أولًا(*)، الآية التي ذكرتها وهي "وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ" ليس رقمها 22 بل هي (سفر أعمال الرسل 2: 21)، وتوجد كذلك آية بنفس المعنى هي: "كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 10: 13). أما الآية الثانية فتقول: "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (إنجيل متى 7: 21). ولكنها تكمل فتقول: "بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ"، ويستطرد السيد المسيح فيقول بعدها على الفور: "فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل.. وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل". يجب عليك ألا تستقطِع الآيات من سياق الحديث حتى تستطيع أن تفهم عما تتحدث.. فليست العِبرة بسماع الوصايا، ولكن بالتنفيذ وأن يحيا الإنسان بها.
هناك فرقًا بين الصلاة والدعاء والقلب المنسحق والمرتفع إلى الله، وبين مجرد مَنْ ينادون باسم الرب بدون مشاعر قلبية حقيقية.. كمجرد روتين وطقوس وفروض.. فالله ينظر إلى القلب..
وهناك العديد من الأمثلة والآيات في الكتاب المقدس من العهدين القديم والجديد، والتي تتحدث عن عدم اهتمام الله بالظاهر، ولكن اهتمامه بالداخل..
مثلما رأينا مثلًا في مثل الأرملة ذات الفلسين.. منطقيًا الجميع تقريبًا أعطوا المئات أو الآلاف من العملات، ولكنها أعطت أقل من الجميع.. ولكن الله نظر إلى قلبها، وكيف أنها بمحبة أعطت حتى من أعوازها، ورغم فقرها.. فقد أعطت فلسين..
ورأينا في قصة مسح داود ملكًا، عندما كان يسى أبوه يعرض على صموئيل النبي الفتيان الأقوياء الحُسان، ولكن الله قال له: "لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ" (سفر صموئيل الأول 16: 7). واختار الله أصغر أبناء يسى..
وقد تحدث الوحي الإلهي في هذا الأمر أيضًا وقال: "اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ، وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ، لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ." (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 27-29).
ويقول يعقوب الرسول المِثل: "أَمَا اخْتَارَ اللهُ فُقَرَاءَ هذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟" (رسالة يعقوب 2: 5).
ورأينا أيضًا أن المسيح في دعوته نظر إلى بساطة قلوب الذين اختارهم، ولم يختر من حكماء وشيوخ اليهود والعالمين.. بل اختار رجال بسطاء..
ونذكر الفتى المُعطي، والذي يذكره العالم عندما أعطى سمكتان وخمسة خبزات كانت معه للسيد المسيح، ومن خلالهم أشبع الله الجموع..
وقد تحدث النبي إشعياء أيضًا عن أهمية الحرارة الروحية في الصلاة، وعدم تكرار الكلام كمجرد كلام عندما قال: "فَقَالَ السَّيِّدُ: «لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي، وَصَارَتْ مَخَافَتُهُمْ مِنِّي وَصِيَّةَ النَّاسِ مُعَلَّمَةً. لِذلِكَ هأَنَذَا أَعُودُ أَصْنَعُ بِهذَا الشَّعْبِ عَجَبًا وَعَجِيبًا، فَتَبِيدُ حِكْمَةُ حُكَمَائِهِ، وَيَخْتَفِي فَهْمُ فُهَمَائِهِ" (سفر إشعياء 29: 13، 14). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وقد استشهد السيد المسيح بهذا فقال: "يَا مُرَاؤُونَ! حَسَنًا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلًا: يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا، وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ" (إنجيل متى 15: 7، 8)، وفي إنجيل مرقس الآية مذكورة: "فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «حَسَنًا تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ الْمُرَائِينَ! كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا،7 وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ: غَسْلَ الأَبَارِيقِ وَالْكُؤُوسِ، وَأُمُورًا أُخَرَ كَثِيرَةً مِثْلَ هذِهِ تَفْعَلُونَ" (إنجيل مرقس 7: 6-8).
فالله يَزِن الأفعال بمقدار المحبة المصنوعة بها، وليس بكميتها، أو حجمها، أو ظاهرها، أو شكلها.. وهناك صورة لطيفة من لوحات أجدادنا المصريين القدماء تصور كيف أن الإنسان بعدما يموت، يتم وزن قلبه مع ريشة تمثل الحق في حياته.. ويجب أن تثقل كفة الريشة
..فما قيمة أن أظهر للناس مصليًا أو صائمًا أو رجل خير، وهذا كله في الظاهر؟! يقول كتاب الله: "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ..؟ وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟" (إنجيل متى 16: 26؛ إنجيل مرقس 8: 36؛ إنجيل لوقا 9: 25).
_____
(*) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت
www.st-takla.org.الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fv2hf66