الباب الحادي عشر: يحيا فوق مستوى المرئيات:
الأمور التي تُرَى وقتية. أما التي لا تُرَى فأبدية.
المادة والعالم والجسد، من الأمور المرئية الزائلة. عِش في العالم ولا تجعل العالم يعيش فيك. ما هي الأشياء التي لا تُرى، لنهتم بها؟
قال القديس بولس الرسول: "وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ." (2 كو 4: 18).
فما هي إذن الأشياء التي لا تُرَى؟ نذكر منها الأبدية!
الذي يفكر في أبديته إنما يفكر في ما لا يُرَى، لأنه لا يُرَى هذه الأبدية بعينيه. ولأن هذه الأبدية كما قال بولس الرسول هي "ما لم تره عين، وما لم يسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر".
والذي ينظر إلى أبديته، لاشك أنه سوف لا يهتم بهذا العالم الحاضر، بل يزهده ولا يتمسك به.
وفى الأبدية ننظر الله بالروح.
الله الذي قال عنه الكتاب "الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب، هو خبر" (يو 1: 18).
والمتعة بالله شيء لا يدخل تحت نطاق الحواس، لذلك فهي أبدية. هي فرح لا ينطق به وعجيب، ولا يستطيع أحد أن ينزعه منا...
ليتنا ننشغل بالله، المحيط بنا، الحال في وسطنا، القارع على أبوابنا، الذي قال لنا "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" والذي قال "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20).
هو إذن معنا وفي وسطنا، إن كنا لا نراه، ولكننا نحس وجوده. وفي الأبدية سنراه "وجها لوجه "كما قال الرسول (1كو 13: 12).
سنراه ونرى ملائكته وأرواح قديسيه، الذين لا نراهم الآن.
ملائكة الرب حالة حول خائفيه وتنجيهم، وتملأ الكنيسة، وكلهم "أرواح خادمة، مرسلة للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ومع ذلك فنحن لا نراهم بهذه العيون المادية، ولكننا سنراهم في الأبدية، وكذلك أرواح القديسين.
أما الآن، فنحن ننظر إلى هؤلاء بالروح ونراهم بالإيمان، ونستحي من حضرتهم معنا إن فعلنا خطية.
الروح من الأشياء التي لا يُرَى.
أما الجسد فإنه من المرئيات...
لذلك فالشخص الروحي المحب لله، لا يعيش ناظرًا إلى الجسد وطلباته، إنما إلى الروح التي لا تُرَى. بهتم بها وبغذائها الروحي، وبمصيرها الأبدي وبكل ما يربطها بالله الذي لا يُرَى، ويجعلها ملتصقة به...
والذي ينظر إلى ما لا يُرَى، يهتم بالمعنويات وبالإيمان والخير.
فالإيمان هو "الثقة بما يُرجَى، الإيقان بأمور لا تُرَى" (عب 11: 1).
والإنسان الروحي الذي يعيش في الإيمان، إنما يعيش ناظرًا دائمًا إلى ما لا يُرَى، لأن الأمور التي لا تُرَى هي خاصة بالعيان وليس بالإيمان. وقد قال الرسول "لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" (2كو 5: 7).
وبالروح نعيش في المعنويات التي لا تُرَى، السلام الذي نحسه ولا نراه، الخير الذي نتبعه ولا نراه... وكذلك كل الفضائل غير المرئية.
وفى كل أمورنا، ننظر إلى قوة الله غير المنظورة العاملة معنا.
ولا ننظر إلى ضعفنا الظاهر... وإلى المشاكل التي أمامنا... وإنما ننظر إلى معونة الله، كما صلى أليشع النبي من أجل تلميذه جيحزي "افتح يا رب عيني الغلام ليَرَى أن الذين معنا أكثر من الذين علينا". وأهم شيء معنا هو قوة الله، التي نراها بالإيمان عاملة في الكون. وبهذه القوة نفرح ونغني مع الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني"...
فما هي هذه الأشياء التي تُرَى، التي ينبغي على الإنسان الروحي ألا ينظر إليها؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/spiritual/cant.html
تقصير الرابط:
tak.la/yj5hx9y