الكلام هو المعنى القائم في النفس، والذي يعَبر عنه بألفاظ، أو هو الجملة المركبة المفيدة، وكلمة الله هي الوسيلة التي يعلن بها مشيئته للإنسان، في صور مختلف فقد تكون عن طريق ما ينطق به الأنبياء، أو مكتوبة في الناموس وسائر الأسفار المقدسة، أو الكلمة الحية في شخص الرب يسوع المسيح.
(أ) المصطلحات الكتابية:
أهم المصطلحات العبرية في العهد القديم للدلالة على الكلام هي كلمة "دبَر" ومشتقاتها، وهي ترد فيه بهذا المعنى أكثر من 750 مرة. وقد ترجمت إلي اليونانية في الترجمة السبعينية بكلمتين يونانيتين، هما: "ربما (HREMA) لوجوس (LOGOS) ففي الأسفار الخمسة الأولى استخدمت كلمة "ريما" في غالبية الحالات. أما في النبوات فكانت كلمة "لوجوس"هي الأكثر استخدامًا فكلمة "ريما" تركز على الأثر الديناميكي لإعلان الله، بينما تركز كلمة لوجوس على طبيعة كلمة الله ووسيلتها.
أما أكثر الكلمات استخدامًا في العهد الجديد فهي كلمة "لوجوس" ومشتقاتها وترد أكثر من 360 مرة، كما تستخدم كلمة "ريما" أكثر من خمسين مرة.
(ب) الكلمة في العهد القديم:
يستخدم لفظ "كلمة" ومشتقاتها في ثلاثة مجالات مختلفة في العهد القديم.
(1) تستخدم عادة للتعبير عن الإعلان الإلهي فالله يتكلم لأنبيائه، وهم يستمعون فيبدأ إرميا وهوشع ويوئيل ويونان وصفنيا وحجي وزكريا، نبواتهم بالقول: "فكانت كلمة الرب إلي قائلًا (إرميا 1: 4) أو "قول الرب الذي صار إلي هوشع (هو 1: 1؛ انظر أيضًا يوئيل 1: 1) وصار قول الرب إلي يونان (يونا 1: 1) وكلمة الرب التي صارت إلي صفنيا (صف 1: 1) و"كانت كلمة الرب" (حجي 1: 1؛ زك 1: 1). وتظهر هذه العبارة - في صور مختلفة نحو 130 مرة في العهد القديم.
ولم تكن "كلمة الله تأتي في رؤى للأنبياء، بل كانت أيضًا تصاحب أفعاله، ولم تكن هذه الأفعال غير مفهومة عند من شاهدوها، لذلك كان لهم سلطان تفسيرها، وهكذا ترتبط كلمة الله بعمله في التاريخ.وكان الهدف من هذا الإعلان هو التعريف بمشيئته من نحو سلوك الإنسان في هذا العالم، فمن الجدير بالملاحظة هو أن مضمون الإعلان لا يختص دائمآً بالأمور السماوية، بل أيضًا بالأمور العملية لذلك فليس من الغريب أن نقرأ قول الرب لموسى: "أقيم لهم نبيًا.. مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه (تث 18: 18، 19) فالله يطلب الطاعة الكاملة للكلمة النبوية، والتي هي عادة في صيغة الأمر.
(2)- كانت كلمة الله هي وسيلة الخلق، فعمل الله في الخليقة يختلف عن عمل الإنسان، فالإنسان يجب أن يعمل ويتعب لكي يصنع شيئًا، وما يعمله الإنسان أو يصنعه إنما هو إعادة تشكيل لمواد موجودة، بينما الله يقول فقط لأن بكلمة الله صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها.... لأنه قال فكان. هو أمر فصار (مز 33: 6، 9؛ انظر تك 1: 3).
(3) - وتستخدم أيضًا نفس الكلمة للدلالة على أقوال الأنبياء الكذبة (انظر عد 22-24) فالأنبياء الكذبة كانوا يتكلمون بأقوال ترضي من يقصدونهم، أما النبي الحقيقي، فلم يكن يستطيع أن ينطق إلا بما يأمره به الله (عد 22: 18؛ 1مل 22: 14) لذلك أعطى الله بني إسرائيل علامة بها يستطيعون التمييز بين ما كان من الله وما لم يكن منه (تث 13: 1-5؛ 18: 2- 22).
(ج) -استخدامات كلمة "لوجوس" اليونانية خارج الكتاب المقدس:
يلزمنا أن ندرس استخدامات كلمة "لوجوس" في الكتابات اليونانية، خارج الكتاب المقدس، لأن البعض حاولوا الادعاء بأن في ذلك ما يلقي الضوء على استخدام يوحنا البشير لهذه الكلمة، وهذه هي أهم مواضع ورودها.
(1) -أول مرة ظهرت فيها كلمة "لوجوس" كانت في كتابات هراقليطس" (HERACLITUS) الأفسسي (حوالي 500 قبل الميلاد)، واعتقد الرواقيون أنه يوافق فكرهم في أن الكون قد خلقه "العقل" أو "الناموس" ولكن لم يوافقهم أفلاطون - الذي كان يعرف تعليم هراقليطس، ومن هنا يكون من الواضح أن الرواقيين بنوا فكرهم على أقوال شديدة الغموض.
(2) اعتقدت رواقية زينون وخلفائه المباشرين، بمزيج من وحدة الوجود - وحيوية المادة، فالكون مكون من مادة، وقد اخترقه وهيمن عليه بخار ناري - كان هو نفسه مادة اسمها "لوجوس".
وبعد ذلك فقدت "لوجس"ارتباطاتها المادية، وأصبحت هي "العقل الإلهي" الذي يحكم العالم، وكانت هذه هي الفكرة التي سيطرت على “فيلو".
(3) نادى فيلو بأن اللوجوس كان وسيطًا بين الله المتسامي وبين الكون المادي، فكان من غير المعقول عندهم أن يكون لله صلة بهذا النظام المخلوق، وعليه فإن الله رسم في فكره الكون النموذجي وأداة الله في الخليقة وبعض الألقاب التي استخدمها "فيلو" في وصف "اللوجوس"، هي: "ابن الله البكر"، "صورة الله"،" إله" (بدون أداة التعريف - للتمييز بينه وبين الله) "سفر"، "وسيط"، "شفيع"، "ورئس كهنة".
ولكن من المستبعد جدًا أن يكون" فيلو" هو القنطرة بين أسفار الحكمة في العهد القديم، وكتابات يوحنا الرسول فمع أن يوحنا كان له علم بالمراجع التي كانت لدى "فيلو"، لكنه كان يمتلك ما هو أكثر من ذلك إذ كان يمتلك اليقين الراسخ بأن الله قد تكلم وعمل وأعلن نفسه بطريقة جديدة في يسوع المسيح، وهكذا يذهب يوحنا إلى أبعد مما ذهب "فيلو" الذي لم يفعل سوى تجسيد "اللوجوس" ولو أن "فيلو" استطاع أن يرى مفهوم يوحنا عن "اللوجوس" لبادر إلي رفضه.
(د) استخدام لوجوس في العهد الجديد:
تستخدم "الكلمة"في العهد الجديد في معناها العام، كما تستخدم لقبًا للرب يسوع المسيح، وهي أشد اتصالًا بكلمة دبر العبرية في العهد القديم، منها بكلمة لوجوس في الفكر اليوناني.
(1) كما هو الحال في العهد القديم، نجد أن أكثر استخداماتها في العهد الجديد هو لوصف وسيلة الإعلان السماوي، وهذا الإعلان يتضمن مشيئة الله للبشر عمومًا (لو 11: 28) ولإسرائيل (رو 9: 6) وللكنيسة (كو 1: 25-27) كما قد تشير إلي الإعلان المكتوب، كما إلي ناموس العهد القديم (مت 15: 6، مرقس 7: 13)، أو إلي فصل معين من العهد القديم [(يو 10: 35) في إشارة إلي (مز 82: 6)]. كما أن الإعلان الإلهي كان أيضًا فيما تكلم به الرب يسوع (لو 5: 1؛ يو 5: 38؛ 17: 6؛ أع 20: 35) وفيما تكلم به الرسل (1تس 1: 8؛ 2تس 3: 1).
(4) يرتبط بما سبق بشدة أن الرسالة المسيحية تسمى "كلام الله" (لو 8: 11؛ أع 4: 31) و"كلمة الله" (1كو 14: 36؛ عب 4: 12) وكلمة المسيح (كو 3: 16؛ انظر أيضًا عب 6: 1) وكلمة الرب (أع 8: 25). وتتميز الكلمة في الرسالة المسيحية بأنها الإنجيل أي "البشارة المفرحة" أو الخبر الطيب، (غل 2: 2؛ لو 1: 23) و"إنجيل الله "(1تس 2: 9) و"كلمة الحياة" (في 2: 16) وأنها "حية وفعالة "(عب 4: 12) وأنها "قوة الله" (1كو 1: 18) و"كلمة الحق" (أف 1: 13؛ 2تي 2: 15) و"كلمة حق الإنجيل" (كو 1: 5).
(3) - هناك خمسة مواضع في العهد الجديد تُسْتَخْدَم فيمها كلمة "لوجوس" (الكلمة) لقبًا للرب يسوع المسيح (يوم 1: 1 و14؛ 1يو1: 1؛ 5: 7؛ رؤ 19: 13). ولا يمكن سبر غَور هذه الكلمة فإن يوحنا يضع في لغة سهلة مقبولة عند الوثنيين واليهود والمسيحيين، هذا الحق وهو أنه في تجسد الرب يسوع المسيح وحياته وموته وقيامته، ثمة إعلان جديد عن الله (ارجع إلي عب 1: 1، 2). "فلوجوس" معناها "كلمة" ويسوع المسيح هو التعبير أو الإعلان عن الله الآب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فالكلمات هي أدوات الإعلان عن الأفكار والمقاصد وفي شخص "اللوجوس المتجسد" (يو 1: 14) أعلن الله لنا ذاته، فالمسيح "كالكلمة" هو الإعلان الكامل النهائي عن الله "في البدء كان الكلمة"(يو 1: 1) وهذا يعني أنه منذ الأزل. و"كان الكلمة الله" (يو 1: 1)، وفي هذا إعلان لاهوته، فهو واحد في الجوهر مع الله و"الكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14) لقد تجسد الكلمة (اللوجوس) ليعلن الله للناس (يوم 1: 18) وليتمم خلاصهم، ولتأكيد لاهوته يقول إن " الكلمة " هو الخالق لكل الكون وما فيه، "فكل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3)، فهو مصدر الحياة العقلية والأدبية والروحية للإنسان "ففيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس" (يو 1: 4).
هذه الأعداد الأولى من إنجيل يوحنا تقدم لنا وصفًا بسيطًا مباشرًا لا علاقة له بالفلسفة، ولكنه وصف قوى عميق للرب يسوع المسيح كإعلان الله الكامل النهائي للإنسان إذ "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه... الذي به أيضًا عمل العالمين، الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب 1 : 2؛ ارجع أيضًا إلي كو 1: 16، 17).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/724gg57