1- الماء وعمل التطهير
عمل التطهير واضح جدًا من فصل إنجيل اليوم في غسل السيد لأرجل تلاميذه. وتوجد أمثلة أخرى كثيرة في الكتاب المقدس.
ولعلنا نذكر انه كانت توجد مرحضة في خيمة الاجتماع، بين الخيمة والمذبح، وفي المرحضة الماء (فيغسل هرون وبنوه أيديهم وأرجلهم منها عند اقترابهم إلى المذبح للخدمة... فريضة أبدية له ولنسله في أجيالهم) (خر 30: 18-21).
الاغتسال أولًا. الطهارة أولًا، قبل التقدم إلى المذبح والذبيحة.
ومثال الاغتسال في خيمة الاجتماع، يقابله أيضًا الاغتسال في الأردن، وفي بركة سلوام، وفي بركة بيت حسدا...
هنا ونقف وقفة تأمل أمام قصة تطهير نعمان السرياني.
كان هذا الرجل أبرص، والبرص كان نجاسة، وكان يرمز إلى الخطية، ويحتاج إلى تطهير. فكيف تم تطهير نعمان من برصه؟ أمره أليشع النبي أن يغطس في نهر الأردن ليبرأ (2 مل 5: 10) ونهر الأردن يذكرنا بمعمودية يوحنا، حيث كان اليهود يأتون إليه، ويغطسون في الأردن وينالون مغفرة خطاياهم، فيطهرون روحيًّا...
أنخرج من هذا بأن ماء الطهارة أيضًا له رمز إلى المعمودية؟
قصة أخرى يقدمها الكتاب، وهي شفاء مريض بيت حسدا.
كان فيها أيضًا الشفاء مرتبطا بالماء. وما أجمل قول الكتاب في تلك القصة إن ملاكًا كان ينزل إلى البركة ويحرك الماء (يو 5: 4) ويتم الشفاء لِمَن ينزل إلى البركة بعد تحريك الملاك للماء. فالملاك إذن كان بتحريكه للماء، يعطي الماء فاعلية وقوة.
يذكرني هذا بالأب الكاهن، عندما يمسك صليبه، ويحرك به الماء في جرن المعمودية، أو في اللقان، وهو يرشم هذا الماء، ويعطيه قوة وفاعلية...
أنذكر أيضًا بركة سلوام، التي أرسل إليها السيد المسيح رجلًا مولودًا أعمى، لكي يغتسل من مائها، فيبرأ ويستنير ويبصر (يو 9:7).
يمكن أن نضم الدموع أيضًا إلى موضوع الماء...
فالدموع ماء، يحدث به تطهير للنفس وشفاء للروح، كما حدث من ماء بركة سلوام، وبركة بيت حسدا.
في قصة المرأة الخاطئة التي علمت أن السيد المسيح متكئ في بيت الفريسي، فأخذت قارورة طيب كثير الثمن، ووقفت عند قدمي المسيح باكية، وكانت تبلل قدميه بدموعها وتدهنهما بالطيب (لو 7: 38).
صدقوني لست أعلم: أيهما كان أطيب رائحة، الطيب أم دموع هذه التائبة؟! بلا شك صاحبة الفاعلية...
كانت دموع هذه المرأة طيبًا من نوع غالي الثمن جدًا. والسيد الرب طوب هذا الطيب الجديد الذي تبللت به قدماه.
إذن الماء مرتبط بالتطهير، حتى ماء العيون، حينما يحركه ملاك ترسله النعمة. هنا ونتذكر قول المزمور (مز 50) انضح على بزوفاك فاطهر وماذا أيضًا؟ يقول المرتل:
(اغسلني، فأبيض أكثر من الثلج)..
والغسيل في المسيحية بطريقتين: المعمودية، والتوبة.
ونرى أن الخاطئة يهوذا، التي وردت قصة تطهيرها في الإصحاح 16 من سفر حزقيال النبي (حز 16)، قال لها الرب: (وجدتك مدوسة بدمك... فحممتك بالماء، ودهنتك بالزيت) الماء هنا يرمز إلى ماء المعمودية الذي يطهر به الإنسان من كل خطاياه السابقة الجدية والفعلية. والزيت يرمز إلى زيت الميرون الذي يعطي الروح القدس، ولكن بعد الماء...
ولقد ظل الماء رمزا للتطهير، حتى أن الكاهن قبل أن يبدأ القداس، يغسل يديه بالماء ثلاث مرات، ويقول فيها:
(اغسل يدي بالنقاوة، وأطوف بمذبحك يا رب) (مز 25).
لا يقول (اغسل يدي بالماء) إنما (اغسل يدي بالنقاوة) لأن غسيل الماء هنا يرمز إلى النقاوة، كما ترمز إليها الملابس البيضاء التي يلبسها الكاهن وقت الخدمة. وكما كان يغتسل هرون وبنوة قبل تقدمهم إلى المذبح...
ورمز الماء إلى الطهارة، كان معروفًا حتى بين الأمم. فبيلاطس البنطي، لكي يريح نفسه من تعب ضميره، غسل يديه بالماء وهو يقول (أنا بريء من دم هذا البار) (مت 27: 24) طبعًا هو لم يكن بريئا، ولكننا نذكر هنا مجرد إيمانه برمز غسيل الماء إلى الطهارة.
هنا ونود أن نطرح تأملا بسيطا خاصا بماء الطوفان...
لا ننكر أن مياه الطوفان كانت عقوبة من الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولكن هل يقف الأمر عند مجرد العقوبة؟ أم كانت هذه المياه تطهيرا للأرض من الخطية والخطاة، تطهيرا للأرض من الفساد الذي نجسها، فغسلها الله من خطايا الإنسان، بالماء ليطهرها ويجددها لكي تحيا مرة أخرى في نقاوة...
إن غسل السيد المسيح لارجل تلاميذه كان يرمز لتطهيرهم.
ولا شك أن هذا كان لازما في مناسبة الفصح وعيد الفطير.
نلاحظ من قِراءات الكنيسة في طقس الخميس الكبير، في هذه الساعة المقدسة وما قبلها، أن غسل الأرجل تم في اليوم الأول من عيد الفصح وعيد الفطير.
الفطير يرمز للنقاوة والطهارة التي تليق بتناول الفصح، بينما الخمير يرمز إلى الشر. قد غسل السيد المسيح أرجل التلاميذ في هذه المناسبة المقدسة، التي جمع فيها بين عيد الفصح، وبين تقديم نفسه فصحا عنا.
ومعلمنا بولس الرسول أشار إلى كل هذا بقوله: لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذبح لأجلنا. فلنعيد لا بخمير الخبث والشر، بل بفطير الإخلاص والحق (1كو 5: 7، 8).
وخروف الفصح قديما كانوا يأكلونه مع فطير (خر 12: 8) رمزًا إلى النقاوة التي تليق بالأكل من خروف الفصح. حقًا إن خروف الفصح قد خلصهم من الموت، والملاك المهلك لما رأى الدم عبر عنهم. ولكنهم لكي يتمتعوا بذلك الخلاص لا بُد أن يعيشوا في فطير دائم ترمز إليه السبع الأيام، أي في نقاوة كاملة. وكل نفس تستبقي في بيتها خميرًا في أيام الفصح (أي شرًا) تُقطع تلك النفس من جماعة الشعب (خر 12: 19).
والسيد المسيح مع الفصح غسل أرجل التلاميذ، رمزًا للنقاوة التي يشير إليها الفطير.
وغسل الماء يرمز أيضًا إلى المعمودية...
والكتاب المقدس يسميه غسيل أو حميم الميلاد الثاني (تي 3: 6).
في المعمودية توجد عملية تطهير من جميع الخطايا السابقة، سواء الأصلية أو الفعلية، عن طريق الماء والروح.
وسنعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى في سياق حديثنا...
ونكتفي الآن في مناسبة اللقان، برمز الماء إلى عمل التطهير، ونحن مقبلون على هذا السر العظيم، التناول من جسد الرب ودمه...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/good-thursday/watter-purification.html
تقصير الرابط:
tak.la/9vqf7r8