أزيلت كنيسة القديس يوحنا المعمدان لكي يتم توسيع الكنيسة الأثرية وبناء الصالة الخارجية.
تتمتع كنيسة العذراء الأثرية بميزة فريدة، فهي الكنيسة الوحيدة في مصر، بل في العالم كله، التي دَشَّنها المخلص بنفسه، ورش في أركانها الماء المبارك بيديه الطاهرتين، وكان رئيسا الملائكة ميخائيل وغبريال يحملان الوعاء الذي يحتوي الماء الذي قَدَّسهُ الرب بذاته، وكلما سكب الماء كان له المجد يقول "اليدان اللتان خلقتا آدم ونسله وسُمِّرَتَا على خشبة الصليب، تقدسان وتُبارِكان هذا البيت العظيم". وكما تقول سيدتنا العذراء مريم في حديثها إلى البابا ثيؤفيلس، إن هذا التدشين تم بعد قيامة الرب من بين الأموات، وأنه ظهر لامه العذراء وبعض رسله الأطهار ومعهم مريم المجدلية وسالومي حيث كانوا مجتمعين في بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس الرسول وأحد الإنجيليين الأربعة، وكانوا يتذاكرون معًا أحداث الصلب والقيامة واضطهاد اليهود القائم وقتئذ للعذراء مريم وللرسل الأطهار، فظهر لهم رب المجد بنور عظيم وعلى يمينه الملاك ميخائيل وعلى يساره الملاك غبريال، وقال: السلام لكم، فسجدوا له، ووجه الحديث إلى مريم أمه، وأراد أن يعزيها عما أصابها من متاعب تحملتها من أجله، فأنبأها أنه إكراما لها سيمضى بنفسه ليدشن بيديه البرية الخربة، برية قسقام التي عاشت فيها معه فترة من الزمن، ويقدس البيعة التي تحمل اسمها كل الأيام. ثم حملتهم جميعًا سحابة نورانية أوصلتهم إلى جبل قسقام حيث الغرفة الطاهرة التي أقامت فيها العائلة المقدسة، فدشنها في الساعة الثالثة من نهار اليوم الموافق السادس من هاتور، وأقام مذبحها وكل آنيته وأمر الرسل أن يرفعوا ذبيحة القداس، وكان هو أول قداس يُقام في هذه الكنيسة، وان بعض الرسل الذين كانوا رقدوا وبعض القديسين حضروا بأمر الرب وبسلطان لاهوته، وتناولوا من الأسرار المقدسة(1).
في هذا اليوم (اليوم السادس من شهر هاتور المبارك) تُعيد الكنيسة بتذكار تكريس كنيسة السيدة العذراء مرتمريم بدير المحرق بجبل قسقام. كما أخبر بذلك البابا ثاؤفيلس البطريرك الثالث والعشرون من باباوات الكرازة المرقسية؛ إذ قال أنه لما ذهب إلى البيعة المذكورة بدير المحرق ومكث بها أيامًا، أراد أن يبني كاتدرائية على اسم السيدة العذراء وقد كان مفكرًا في ذلك من قبل. فقصد وقت المساء إلى المقصورة حيث كانت السيدة العذراء ساكنه مع ابنها حين هروبها من أمام وجه هيرودس الطاغية فشاهد نورًا عظيمًا أسطع من نور الشمس، فتعجب لذلك المنظر الغريب! وإذ بامرأة ملتحفة بثياب بيضاء كالثلج وقالت له يا ثاؤفيلس لماذا أنت قلق بأفكارك؟ فقال لها من أنت يا سيدتي؟ فقالت له أنا أم الرحمة مريم الذي هذا المكان على اسمها. فسجد على الأرض قائلًا وأنا اسجد للذي تجسد منك وهو يسوع رب كل البريّة.
فأقامت السيدة العذراء البابا ثاؤفيلس وباركت عليه بيدها الطاهرة، وأخبرته بأن هذه البيعة وهذا المذبح كرسّها السيد المسيح بيده الإلهية وتلاميذه الأطهار. وذلك أنه لما كانت السيدة العذراء في بعض الأيام جالسة في بيت مريم أم يوحنا المدعو مرقس والتلاميذ مجتمعون يتحدثون بالآم السيد المسيح له المجد وقيامته، تألمت السيدة العذراء ألما عظيمًا، فإذا بالسيد المسيح له المجد آتيًا على سحابة نورانية فسجدوا له جميعًا وكانت تتبعه ملائكته النورانيون. فقال لهم السلام لكم، ثم التفت إلى أمه العذراء وعزّاها ووعدها بأن المكان الذي مكثت فيه معها سيكرسه بيده الإلهية قبل تكريس كل بيعة على الأرض وسيدعى اسمها على هذا المكان وللوقت حملتهم جميعًا سحابة نورانية ووضعتهم في هذه البيعة وكان ذلك في ثالث ساعة من هذا اليوم الذي هو السادس من شهر هاتور.
وكان نهارًا عظيما حيث دشن الرب هذه البيعة بيمينه العالية. وأمر بإقامة القداس وتذكار الذين رقدوا، فلما ذكروا أجتمعوا للوقت بالجسد، وتناول الجميع من الأسرار المقدسة. وقال الرب لتلاميذه: " أن هذا اليوم تذكارًا لهذه البيعة إلى ابد الآبدين" وأمرهم أن يذكروا جماعة المسيحيون في الأمانة في كل قداس وصلاة،عند ذلك سجد التلاميذ للمخلص وصعد عنهم إلى السماء بمجد عظيم.
وقد أخبرت السيدة العذراء البابا ثاؤفيلس بأنه لا يمكن لأحد أن يتعرض أو يُغّير هذا المذبح فانه موضوع من ابنها الحبيب بيده، وهو يدوم إلى الأبد. وقالت له: أهتم بهذ اليوم تذكار لذلك التكريس وأنني اسأل ابني الحبيب للذين يحضرون إليه الثبات على الإيمان إلى النفس الأخير.
وعند ذلك أختفت السيدة العذراء عن البابا ثاؤفيلس فنزل حينئذ من المقصورة وأخبر جماعة الرهبان بذلك. وكان عددهم في ذلك الوقت ثلثمائة راهب يعيشون في المحبة المسيحية وفى حياة الشركة الباخومية.
فيجب علينا أن نعيّيد هذا اليوم عيدًا روحيًا، ونصعد الشكر والمجد والوقار لربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح. الذي ينبغي لعظمته المجد والإكرام والسجود إلى الأبد آمين.(2)
أحب الأحباش وعشقوا الأماكن التي عاش فيها السيد المسيح له المجد، ولدير المحرق عمومًا والكنيسة الأثرية خصوصًا لهما شأن عظيم بالنسبة لهم، وهم يجلُّون الدير ويحترمونه ويقدسونه ويهابونه حتى أن ترابه يعتبرونه بركة لأن السيد المسيح له المجد داسه بأقدامه المقدسة وهو طفل. فيرى الأثيوبيون ما يراه المصريون من أن لدير المحرق وكنيسته الأثرية التي دشنها السيد المسيح بنفسه أن لها نفس القدسية التي للأراضى المقدسة في فلسطين. ولذلك فالقادمون منهم لزيارة الأراضى المقدسة لا بد أن يأتوا أولًا إلى دير المحرق لينالوا بركة الرب وبركة الكنيسة وبركة العذراء مريم وبركة جبل قسقام الذي أصبح أورشليم الثانية أو جبل الزيتون الثاني.
من هنا نشأت علاقة الأثيوبيين بدير المحرق، دير جبل قسقام، وكنيسة قسقام، وهم يعتبرونه المحط الأول لزيارتهم لبيت المقدس، وزيارته تعد عندهم متممة لواجبات زيارة الأراضى المقدسة.
وتمتلئ مخطوطاتهم المحفوظة في أديرتهم بالمعجزات العديدة التي صنعتها السيدة العذراء في دير قسقام. ويقول الأحباش إن الملكة منتواب Mentwab إمبراطورة اثيوبيا زارت دير قسقام في القرن 18 الميلادي ونقلت ترابًا منه مزجته في مواد بناء كنيسة عظيمة بإقليم جوندار في الحبشة ـ باسم كنيسة جبل قسقام. وقد قمنا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت بزيارة هذه الكنيسة في إطار زيارتنا لإثيوبيا عام 2008. وقد قام ابنها الإمبراطور إياسو الثاني IYASU II(4) بإكمال بناء هذه الكنيسة في سنة 1738 م. بعدما بلغ سن الرشد وتنازلت له عن المُلك الذي ورثته عن زوجها- ووضعوا جزءًا من تراب دير المحرق تحت مذبح الكنيسة.
ومن ذلك الوقت رتبت الكنيسة الحبشية بأمر الملكة منتواب الصوم المعروف بصوم قسقام مدته أربعون يومًا (يبدأ من 26 توت [6/7 أكتوبر] وينتهي في 5[6] هاتور [15/16 نوفمبر] ليلة عيد تدشين وتكريس كنيسة السيدة العذراء بدير المحرق). ومازال الأحباش يصوموا هذا الصوم حتى وقتنا هذا.
* انظر أيضًا: إبصالية واطس لـ تذكار تكريس بيعة السيدة العذراء بدير المحرق بجل قسقام، 6 هاتور، إبصالة آدام لـ تذكار تكريس بيعة السيدة العذراء بالدير المحروق بجبل قسقام، 6 هاتور، دفنار 8 بؤونة، دفنار 6 هاتور، صور كنيسة العذراء سيدة قسقام بالحبشة | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17.
_____
(1) عن كتاب الدير المحرق: تاريخه، ووصفه، وكل مشتملاته ـ الأنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي، 1992، ص. 104، 105. عن ميمر البابا ثيئوفيلوس، مخطوط رقم 9/14 بمكتبة مخطوطات الدير المحرق، وكتاب ميامر وعجائب العذراء، ص. 100-102.
(2) نُقِلَت بتصرف من بعض المخطوطات الأثرية بدير المحرق.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3rwwmgk