كان من الواضح أن هذا الوضع الشائن أفادت منه الدولة الرومانية سياسيًا إذ جعل كبار رجال الدين تابعين للحكام العلمانيين، وجعل الوظائف الدينية إقطاعات يمنحها هؤلاء الحكام لرجال الدين، لذلك تمسك أباطرة الدولة الرومانية المقدسة بوجه خاص بهذا الحق واعتبروا تخليهم عنه خسارة كبيرة تحيق بسلطانهم السياسي ولكن الكنيسة هي التي كانت الخاسرة في الواقع بسبب هذا الوضع الشاذ الذي أدى إلى تفككها وعدم ارتباطها تحت زعامة البابوية، بعد أن أصبح تعيين الأساقفة مرتبطًا بإذن من الملك أو الإمبراطور، حتى الأمير الإقطاعي يعينهم لخدمة أغراضه ولتحقيق أهدافه من تخويف الشعب وإرهابه ومعاملته كرقيق في حين أراد الحكم العلمانيون من أباطرة وأمراء أن يسيطروا على رجال الدين سيطرتهم على إقطاعاتهم بما حمله من اقتناء (عبيد) وان يتحكموا في تعينهم حتى يكونوا أداه طبيعية في أيديهم، ولا سيما، رجال الكنيسة كانوا الفئة الوحيدة المتعلمة -التي تستطيع القراءة والكتابة- ومن ثم اشتدت حاجة الحكام العلمانيين إليهم ليستخدموهم في الأمور الإدارية والحساب. وليس الأمر وقف عند هذا الحد بل تعداه إلى تدخل الملوك والأمراء في اختيار الباباوات أنفسهم، فاخذ أمراء روما يسيطرون على البابوية، وبوجه خاص بعد وفاة بندكت الثامن عام 1014م، واختاروا لهذا المنصب الخطير من يحقق لهم أغراضهم حتى ولو كان من غير رجال الدين، مما جعل كثيرًا من الباباوات يستخدمون الأباطرة الألمان لحماية الباباوية.
ولكن قيام الأباطرة الألمان بحماية البابوية جعل من البابوية صنعه، لهم مما استاء له الكرادلة المصلحين، فانتهزوا فرصة وفاة الإمبراطور هنري الثالث عام 1056، واختاروا البابا ستيفن التاسع (ستيڤن) عقب وفاة البابا فكتور الثاني (ڤيكتور) عام 1057، ويبدو أن هذا الاختيار لم يرق في أعين أمراء روما، فطردوا البابا ستفن التاسع Pope Stephen IX وعينوا البابا بندكت العاشر، وعندئذ تمسك الكرادلة برأيهم ورفضوا الاعتراف بالبابا الجديد حتى تم عزله هو الأخر. ولوضع حد لهذه الفوضى دعا البابا نيقولا الثاني مجمعًا دينيًا في روما 1059 لتنظيم اختيار البابا وإنقاذ البابوية من الهوة التي غرقت فيها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وكان قرر هذا المجمع، يتولي الكرادلة وحدهم -وهم أساقفة روما وضواحيها السبع- انتخاب البابا، علي، يستدعي الشعب ورجال الإكليروس بعد ذلك لمجرد الموافقة على هذا الاختيار، هذا فضلًا عن ضرورة اختيار البابا من بين رجال الإكليروس في روما نفسها، إلا في حاله عدم توافر المؤهلات والشروط المطلوبة اللازمة للمنصب البابوي في أحدهم، فإذا تقدر لأي سبب أجراء عملية انتخاب البابا في روما فإنه يجوز أجراء هذه العملية في أي مكان أخر.
وبذلك استطاعت البابوية أن تتحرر من نفوذ نبلاء روما وسيطرة الأباطرة جميعًا.
فضلًا عن أن اختيار البابا أصبح ذا شكل انتخابي في هيئة مختارة من صفوة رجال الكنيسة لذلك ليس من المبالغة أن هذا الإجراء كان الخطوة الأولى في سبيل إقامة إدارة مركزية في الكنيسة تستطيع أن تباشر حركة الإصلاح الكنسي بوجه عام.
26- أهم الشخصيات الإصلاحية في أوروبا في قرن 11 |
تاريخ كنيسة الغرب د. يواقيم رزق مرقص |
24- دير كلوني |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2vqc3db