أحست إحدى الكارزات بالمسيح بأن الله يدعوها للاتصال بقبيلة لم تسمع رسالة الإنجيل من قبل أبدًا، وإنها حين تقوم بهذا الاتصال فهي على يقين من أنهم سيفهمون الرسالة ويتجاوبون معها. وكانت قد درست في معسكر تدريب لمترجمي الكتاب المقدس في الأدغال في المكسيك، ثم ارتحلت إلى بيرو حيث عملت مع اثنين آخرين من الكارزين لترجمة العهد الجديد من الكتاب المقدس إلى لغة "الشابراس" الهندية فقد كان هذا عملًا أحبته، لكن بالرغم من كونه عملًا مُرضيًا إلا أنها كانت تشعر بأنه ليس قصد الله النهائي لها، وإنه توجد قبيلة أخرى سيقودها الله إليها، وبعد ذلك سيكون بحق قد تحقق وعد الله الموجود في (رومية15: 21) الذي يقول "الذين لم يُخبَروا به سيبصرون والذين لم يسمعوا سيفهمون". واختارت الكارزة قبيلة الأوكا في الإكوادور، حيث لم يسبق لأي مُبشر العمل معهم لعزلتهم الشديدة ولغتهم المجهولة للعالم، والعنف المعروف عنهم عند التعامل مع أغراب.
التقت الكارزة مع رئيس الإكوادور وسألها: "إلى أين ستذهبين للعمل؟". فقالت له: "مع قبيلة الأوكا". اندهش الرئيس من إجابتها، ورد عليها قائلًا: "أنتِ تذهبين للعمل مع الأوكا!!! لقد قذفوني بالرماح حين كانت طائرتي تُحلق فوق منطقتهم حين كنت مسافرًا في إحدى المرات.. لم يستطع أي شخص أبيض الحياة فيما بينهم أو الاقتراب منهم.. هل أنتِ واثقة من أنكِ تُريدين المحاولة؟". قالت: "بالطبع أنا أؤمن أن الله سيفتح لي الطريق لأفعل هذا".
+ أول شيء كانت تقوم عليه ثقافة الأوكا هو الانتقام والأخذ بالثأر، فلو أن أحد أعضاء القبيلة أو العائلة قد قُتل فمن المهم لهذه القبيلة أن تقتل أحد أعضاء المجموعة الأخرى ثأرًا له، وليس من المهم أن يُقتل القاتل لكن المهم أن يُقتل أي شخص من المجموعة الأخرى في المقابل.
+ وهذا أوضح للجميع الخطر الذي يمكن أن يتعرضوا له إذا حاولوا التواصل مع قبيلة الأوكا، لأنهم من أعضاء قبيلة الرجل الأبيض التي ارتكبت الكثير في حق قبيلة الأوكا عبر المائة سنة الماضية أو أكثر، فرجال الأوكا لديهم ذاكرة قوية وطويلة حين يتعلق الأمر بالأخذ بالثأر.
+ ظهرت أول مهمة للكارزة في غضون أيام، حيث تم العثور على بنت من الأوكا في مزرعة كبيرة غرب منطقة الأوكا. فقد هربت البنت ذات الثمانية أعوام من القبيلة بعد أن قُتل والدها، وعملت في قطع أعواد القصب ودق جذور "اليوكا" (أحد أنواع نبات الصبار) في المزرعة.
كان صاحب المزرعة في حوالي الستين من العمر، وقد سمح لها بالبقاء والعمل في المزرعة بالرغم من تجاربه السيئة مع أعضاء آخرين من قبيلتها، فهو يحمل في جسده ست ندبات نتيجة طعنات رماح الأوكا الحادة كالموس، كان قد أُصيب بها وهو عائد من معرض للمطاط في أعلى نهر الكيراري المار بأراضي الأوكا.
+ فرحت الكارزة من طريقة سير الأمور، فهي بهذا لن تحتاج إلى الذهاب للأدغال لتتعلم لغة الأوكا، فقد أتت البنت إليها، فقد وافق صاحب المزرعة على استخدام منزله مما جعلها مُمتنة وشاكرة له. واستطاعت أن تنظم وقتها وعملها في الترجمة وتعلم لغة الأوكا من البنت الصغيرة، فقد كانت الكارزة تأمل في الدخول خلسة في القريب العاجل إلى أراضي الأوكا، وتقابل هؤلاء الناس الغامضين وتتحدث معهم وجهًا لوجه عن الرب يسوع.
جاء خمسة رجال مسيحيون للكرازة لقبيلة الأوكا وفكروا في طريقة للتواصل مع الأوكا وإبلاغهم أنهم قد أتوا في سلام وذلك لإنقاص فرص قتل الكارزين، ومن هنا ظهر الاحتياج لتعلم بعض الجمل البسيطة للغة الأوكا، ومع وجود الفتاة الصغيرة أمكن إتمام هذه المهمة.
كما فكر الرجال في أن الكلمات وحدها ليست كافية لإقناع أهالي الأوكا بأنهم قد أتوا في سلام، لذا فهم يحتاجون قبل أن يضعوا أقدامهم في أراضي الأوكا إلى أعمال تساند كلماتهم وتوضح أنهم لا يقصدون شرًا، فتوصلوا بعد مناقشة طويلة وتفكير عميق إلى أن منح الهدايا هو رمز للصداقة في كل العالم، فإذا منحوهم هدايا فربما يفهم أهل الأوكا بأنهم يريدون صداقتهم، لكن بأي طريقة يمكن عمل هذا دون تعريض أنفسهم للخطر سوي أن ينزلونها من الطائرة، لكن ذكر أحد الكارزين أنه بعد أن قُتل العمال الثلاث العاملين بشركة شل في أريانو على أيدي محاربي الأوكا، قامت الشركة بإرسال طائرة أنزلت الهدايا كوسيلة لتهدئتهم. لكن المشكلة كانت في اعتقاد محاربي الأوكا الذين قذفوا الطائرة المحلقة بالرماح في إنهم قد أصابوها وجرحوها، وأن الهدايا التي نزلت منها ما هي إلا أشياء قد تقيأتها من معدتها الجريحة، وهذا بالطبع لم يكن الكارزون يريدونه فهم يريدون أن أهالي الأوكا يدركوا أن هذه الهدايا مقصودة. وأنهم لم يصيبوا الطائرة بضرر.
فكر الكارزون في إنه من المستحسن أن يقوموا بعملية الإنزال بطريقة منتظمة ومنظمة وفي ميعاد ثابت حتى يعتاد أهالي الأوكا على عودتهم ويفهموا أن الأمر مقصود، وبالفعل قاموا بإنزال الهدايا بانتظام ومما يدعو للعجب قبول أهالي القرية للهدايا وأيضًا في إرسال هدايا من عندهم.
نزل خمسة كارزين وتقابلوا مع بعض أهالي الأوكا وظنوا أنهم بدأوا التعامل معهم ولكن للأسف عاد أهالي الأوكا وقالوا لباقي القبيلة إن الأغراب قادمين لغزو الأرض ولقتلهم وفوجئ الكارزون بهجوم من المحاربين وقتلوهم ولم يدافع الكارزون عن أنفسهم رغم إنهم كانوا يملكون مسدسات - حتى لا تضيع إلى الأبد فرصه الكرازة للأوكا.
وبعد عامين من حادث مقتل الكارزين الخمس، خرجت سيدتان من قبيلة الأوكا ومن خلال حركة أيديهن فهم هنود الكيكوا، المجاورين لقبيلة الأوكا، إنهن يردن التكلم مع الناس البيض فأخذوهن إلى الكارزة التي تعلمت لغة الأوكا وذهبت معهما إلى قريتهما هي وكارزة أخرى وافقت على مصاحبتها والعيش هناك حيث رحب بهم أهل القبيلة، لكن بالطبع كان هناك بعض المتشككين من أهل القبيلة حول نية السيدتان وتساءلوا كثيرًا لماذا لم يحضر أحد البتة للأخذ بثأر هؤلاء الرجال الخمس، فربما أتت هاتان السيدتان للتجسس عليهم وإخبار الكودي (الأغراب) الآخرين بمكان العثور عليهم وبالتالي قتلهم.
حاولت الكارزتان جاهدات التهدئة من روعهم وإخبارهم بأنهم قد أتين في سلام وإنه توجد طريقة أخرى غير القتل للتعامل مع ما حدث. وببطء ومن خلال إقامة السيدات مع أهالي الأوكا بدأ ضباب الكراهية والقتل الذي استمر لأجيال في الانقشاع، وفهم العديد من سكان القرية أنه لن يكون هناك أي انتقام لمقتل الرجال الخمس لأنه توجد فكرة جديدة ليست لها كلمة في مفردات لغتهم بدأت تضع جذورها في قلوبهم وتسمى بالغفران.
في عام 1961 كان عماد أول مجموعة من مسيحي الأوكا واليوم يوجد واحد مسيحي من كل عشرة من أهالي الأوكا. وهؤلاء المؤمنون يشاركون الكارزين العمل مع باقي أفراد قبيلتهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/shepherd-voice/christians-5/tribe.html
تقصير الرابط:
tak.la/xjbmtz9