(1) الاسم:
سفر الخروج هو ثاني أسفار التوراة (الناموس) واسمه في العبرية "واله شيموت"، وهي العبارة الأولى في السفر، أي "وهذه الأسماء". وكان من عادة اليهود تسمية الأسفار المقدسة بالكلمة الأولى أو العبارة الأولى منها. أما تسمية السفر بسفر "الخروج" فنقلًا عن الترجمة السبعينية التي سمت السفر بمضمونه، أي خروج بني إسرائيل من مصر (انظر خر 1:19؛ مز 38:105؛ 1:114؛ عب 22:11). وقد اقتبس منه المسيح وتلاميذه خمسة وعشرين آية بنصوصها، وتسع عشرة آية بمعانيها.
(2) المضمون:
يوضح هذا السفر بجلاء عملية الفداء، فالهدف منه هو شرح كيف أصبح شعب إسرائيل "أمة العهد" للرب، فبينما لا ترد كلمة فداء ومشتقاتها كثيرًا في سفر الخروج (انظر خر 13:13 - 15؛ 13:15؛ 30:21؛ 12:30؛ 20:34) إلا أن مفهوم الخلاص من الموت والعبودية والوثنية يسود كل السفر. كما يعلن الله نفسه مرارًا باسم "يهوه" أي "الله صاحب السيادة المطلقة"، ويقطع عهدًا مع إسرائيل، فهو ينقذهم ويخرجهم من أرض مصر، ويأخذهم لنفسه ليكونوا له شعبًا خاصًا، وليكون لهم إلهًا، ويدخلهم إلى الأرض التي وعد بها إبراهيم واسحق ويعقوب (انظر مثلًا خر 6:6- 8).
وتظهر بكل دقة استمرارية خطة الله في الفداء، وإن يكن بإيجاز في الأصحاح الأول بحرف العطف "واو" ليربط بين سفري التكوين والخروج، أي ما بين زمن يوسف وزمن موسى، وهي فترة عبوديتهم في مصر. ثم تصف الأصحاحات القليلة التالية مولد موسى وتربيته ودعوة الله له ليكون الأداة البشرية في خلاص الشعب ووسيط العهد بينهم وبين الله.
وفي سلسلة من المواجهات بين موسى وفرعون (خر 5: 1 - 10: 29)، لم يستطيع موسى إقناعه ليطلق الشعب من العبودية، بل إن تسع ضربات غير عادية، لم تستطع أن تحمله على تغيير موقفه، بل بالحري زاد قلبه قساوة. ثم أنذره الله الإنذار الأخير بقتل كل بكر في أرض مصر من بكر فرعون الى بكر الجارية وكل بكر بهيمة. ولكن الله رتب وسيلة لبني إسرائيل للنجاة من سيف الملاك المهلك، وذلك برش دم خروف الفصح على القائمتين والعتبة العليا. ولما وقعت الضربة أطلق فرعون موسى وبني إسرائيل، فانطلقوا من رعمسيس إلى سكوت.. إلى أن نزلوا أمام فم الحيروث بين مجدل والبحر، فظن فرعون أنه قد استغلق عليهم القفر، فسعى بجيوشه وراءهم، ولكن الرب شق البحر أمام بني إسرائيل حتى عبروا الى الشاطئ الشرقي، ولما زحف المصريون وراءهم، رجع الماء و أغرق كل مركبات فرعون وفرسانه (خر 1:11-31:14). حينئذ رنم موسى وبنو إسرائيل ترنيمة الانتصار تسبيحة للرب (خر 1:15-21).
وقاد موسى الشعب في البرية حتى نزلوا أمام جبل سيناء (خر 1:19، 2). وقد اختبروا في الطريق معجزات الله التي عملها معهم لسد حاجتهم الى الماء والطعام، ونصرتهم في المعركة مع عماليق. وعندما وافق الشعب على شروط العهد الذي سيقطعه الله معهم (خر 8:19) تقدس الشعب واجتمعوا في أسفل الجبل في اليوم الثالث (خر 9:19-19) لكي يستمعوا إلى وصايا الرب وعهده مع إسرائيل (خر 20:19-23)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى.ثم انحدر موسى (خر 25:19) وأخبر الشعب بجميع كلمات الله من وصايا وأحكام وفرائض العهد، فبادروا بصوت واحد إلى إعلان قبولها (خر 3:24). "فكتب موسى جميع أقوال الرب" [ودعاه كتاب العهد - (خر 4:24-7)]. وبعد ذلك سلم الرب لموسى لوصايا العشر المكتوبة على لوحي الحجارة "بأصبع الله نفسه" (خر 12:24؛ 18:31). وتأييدًا لموافقتهم على العهد بنى موسى في اليوم التالي مذبحًا في أسفل الجبل واثني عشر عمودًا تمثل أسباط إسرائيل الاثني عشر (خر 4:24-8). وبعد ذلك صعد موسى -كوسيط العهد- ومعه هارون رئيس الكهنة وابناه وسبعون من شيوخ إسرائيل، "ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكذات السماء في النقاوة... فرأوا الله وأكلوا وشربوا" (خر 9:24-11).
ثم صعد موسى مرة أخرى الى قمة الجبل وكان هناك أربعين نهارًا وأربعين ليلة، حيث أظهر له الرب رسمًا للخيمة وكل ما يتعلق بأمتعتها وآنيتها ونظام الخدمة فيها، وأوصاهم بحفظ السبت علامة للعهد (خر 25-31). وفي تلك الأثناء، عندما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول، طلبوا من هرون أن يصنع لهم تمثالًا ليكون لهم إلهًا، وهكذا نقضوا عهدهم مع الله. وإذ نزل موسى من الجبل ورأى الشعب يرقصون حول العجل الذهبي الذي صنعه لهم هارون، حمي غضبه وطرح اللوحين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل. ولبى بنو لاوي نداءه، وقتلوا من زعماء المتمردين نحو ثلاثة آلاف رجل (خر 15:32-29).
وبعد أن صعد موسى الى قمة الجبل لمدة أربعين يومًا أخرى، وتوسل الى الله من أجل بقية الشعب، أعلن الله مجده لعبده موسى ووعده بأن يسير بوجهه أمامه فيريحه (خر 14:33)، ويطرد من قدامه شعوب الأرض (خر 11:34). واستعاد الشعب شركته وقدم كل ما يلزم لإقامة الخيمة (خر 35-39). وعندما أقيم المسكن في اليوم الأول من الشهر الأول من السنة الثانية لخروجهم من مصر (خر 17:40) أرسل الله سحابة المجد "الشكيناه" لتملأ ببهاء الرب المسكن المقام في وسط شعب العهد الذي فداه (خر 34:40).
(3)مجمل السفر:
مقدمة: الربط بين سفر الخروج وسفر التكوين (خر 1:1-7).
أولًا: فداء الله لشعبه المستبعد من مصر بالدم والقوة (خر 8:1-27:18).
(أ) خلفية العبودية في مصر (خر 8:1-22).
(ب) إعداد المنقذ (خر 1:2-31:4).
(ج) الصراع مع المضطهد (خر 1:5-10:11).
(د) النجاة من مصر (خر 1:12-22:15).
(1) الفداء بدم الخروف الفصح (خر 1:12-16:13).
(2) الخلاص بالقوة المعجزية (خر 17:1-31:14).
(3) نشيد الانتصار (خر 15: 1-21).
(ه) التدريب في البرية (خر 22:15-27:18).
(1) امتحان المفديين (خر 22:15-16:17).
(2) حكم المفديين (خر 1:18-27).
ثانيًا: علاقة الله بشعب إسرائيل المفدي على أساس العهد الذي تم عند جبل سيناء (خر 1:19 - 38:40)
(أ) إقامة العهد مع إسرائيل (خر 1:19-28:24).
(1) الإعداد لاستقبال العهد (خر 1:19-25).
(2) كلمات العهد (خر 1:20-19:23).
(3) إصدار العهد (خر 20:23-33).
(4) إبرام العهد (خر 1:24-18).
(ب)عبادة شعب العهد (خر 1:25-38:40).
(1)أوامر الله بخصوص الخيمة والكهنوت (خر 1:25-18:31).
(2)انقطاع الشركة ثم استعادتها (خر 1:32-35:34).
(3)التقدمات للمسكن (خر 1:35-7:36).
(4)إتمام عمل الخيمة وإقامتها (خر 8:36-38:40).
(4)كاتب السفر وتاريخ كتابته: ينسب اليهود سفر الخروج -مع سائر الأسفار الخمسة- إلى موسى منذ زمن يشوع: "كما أمر موسى عبد الرب... كما هو مكتوب في سفر توراة موسى" [(يش 31:8-35). انظر عبارة "مذبحًا من حجارة صحيحة" (غير منحوتة) مع (خروج 25:20)]. وقد اقتبس الرب يسوع المسيح في رده على الصدوقيين الذين ينكرون القيامة: أما قرأتم في كتاب موسى في أمر العليقة كيف كلمه الله قائلًا أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب" (مرقس 26:12؛ وانظر لو 37:20).
ويتضح من الأدلة الداخلية أن الكاتب كان ولابد مقيما أصلا في مصر (وليس في فلسطين), وكان شاهد عيان لأحداث الخروج وتجولات وأحداث البرية , وعلى درجة رفيعة من العلم و الثقافة والمقدرة الأدبية , ولا يوجد من ينطبق عليه كل هذه الأوصاف سوى"موسى بن عمرام "(هكذا يقول ج. ل. اركر في كتابه " مقدمة العهد القديم ")
يبدو من قصة يوسف (تك 50:37) وكذلك من سفر الخروج ان الكاتب كان على علم تام بالأسماء والألقاب والكلمات والعادات المصرية , فقد أشار إشارة دقيقة الى تعاقب المحاصيل في مصر السفلى (خر 31:9، 32), ولم يذكر من أنواع الأخشاب سوى خشب السنط وهو الخشب الصحراوي المتين الوحيد الموجود بكثرة في شبة جزيرة سيناء, وكان مصدرا للأخشاب التي استخدمت في بناء خيمة الاجتماع (خر 5:25.. إلخ.). كما أن جلد التخس (وفى العبرية "تخاش") الذي صنعت منه أغطية الخيمة كان يؤخذ من حيوان "الاطوم" وهو حيوان بحرى من الثدييات يعيش في مياه البحر الأحمر. كما كان الكاتب عليمًا بأنواع الحلفاء التي تنمو على حوافى النهر وفي البرك والمستنقعات في دلتا النيل (خر 3:2), وأن رمال الصحراء تغطى الأرض على أطراف التربة المزروعة.وواضح أنه كان شاهد عيان للأحداث والأماكن المذكورة بالارتباط برحلة البرية , فنجده مثلًا يذكر , بدون سبب ظاهر ,عدد العيون (12عين ماء) وعدد النخيل (70 نخلة) في إيليم (خر 27:15).لقد كان موسى إسرائيليًا عاش في مصر وتهذب بكل حكمة المصريين (أع 22:7), وكان عارفًا بكل أجزاء شبه جزيرة سيناء (للاستزادة يمكن الرجوع إلى "مقدمة العهد القديم للأستاذ ج. ل. أركر).
وعلاوة على ذلك فإن سفر الخروج نفسه يذكر أن موسى سجل الأحداث والأقوال عقب حدوثها مباشرة.ولعل الكتاب الذي سجل فيه أحداث المعركة مع عماليق كان درجًا من الرق شبيهًا بما كانت تكتب عليه حوليات التاريخ في مصر وغيرها من بلدان الشرق الأوسط , والتي كان يسجل فيها كل الأحداث الهامة (هناك درج من الرق في معبد آمون في طيبة بصعيد مصر من عهد الملك تحتمس الثالث , مسجله عليه يوميات قواده).وقد "كتب موسى جميع أقوال الرب بما فيها الوصايا العشر... وكتاب العهد "(خر 4:24، 7).وقد أمر الرب بعد العجل الذهبي قائلًا: "اكتب لنفسك هذه الكلمات "(خر 27:34).
كما نقرأ بكل وضوح:"وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة... فعندما كمَّل موسى كتابة كلمات التوراة في كتاب إلى تمامها" سلمها للكهنة ليضعوها "بجانب تابوت عهد الرب "(تث 9:31؛ 24-26). كما أنه كتب النشيد المسجل في الأصحاح الثاني والثلاثين من سفر التثنية (تث 19:31، 22).
وهكذا ينتفي كل شك في ان موسى كان قادرًا على الكتابة، وكان من عادته أن يحتفظ بسجلات دقيقة حسب العادة التي كانت شائعة في ذلك العصر ,كما كانت له مراجعه الثابتة التي كان يمكنه استخدامها.
وبناء على ذلك , يرجع تاريخ كتابة سفر الخروج إلى حياة موسى وزمن الخروج نفسه، ولعله كتبه في غضون الثماني والثلاثين سنه التي تجولوا فيها في البرية حول قادش برنيع بعد مغادرة جبل سيناء. ومما يؤيد ان السفر كتب في ذلك العهد المبكر,دراسة صيغ العهود أو المعاهدات القديمة التي كان يوقعها الملوك مع الأمم الخاضعة لهم في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد في الشرق الأوسط. فصيغة العهد الذي قطعه الله مع إسرائيل تطابق بصوره مذهلة تلك المعاهدات القديمة مثل المعاهدات التي قطعها أباطرة الحثيين مع أتباعهم من الملوك، فقد استخدم الله الصيغة الشائعة للعهود في ذلك الزمن، والتي كانت معروفة لموسى من تربيته في بلاط فرعون (للاستزاده يمكن الرجوع إلى:"تاريخ العهد القديم , من موسى إلى داود والاكتشافات الأثرية الحديثة " للأستاذ ج. ل. أركر Archer).
ومن الظواهر المدهشة التي تذكرنا بما أقامه فراعنة الدولة الحديثة من ملوك الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة من معابد، إقامة خيمة الشهادة، بأغطيتها الكتانية برسوم الكروبيم المطرزة بالأسمانجوني والأرجوان والقرمز صنعة حائك حاذق (خر 26: 1-6) والتي كانت تغطي ألواحًا من خشب السنط المغشاة بالذهب (خر 26: 15-30). وأقرب الأمثلة لهذه الخيمة التي كانت قابلة للحمل والنقل من مكان إلى آخر، هي الحجرات الأربع الخشبية المذهبة المستطيلة التي وجد بداخلها التابوت الذهبي لتوت عنخ آمون، والتي كانت كل حجرة داخل الأخرى، وكانت تمثل المعابد التي كانت مألوفة عند الملك في حياته، وهي مصنوعة من ألواح من الخشب القابلة للفك، والتي تتصل ببعضها بإحكام بطريقة التعشيق ومزاليج سهلة الانزلاق. وكانت هناك ظلة من الكتان مطرزة بزهور الأقحوان المذهبة بالبرونز، تغطي الحجرة الثانية، ولعل الصناع المهرة الذين قاموا بالعمل في الخيمة مثل بصلئيل بن أورى وأهولياب بن أخيساماك سبق أن عرفوا هذه الفنون من العمل في مصر.
ويزعم النقاد من مختلف مدارس النقد العالي أن سفر الخروج وغيره من الأسفار الخمسة، يتكون من عدة وثائق أو تقاليد مستقلة، جمعت معًا بعد زمن موسى بقرون كثيرة. ويقسم أتباع مدرسة جراف ولهاوزن سفر الخروج في تدوينه إلى ثلاثة أطوار رئيسية، ويطلقون على المراجع المزعومة الحروف الإنجليزية "J " (من "Jehovah" أي "يهوه")، " E " (من " Elohim " أي " إلوهيم " أو الله)،" P " (من " Priest "أي كاهن). ويزعمون أن كهنة أورشليم بعد العودة من السبي، جمعوا مواد متناثرة واستكملوا الوثائق القديمة المنسوبة " لليهوديين" (الذين يستخدمون اسم "يهوه"، والإلوهيين (الذين يستخدمون اسم "إلوهيم" أي الله)، ومزجوها بالحديث عن طقوس العبادة (خر 25 - 31؛ 35-40). ويزعم ولهازون وآخرون أن الخيمة في البرية ليست إلا من خيال الكهنة المتأخرين الذين ضخموا من شأن الخيمة البسيطة التي أقيمت للاجتماع وخلطوا بينها وبين الصورة الفاخرة لهيكل سليمان.
ويقول " ج. إ. رايت "(Wright) في كتابه "سفر الخروج" إن هناك الكثير من العوامل المجهولة في نقل مادة السفر عبر القرون الطويلة، حتى ليعد من العسير الجزم بشيء في مثل هذه الحال.
ويزعم بعضهم وجود وثائق أخرى وراء السفر غير ما سبق ذكره. وشقة الخلاف واسعة جدًا بين مختلف آراء هؤلاء النقاد الذين ينكرون إسناد الأسفار الخمسة إلى موسى، وذلك لأنها جميعها آراء مبنية على غير أساس ثابت.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pzdr2d9