وقبل البدء في دراسة هذا الكتاب الأبوكريفي المنحول نحب أن نوضح أنه لا يمكن أن يطلق عليه تعبير إنجيل لأنه لا يحمل أي سمات للإنجيل. فكلمة "إنجيل" تعني "الخبر المفرح" أو "البشارة السارة" أو "بشارة الملكوت". وجوهره كما قال القديس لوقا بالروح هو: "جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلّم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه " (أع1: 1و2)، وكما قال القديس يوحنا بالروح:
"وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه " (يو20: 31). وكانت هذه الأمور مؤكدة في الكنيسة كما تسلمتها من تلاميذ المسيح ورسله " الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة " (لو1: 1و2). كما شهد القديس يوحنا وشهدت الكنيسة معه أنه يكتب عن الحق: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق " (يو21: 24). الإنجيل إذا هو البشارة المفرحة بالخلاص الذي تم بتجسد المسيح وصلبه وقيامته وفدائه للبشرية، وكان عمله وتعليمه متممًا للعهد القديم وصابغه بصبغة المحبة، فقد تم في المسيح جميع ما تنبأ به عنه أنبياء العهد القديم من نبوات ورموز، وصبغ وصاياه وناموسه بصبغة المحبة وقدمها في ضوء العهد الجديد.
أما هذا الكتاب المنحول فنرى فيه مسيح أخر لا صلة له بالمسيح يسوع، مسيح التاريخ والمسيحية، وإله أخر غير الله الذي نؤمن به، وإنجيل أخر يتميز بالصوفية والسرية والغموض لا يفهمه إلا من يدعون المعرفة الإلهية!! فمسيح هذا الإنجيل المنحول كائن خيالي لا وجود له في الواقع يظهر ويختفي ولا يعلم أحد إلى أين يذهب ولا متى يأتي، لا ميلاد له ولا هيئة محددة بل يظهر في أشكال متنوعة وغالبًا ما كان يظهر لتلاميذه كطفل! أما تلاميذ المسيح ورسله، عدا يهوذا، فيقول لنا أنهم لم يعبدوا الإله الحقيقي بل عبدوا إلهًا أخرًا أقل وشرير، ويهوذا وحده هو الذي كان يعرف الإله الحقيقي!! ولذا كشف له يسوع أسرار الملكوت، وحده (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)!! كما يقدم لنا قصة أسطورية خرافية سرية غامضة عن خلق الكون تتعدد فيها الآلهة!! فهناك الإله الحقيقي غير المدرك وغير المعروف وهناك الإله المولود الذاتي والإله باربيلو المخنث أو المزدوج الجنس وهناك الإله سكالاس الذي خلق هو وملائكته البشرية!! هذا بخلاف سلسلة لا تُحصَى من الآلهة والأيونات التي هي كائنات روحية إلهية والملائكة ذات الصفة اللاهوتية التي لا تُحصَى ولا تُعَد!! ويصور لنا شيث الابن الثالث لآدم كتجسد أول للمسيح، ويصوره ككائن إلهي تجسد في شكل وصورة الكائن البشري!! كما يقول لنا أن آدم وحواء كان لهما وجودًا سابقًا في عالم اللاهوت قبل أن يخلقا كبشر!! وهذا الفكر هو خليط ومزيج للوثنية الأفلاطونية واليونانية والزردشتية والمصرية مع اليهودية المتأثرة باليونانية مع مسحة خفيفة من المسيحية!!
ويحول خيانة يهوذا للمسيح من خيانة تلميذ لمعلمه إلى سر الخيانة المقدس الذي تم بناء على طلب المسيح نفسه من يهوذا ليخونه ويسلمه لليهود حتى يصلب ويقدم الفداء للبشرية بموت جسده على الصليب!!
ومن هنا أجمع العلماء وكل من درسوا هذا الكتاب المنحول على أنه كتاب غنوسي خرج من دائرة إحدى فرق هذه الهرطقة التي مزجت المسيحية بالوثنية والتي ظهرت في النصف الأول للقرن الثاني، وأن نصه الأول كتب فيما بين 130 و170م، حوالي سنة 150م، بعد موت يهوذا بأكثر من 120 سنة وبعد انتقال آخر التلاميذ بحوالي 50 سنة، وأنه من المستحيل أن يكون كاتبه هو يهوذا الإسخريوطي أو أي أحد له صلة به، فيهوذا كما يقول هذا الكتاب المنحول نفسه مات مكللًا بالعار وملعونًا من التلاميذ الذين كانوا يعتقدون بخيانته للمسيح، وأن الإنجيل المنسوب له هو إنجيل سري ورواية سرية خاصة به وحده، ومن المفترض أنه لم يكشف عنه لأحد، كما أن ما جاء به من أفكار وخرافات لم يكن لها أي وجود في وسط التلاميذ الذين كانوا، جميعهم من خلفية يهودية لا تؤمن بهذه الأفكار الوثنية، أو في وسط آباء الكنيسة، ولم تظهر إلا بعد ظهور الفرق الغنوسية التي كتبته كما سنوضح في الفصلين الثالث والرابع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ynr9nbw