يقع دير الشهيد العظيم فيلوباتير مرقوريوس في مركز الفسطاط القديم (بين الفسطاط وبابليون)، وكان مُنْعَزِلًا تمامًا؛ إذ يحيط به من الخارج سور عال، وكان له في الزمن الماضي مَدْخَل واحد في الجهة الغربية. ويذكر لنا كازانوفا Cassanova في كتابه عن الفسطاط(1) أن الدير يحتوي على مجموعة من المنشآت العامة، وحديقة مربعة، وأن هذه المنشآت كانت قائمة وقت الحملة الفرنسية عام 1798. ونشر المؤرخ يوليان Jullien في كتابه عن مصر(2) عام 1889 عدة صور للدير مأخوذة من عدة جِهات.
وقد تعرضت هذه المنطقة على مر العصور والأيام إلى حملات كثيرة من الهدم والتخريب والحريق، ثم العمران. فيذكر التاريخ أن كنيسة الشهيد أبي سيفين قد تَهَدَّمَت في أواخر القرن السابع الميلادي وتحولت إلى "شونة للقصب"، ولم يبق من عمارتها الأولى إلا كنيسة صغيرة بالجانب البحري. ومكثت هكذا حتى عام 970 م. حيث أُعيد بناؤها في زمان الأنبا ابرآم السرياني 62 عقب أعجوبة نقل جبل المقطم. ثم أُحْرِقَت هي والدير في حريق الفسطاط في القرن العاشر. وقد أُعيد بناؤهما مرة ثانية عام 1168 م.
وتذكر الموسوعة العربية المُيسرة(3) أن دير الشهيد أبي سيفين للراهبات أُنشئ بعد القرن الخامس الميلادي. وتقول السيدة أ. ل. بوتشر في حديثها عن حريق الفسطاط في القرن 12(4): ".. ولما كانت أسوار الدير قديمة العهد وقوية البُنيان ولم تأكل النار إلا جزءًا منها، فنرى آثارها باقية إلى الآن نحو الشمال الغربي من جامع عمرو". وفي إحصاء شامل للكنائس والأديرة وُرِدَ في كتاب "اللؤلؤة البهية" أن "دير الشهيد مرقوريوس للراهبات من القرن الحادي عشر". ويذكر أيضًا الرَّحالة جورج كريستوف في كتابه "رحلات في مصر"(5) عام 1634، 1635، 1636 م. أنه "زار دير أبي سيفين للراهبات بمصر القديمة، وكان عامِرًا وبه راهِبات".
أما عن وصف مظهر الدير، فيذكر الأستاذ الدكتور برومستر Brumester في كتابه(6): "دليل كنائس القاهرة القديمة" أنه: "على بُعد حوالي ميل من كنيسة الشهيد العظيم مارمينا العجائبي بفُم الخليج يجد الزائر لهذه المنطقة أسوارًا عالية خاصة بالمكان الذي أُطلق عليه من قديم الزمان اسم "دير أبي سيفين"، وبداخل هذه الأسوار نجد منظرًا خلابًا يُبهِر العين من الناحية الجنوبية؛ حيث نرى أغصان النخيل تظهر عالية فوق حدود هذا السور. كما يتضح لنا أيضًا ظهور قِباب بيضاء لثلاث كنائس. وهذا الدير المُحاط بالسور العالي موجود بشارع جامع عمرو بمصر القديمة المعروفة بمنطقة الفسطاط سابقًا. والدخول إليه يكون من الناحية الغربية، ويبلغ طول هذا السور حوالي 220 قدم. ويحتوي [الدير] على الكنائس التالية: كنيسة الشهيد فيلوباتير مرقوريوس أبي سيفين الأثرية - كنيسة القديس العظيم الأنبا شنوده رئيس المتوحدين - كنيسة السيدة العذراء الدمشيرية - دير الشهيد العظيم أبي سيفين المعروف بدير البنات".
ويصِف أ. د. برومستر الباب القديم الذي كان يغلق على هذا الدير بأنه باب ثقيل من خشب الجميز، مُدَعَّم بأحزِمة حديدية وبه مزلاج كبير(7). ويصف أيضًا أن الدير كان يومًا ما يقع بجانب نهر النيل كما ذكرنا سابقًا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحة فهرس الدير. كما كانت المنطقة حول الدير قديمًا خاوية تمامًا. أما الآن فقد زحف إليها العُمران.
لقد اهتم البابا كيرلس الخامس 112 (1874-1927 م.) ببناء الكنائس وتجديد ما تَهَدَّم منها، كما اهتم بتجديد الأديرة، وكان من بينها دير الراهبات هذا بمصر القديمة. ففي زيارة له للكنائس الأثرية بمنطقة مصر القديمة، زار الدير في عهد رئاسة الأم يوستينه، ورأى أن جدرانه مُتداعية للسقوط ولا يصلح للمعيشة. وللحال فكر في إنشاء دير جديد للراهبات، فأخذ جزء من أرض حديقة الدير وشرع في بناء الدير الجديد عليها على حِسابه الخاص. وكان ذلك عام 1912 م. (1628 ش.). وحضر البابا ووضع حجر أساس الدير (قربانة وصليبًا وإنجيلًا في كل ركن من أركانه)، وكان يحضر ويشرف بنفسه على أعمال البناء.
وقد استغرق بناء الدير الجديد حوالي عام، حيث ظهر مبنى يتكون من ثلاثة طوابق، بما فيه الطابق الأرضي. ورغم حداثة البناء إلا أنه ما زال يحتفظ بآثار المنطقة التي أُنشئ عليها؛ إذ ظلت الساقية الكبيرة التي كانت تروي قديمًا الأراضي الزراعية الخاصة بالدير - باقية في مكانها، فجاء موضعها في المدخل البحري للدير الجديد بالقرب من السلم المؤدي إلى الأدوار العُليا حيث تسكن الراهبات. فهذه الساقية -لما أراد المهندسون ردمها- رفض قداسة البابا كيرلس هذا. وبعد انتهاء أعمال البناء وتهيئته للسكن، جهَّز قداسة البابا مقصورة فاخرة للشهيد أبي سيفين، وكانت مزينة بأعمدة ونقوش، وتم نقل عضو الشهيد الذي كان بالدير القديم. وكان انتقال الراهبات للدير الجديد يوم 24 برمهات 1629 ش.
_____
(1) Casanova, Foustât. (Le Caire: Institut Français d'Archéologie Orientale, 1919), p. 122-123.
(2) Jullien, R. R. M., L'Egypte (Lille: Société Saint Augustin, 1889). p. 220-221.
(3) محمد شفيق غربال، الموسوعة العربية الميسرة. (القاهرة: مؤسسة فرانكلين، 1965)، ص 831.
(4) بتشر، أ. ل. تاريخ الأمة القبطية. (القاهرة: 1900 م.)، الجزء الثاني، ص 115.
(5) Christoff, Georges. Voyages En Egypte (Le Caire, 1974), p. 330.
(6) KHS-Brumseter, O.H.F., A Guide to the Ancient Coptic Churches of Cairo. (Le Caire: Société d'Archéologie Copte, 1955), p. 55.
(7) هذا الباب محفوظ حاليًا بالمتحف القبطي تحت رقم 646.
(8) كتاب سيرة الشهيد العظيم فيلوباتير مرقوريوس أبي سيفين وتاريخ ديره، إصدار دير الشهيد أبي سيفين للراهبات بمصر القديمة، الطبعة الأولى 1989 م. - ص. 309.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9v74jbg