين تيمان، فهي غير تيمان وليست هي
المقصودة في النبوة على الإطلاق!! فتيماء اسم عبري معناه " الجنوبي "
وهو اسم أحد أبناء إسماعيل الإثني عشر "
هَذِهِ
أَسْمَاءُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بِأَسْمَائِهِمْ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ: نَبَايُوتُ
بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ، وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ
وَمَسَّا، وَحَدَارُ وَتَيْمَاء وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ"
(تكوين25: 13-15؛
1أخبار1: 29-31) ،
وأيضً اسم القبيلة التي جاءت منه " وَدَدَانَ وَتَيْمَاءَ وَبُوزَ وَكُلَّ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ
مُسْتَدِيرًا" (أرميا25: 13)، واسم المكان الذي استوطنه نسله "
نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. مَوَاكِبُ سَبَأٍ رَجَوْهَا....هَاتُوا
مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ" (أيوب6: 19؛ أشعيا21: 14).
وتقع
تيماء " في شمالي شبه الجزيرة العربية " وهي واحة واسعة تقع تقريبًا في
منتصف المسافة بين دمشق ومكة، وبين بابل ومصر. وكانت تقع على طريق القوافل القديم
الذي كان يربط خليج العقبة بالخليج العربي، وما زالت أحد المراكز التجارية الهامة(24). ولكن لا يوجد أية علاقة لها بتيمان
المذكورة في هذه الآيات مطلقًا.
موقع تيماء (Tema) على طرق التجارة في
شمال الجزيرة العربية
7- من هو القدوس في
هذه الآية؟
لا
يمكن بأي حال من الأحوال أن كون القدوس المشار إله في هذه الآية هو نبي المسلمين
لأنّ اسم القدوس هو اسم من أسماء الله الذي أختصه لنفسه (سواء في الكتاب المقدّس
أو القرآن)، ولا يمكن نسبته لأي إنسان آخر مهما كان "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا
هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (الحشر23)،
"
يُسَبِّحُ
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ
الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" (الجمعة 1).
(23) دائرة المعارف الكتابية ج2: 414.
(24) السابق ص 413.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/w48vz8b