← اللغة الإنجليزية: Beauty - اللغة العبرية: יופי - اللغة اليونانية: Ομορφιά - اللغة اللاتينية: Pulchritudo.
إن الحيز المتاح لهذا الموضوع هنا لا يتسع إلا لعرض مشكلتين تعترضان دارسي الكتاب المقدس، وهو أن نولي عناية خاصة للتداخل بين الجمال الفني والجمال الأخلاقي في الكتاب المقدس، وان نتفهم معنى الجمال الفني في الطبيعة:
(1) الجمال الفني في الكتاب المقدس:
مما لا شك فيه أن الكتاب المقدس يعنى كثيرًا بالأخلاق، فمفتاح الوحي هو "البر" في كل علاقات الإنسان باعتباره كائنًا أدبيًا، فهو النور الذي يضيء لنا كيما نتفهم كل معاني الكتاب. فكل كتاب المقدس موحي به ومكتوب في جو من الجمال، وتتضح لنا هذه الحقيقة في دراستنا له من التكوين إلي الرؤيا، فأول جو وجد فيه أبوانا الأولان كان جوا من الجمال الماثل في "الجنة" حيث كانت "كل شجرة شهية للنظر" (تك 2: 9)، وآخر ما تراه في الكتاب هو المدينة العظيمة التي "بناء سورها من يشب والمدينة ذهب نقي شبه زجاج نقي.. والاثنا عشر بابًا اثنتا عشرة لؤلؤة كل واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة وسوق المدينة ذهب نقي كزجاج شفاف" (رؤ 21: 10، 18-21)، فالصورة من أولها إلي آخرها صورة في غاية من الطهر والجمال،فنرى في البداية الطهارة والبراءة قبل التجربة، ونرى أخيرًا "البر الشامل الراسخ" حيث نقرا: " واراني نهرا صافيا من ماء حيوة لامعًا كبلور خارجًا من عرش الله والخروف" (رؤ 22: 1). والمشكلة التي تواجهنا هي كيف نميز بين هذين العنصرين الممتزجين من الطهر والجمال في كل الكتاب المقدس. وسوف نذكر هنا بعض الآيات التي تساعدنا كدارسين للكتاب، على تفهم هذا التقارب الشديد:
"واحدة سالت من الرب وإياها التمس. أن اسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي انظر إلي جمال الرب وأتفرس في هيكله" (مز 27: 4). " لان كل آلهة الشعوب أصنام. أما الرب فقد صنع السموات. مجد وجلال قدامه، العز والجمال في مقدسه " (مز 96: 5، 6).
فإذا تفهمنا المعنى الموجود في هذين المزمورين وما يماثلهما من المزامير، فسيكون ذلك بمثابة إبرة مغناطيسية ترشدنا إلي ما يشبهما أينما نقرا في الكتاب، وما أكثره. ويكفينا مثلا ان نتأمل في التعليمات المعطاة بخصوص إقامة تابوت العهد وخيمة الشهادة المحيطة به وزينة الكهنة الذين كانوا يخدمون أمام الرب، كما جاء في الإصحاح الخامس والعشرين من سفر الخروج وما بعد ذلك، لندرك كيف أن كل ثروة إسرائيل قد تجمعت لإخراج التابوت والخيمة وخدمتها في أبهى الصور. وإذا نظرنا إلي أي فهرس للكتاب المقدس، فإننا نجد نصف عمود تحت كلمة "تابوت"، وعمودًا ونصف عمود تحت كلمة "خيمة الشهادة". وبالرجوع إلي هذه الآيات، نستطيع أن ندرك مدى العناية والدقة اللتين روعيتا في إخراج تلك الوسائل الإيضاحية للعبادة، في صورة رائعة من الجمال والبهاء.
ونجد في سفر أخبار الأيام الأول، والإصحاحين الخامس عشر والسادس عشر، تسجيلا لكيفية نقل تابوت العهد في أيام داود إلي مدينته ليستقر في الخيمة التي أعدها لهذا الغرض وما صاحب ذلك من فخامة وروعة وجمال وإبداع موسيقي: "وأمر داود رؤساء اللاويين أن يوقفوا أخوتهم المغنين بالات غناء بعيدان ورباب وصنوج مسمعين برفع الصوت بفرح" (1 أخ 15: 16). وترنم داود في تلك المناسبة بواحد من أجمل مزاميره (1 أخ 16: 8-36).
ولسنا في حاجة إلي الرجوع إلي هيكل سليمان (1 مل 6؛ 7؛ 1 أخ 3؛ 4) فمن المعروف جيدًا أن كل عناصر الجمال والفخامة التي وصلت إليها المدنية في عهده، قد استخدمت في بناء بيت الرب والتجهيزات اللازمة للعبادة، فقد اجتمع جمال الشكل والألوان والتوافق الموسيقي، كل ذلك أصبح جزءا من العبادة في زينة مقدسة، وقد لمست كل الأجيال هذه الروعة وذلك الجمال.
وهناك جمال في الكلام. فأجمل ما جاء في الأدب الكلاسيكي في لغتي شعبين في مقدمة الشعوب، وهما اللغتان الإنجليزية والألمانية، إنما هي ترجمة الكتاب المقدس، وليس ثمة تفسير لهذا سوى أن الأصل هو الذي أدى إلي هذا السمو والجمال. انك تستطيع أن تنتقل بين الترجمات المختلفة، فتجد نفس الروعة والسمو، لان الأصل يتميز بهذا السمو والجمال الشاعري، وفي ذلك الدليل الذي لا ينكر على أن كتبة الوحي سجلوا هذه التعاليم بالغة السمو في ثوب رائع من الجمال والجلال، فكتبوا شِعرًا ونثرًا، واستخدموا الاستعارات والمجازات والرموز التي تأخذ بالالبات، وتوضح المعنى، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وابرز الأمثلة على ذلك هي الأمثال التي نطق بها الرب يسوع، فكان لها تأثيرها العميق لما تحويه من صور وتشبيهات لها جمالها الواضح الملموس: "هوذا الزارع قد خرج ليزرع" (مت 13: 3)، فهذا منظر كان وما زَال يبعث على البهجة، وهو ما يفسر لنا رؤية صورة الزارع معلقة على جدران بيوت المسيحيين، فيكفي النظر إليها ليتذكر الناظر مثل الزارع ومرماه الجميل. ولعل التركيز الشديد على الأخلاقيات في العهد الجديد، قد شد الانتباه بعيدا عن الناحية الأخرى من الجمال رغم وجودها القوي.
(2) الجمال في الطبيعة:
مما يدعو للأسف إننا لا نتنبه لرؤية ذلك الجمال اللامتناهي في الطبيعة إلا متأخرًا جدا في حياتنا، فجميعنا نرى الجمال في قوس قزح، بل في الواقع أن كل الأشياء تحمل ألوانًا مختلفة، وما ألوان قوس قزح إلا عينة منها. وكل العناصر المتوهجة لها طيف خاص به بعض ألوان قوس قزح في سعة لا نهائية تنتشر في موجات أثيرية. وبما أن معظم عناصر الكون قابلة للتوهج، فإننا نستطيع أن نرى لا نهائية مجال التعبير بالألوان، التي لا يستطيع رؤيتها كلها إلا الله غير المحدود.
أما عن الأرض التي تتهادى في الفضاء، فان غرس الروح الجمالية، تجعلنا نستطيع أن نرى الجمال في كل شيء بدءًا من عظمة مناظر الجبال الراسخات، إلي الخطوط والألوان الجميلة التي نراها من خلال الميكرسكوب microscope وإذا نظرنا إلي الفراشة ننبهر بجمالها، ولكن يغيب عنا أن اليرقة التي خرجت منها هذه الفراشة، لا تقل عنها جمالا بما فيها من ألوان مبرقشة ودقة متناهية في تكوينها. والجمال في الخليقة برهان مقنع عن وجود الله، فما الجمال إلا رسول من الله، كما كانت الآلهة "ايريس" عند الإغريق، وقوس قزح عند العبرانيين (تك 9:11-17).
فالجمال أينما يوجد هو عنصر من عناصر إعلان الله، هو العليقة المتوقدة بالنار ولكنها لا تحترق، يجب أن نخلع أمامه أحذيتنا من أرجلنا لان الموضع الذي نقف عليه ارض مقدسة (سفر الخروج 3: 5)، ولا شك أن هذا الجمال من الأزل وإلي الأبد هو ما يميز "قديم الأيام".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5zz96qq