على وتيرة التزييف سار مقال الأب جبرائيل حنا، واقتبس من رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل تيموثاوس من الأصحاح 3 العدد 2: "ليكن الأسقف بعل امرأة واحدة". وقال في خاتمة المقال، لقد آن الأوان العودة إلى التسليم الرسولي. وإلى حياة الكنيسة في عصورها الأولى، وإلى مراجعة النفس وإعادة تقييم الحكم على قرار عدم زواج الأسقف. ولا يوجد نص في رسالة بول الرسول الذي أورده الأب جبرائيل حنا، ونصيحتنا له أن يكون أمينًا في الاقتباس من الكتاب المقدس! فإن النص الحقيقي هو: "يجب أن يكون الأسقف بلا لوم، بعل امرأة واحدة، صاحيًا، عاقلًا، محتشمًا، مضيفًا للغرباء، صالحًا للتعليم" (1تي2:3). والملاحظ هنا أن عبارة "امرأة واحده" قد وردت ضمن صفات الأسقف المطلوب، وليس بعد عبارة: يجب أن يكون الأسقف. بل ما ورد مباشرة بعد هذه العبارة هو عبارة "بلا لوم". فهو يجب أن يكون بلا لوم، كما أنه لا ينبغي له أن يكون قد تزوج أكثر من مرة واحدة. ولا يعني هذا إلزام الأسقف أن يكون متزوجًا مثلما أرد الأب جبرائيل حنا أن يخادع في كلامه. وإلا كيف يفسر ما قاله بولس الرسول في نفس الرسالة عن اكتتاب الأرملة (1تي10،9:5): "لتكتتب أرملة إن لم يكن عمرها أقل من ستين سنة امرأة رجل واحد، مشهود لها في أعمال صالحة". فهل يمكن أن تكون الأرملة امرأة رجل واحد، وتحيا مع هذا الرجل وهي أرملة؟! أم المقصود أن تكون لم تتزوج أكثر من مرة واحدة؟ فعبارة "بعل امرأة واحدة" عن الأسقف تماثل "امرأة رجل واحد" عن الأرملة. هي لا تعني إطلاقًا أن يحيا الأسقف بالضرورة في حياة زوجية.
ولكن عندما بدأت المسيحية، دُعِيَ الرب بطرس الرسول -وكان متزوجًا- وقال للسيد المسيح: "ها نحن تركنا كل شيء وتبعناك. فأجاب يسوع وقال: الحق أقول لكم، ليس أحد ترك بيتًا أو أخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًّا أو امرأة أو أولادًا أو حقولًا لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتًا وأخوة وأخوات وأمهات وأولادًا وحقولًا... وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية" (مر29،28:10).
ونلاحظ أن السيد المسيح لم يقل أن يأخذ مائة ضعف "زوجات"، إذ أن بطرس ترك زوجته، وهذا شيء طبيعي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فلماذا قال لبطرس أنه من الممكن أن يترك الكارز أو الرسول أو الأسقف "زوجاته وأولاده" من أجل المسيح ومن أجل الإنجيل؛ إلا لأن كثير من هؤلاء الذين دعاهم الرب للخدمة تركوا زوجاتهم برضَى الزوجة، لا عن طريق الطلاق. ولكن بالمفارقة الودية مع الرعاية اللائقة من قبل الكنيسة... أليس هذا بعل لامرأة واحدة؟! ألم يدعو السيد المسيح يوحنا الرسول الإنجيلي البتول التلميذ الذي كان يحبه المسيح ولم يتزوج، ولم يدع بولس الرسول، وكان بتولًا غير متزوجًا وصار من أعظم الكارزين في المسيحية، وهو الذي قام برسامة تيموثاوس أسقفًا... ألم يكن تيموثاؤس نفسه الذي كتب إليه الرسالة التي اقتبس منها الأب جبرائيل حنا أسقفًا غير متزوج؟! فلماذا هذا الخداع؟! كيف يدعي ذلك الأب أن زواج الأسقف هو وصية رسولية كتبها بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس؟! ويكون بولس الرسول أكثر المخالفين لهذه الوصية في حياته وفي حياة تلميذه! ألم يأتي هذا دربًا من الخيال ونوعًا من الاحتيال؟!
لقد أوصى بولس الرسولي تلميذه تيموثاوس قائلًا: "لا يستهِن أحد بحداثتك، بل كن قدوة للمؤمنين" (1تي12:4). وقال له: "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها" (2تي22:2). لأن تيموثاوس كان شابًا، وقد سيم أسقفًا وهو شاب. والدليل أن تيموثاوس كان أسقفًا عندما قال له: "لا تضع يديك على أحد بالعجلة، ولا تشترك في خطايا الآخرين" (1تي22:5). كما قال له: "لا تقبل شاكيًا على قسيس إلا عن شاهدين أو ثلاث شهود" (1تي19:5). ومعنى ذلك أنه هو قاضي الكنيسة الذي يحكم على القسوس برغم صغر سنه. أما بولس الرسول نفسه فقد تكلم عن بتوليته، فقال: "حسنًا للرجل أن لا يمس امرأة... لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا" (1كو7،1:7). وأضاف قائلًا: "أقول لغير المتزوجين وللأرامل، إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا". وقال أيضًا: "أريد أن تكونوا بلا هم؛ غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب، أما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته" (1كو33،32:7). فوا حسرتاه على أسقفًا يهتم في العالم كيف يرضي امرأته، ويشبع رغباته...! وواحسرتاه على التسليم الرسولي الذي اجتهد الرسل في الحفاظ عليه وتسليمه بأمانة... والذي يتلاعب به ادعاء معرفة المسيحية والرسولية...! واحسرتاه على مَنْ يدمر التقاليد الرسولية التي تسلَّمناها عبر الأجيال، فيحاول إفسادها حبًا في العالم وشهواته...!!!
إن المسيحية حينما بدأت، لم يكن يوجد من غير المتزوجين سوى القليل جدًا لمن يصلحون للأسقفية مثل القديس تيموثاوس تلميذ بولس الرسول... ولكن، هل يوجد مثل تيموثاوس مئات؟! ماذا قال بولس الرسول عن تيموثاوس؟ قال عنه: ليس لي أحد آخر نظير نفسي يهتم بأحوالكم بإخلاص... فأنتم تعرفون أنه كولد مع أب خدم معي لأجل الإنجيل" (في22،20:2). لذلك اضطرت الكنيسة أن تقبل استثنائيًا الذين تزوجوا مرة واحدة وترمّلوا، أو اتفقوا مع زوجاتهم على الانطلاق للكرازة، تاركين الزوجة والأولاد... أو حتى لو طافت الزوجة معهم، فكانت تطوف كأخت وليس لممارسة الحياة الزوجية... كما قيل عن القديس بطرس الرسول لمجرد أن تخدمه وتشاركه وتفي بعض احتياجاته في الحياة العامة بطهر ونقاء... ولو أصرت الكنيسة على أن يُسام أسقف في بداية المسيحية وأن يكون غير متزوج على الإطلاق، لكانت قد رسمت أساقفة من سنة 15-18 سنة! وهذا لا يؤتي الكنيسة قيادة خبيرة روحية تتحكم في التدبير والرعاية والخدمة، فأفضل الموجود في هذه الحقبة هو من لم يتزوج إلا مرة واحدة، أو إن وجد بتول... لأن بولس الرسول قال: "من يتزوج يفعل حسنًا، ومن لا يتزوج يفعل أحسن" (1كو38:7). فغير المتزوج طبقًا لهذه القاعدة هو الاختيار الأفضل إن وجد.
والسؤال للأب جبرائيل حنا، هل يعترف برسولية القديس بولس الرسول، لأنه يقول إن عدم زواج الأسقف ما نصّه "لعل هذا أحد الأسباب الرئيسية في تكوين شخصية الرئيس القاسي المتسلط الذي لا تفيض حياته بأي معنى من الأبوة والتحنن"! أهكذا يصف الأب جبرائيل حنا كل أساقفة وبطاركة الكنائس عبر الأجيال من غير المتزوجين؟! يتهمهم بالقوة والتبلد والتجمد؟! يا لها من جسارة يعجز اللسان عن وصف جسماتها وقبحها! ولكن الرب الديان سوف يقطع كل لسانًا يتعدّى على الكنيسة وتاريخها وشخوصها بهذه الجسارة المريعة.
أما ما ورد في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن زواج بعض الآباء البطاركة، والذي وضعه ماكس ميشيل في الصفحة الأخيرة بجريدته المشبوهة التي تُدعى الجوهر والخالية من أي جوهر في العدد الثالث، فإن البابا إنيانو ينطبق عليه ما ورد في العصر الرسولي إن لم يكن تزوج... والبابا ديميتريوس الكرام (12) من المعروف أنه كان يعيش بتولًا مع زوجته، وأن الرب اختاره بإعلانًا سماويًا، ولم تكن الرهبنة قد ازدهرت في ذلك الزمان مثلما حدث في القرون التالية. وحينما شك الناس في أمر زواجه، أمره الملاك أن يضع فحمًا متقدًا في طرحة زوجته، ودارت بهذه الصورة حول الكنيسة أثناء القداس، ولم تحترق طرحتها. معلنًا الرب بهذا كما أمر الملاك البابا أن يعلن أنها عاشت معه كأخت وليست زوجة. وقد ورد ذلك في السنكسار cuna[arion في تذكار نياحة البابا ديمتريوس الكرام.
أما البابا مينا الثاني (61)، فقد عاش بتولًا مع زوجته باتفاقهم، ثم ذهب وترهَّب (صار راهبا) في برية القديس مكاريوس الكبير. وتأكد الشعب من بتوليته.
وأخيرًا، فما ورد عن البابا يوحنا السادس (74) في مجلة الجوهر، فإن المجلة قد اعترفت أنه كان أرملًا قبل رسامته، وبالطبع فهذا يعني أنه كان بتولًا عند رهبنته وسيامته.
وهذا كله لا يعني إطلاقًا أن بطريركًا أو أسقفًا قد مارَس الحياة الزوجية في تاريخ كنيستنا، سواء عند رسامته أو بعد رسامته... وهذا بالشواهد والأدلة والبراهين.
إن ما تفعله طائفة القديس أثناسيوس الرسولي والتي يرأها ماكس ميشيل أو المطران مكسيموس حنا هي جريمة في حق الكنيسة القبطية، والتعاليم الإيمانية، والتسليم الرسولي، والتقليد الكنسي، وهي خارجة عن المبادئ المسيحية... إنه تيار من المنشقين ليكونوا امتدادًا لآريوس الهرطوقي وأوطاخي الهرطوقى وغيرهم كثيرون!
_____
جريدة نداء الوطن - العدد العاشر - الجمعة 2 يونيو حتى 17 يونيو - حوار أجراه صفوت يوسف مع الأنبا بيشوي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8dka9q4