"كُلُّ حِكْمَةٍ فَهِيَ مِنَ الرَّبِّ وَلاَ تَزَالُ مَعَهُ إِلَى الأَبَدِ. مَنْ يُحْصِي رَمْلَ الْبِحَارِ وَقِطَارَ الْمَطَرِ وَأَيَّامَ الدَّهْرِ؟ وَمَنْ يَمْسَحُ سَمْكَ السَّمَاءِ وَرُحْبَ الأَرْضِ وَالْغَمْرَ؟ وَمَنْ يَسْتَقْصِي الْحِكْمَةَ الَّتِي هِيَ سَابِقَةُ كُلِّ شَيْءٍ؟ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ حِيزَتِ الْحِكْمَةُ وَمُنْذُ الأَزَلِ فَهْمُ الْفِطْنَةِ. يَنْبُوعُ الْحِكْمَةِ كَلِمَةُ اللهِ فِي الْعُلَى وَمَسَالِكُهَا الْوَصَايَا الأَزَلِيَّةُ. لِمَنِ انْكَشَفَ أَصْلُ الْحِكْمَةِ وَمَنْ عَلِمَ دَهَاءَهَا؟ لِمَنْ تَجَلَّتْ مَعْرِفَةُ الْحِكْمَةِ وَمَنْ أَدْرَكَ كَثْرَةَ خُبْرَتِهَا؟ وَاحِدٌ هُوَ حَكِيمٌ، عَظِيمُ الْمَهَابَةِ، جَالِسٌ عَلَى عَرْشِهِ. الرَّبُّ هُوَ حَازَهَا وَرَآهَا وَأَحْصَاهَا، وَأَفَاضَهَا عَلَى جَمِيعِ مَصْنُوعَاتِهِ، فَهِيَ مَعَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى حَسَبِ عَطِيَّتِهِ، وَقَدْ مَنَحَهَا لِمُحِبِّيهِ. مَخَافَةُ الرَّبِّ مَجْدٌ وَفَخْرٌ وَسُرُورٌ وَإِكْلِيلُ ابْتِهَاجٍ. مَخَافَةُ الرَّبِّ تَلَذُّ لِلْقَلْبِ، وَتُعْطِي السُّرُورَ وَالْفَرَحَ وَطُولَ الأَيَّامِ. اَلْمُتَّقِي لِلرَّبِّ يَطِيبُ نَفْسًا فِي أَوَاخِرِهِ، وَيَنَالُ حُظْوَةً يَوْمَ مَوْتِهِ. مَحَبَّةُ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ الْمَجِيدَةُ. وَالَّذِينَ تَتَرَاءَى لَهُمْ يُحِبُّونَهَا عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ لَهَا وَتَأَمُّلِهِمْ لِعَظَائِمِهَا. رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللهِ. إِنَّهَا تَوَلَّدَتْ فِي الرَّحِمِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَتْ عُشَّهَا بَيْنَ النَّاسِ مَدَى الدَّهْرِ، وَسَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا إِلَى ذُرِّيَّتِهِمْ. مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ عِبَادَتُهُ عَنْ مَعْرِفَةٍ. اَلْعِبَادَةُ تَحْفَظُ الْقَلْبَ وَتُبَرِّرُهُ، وَتَمْنَحُ السُّرُورَ وَالْفَرَحَ. اَلْمُتَّقِي لِلرَّبِّ يَطِيبُ نَفْسًا، وَيَنَالُ حُظْوَةً فِي يَوْمِ وَفَاتِهِ. كَمَالُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. إِنَّهَا تُسْكِرُ بِثِمَارِهَا. تَمْلأُ كُلَّ بَيْتِهَا رَغَائِبَ، وَمَخَازِنَهَا غِلاَلًا. إِكْلِيلُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. إِنَّهَا تُنْشِئُ السَّلاَمَ وَالشِّفَاءَ وَالْعَافِيَةَ، وَقَدْ رَأَتِ الْحِكْمَةَ وَأَحْصَتْهَا، وَكِلْتَاهُمَا عَطِيَّةٌ مِنَ اللهِ. الْحِكْمَةُ تَسْكُبُ الْمَعْرِفَةَ وَعِلْمَ الْفِطْنَةِ، وَتُعْلِي مَجْدَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَهَا." (
سي 1: 1-24).