هناك أشخاص أعصابهم هادئة، وآخرون أعصابهم ملتهبة.
الشخص الهادئ الأعصاب لا ينفعل بسرعة، وربما لا ينفعل ببطء. كأنه الجبل الرأسي...
أو هو كالجنادل الستة التي تعترض النيل النوبى ن مهما عصفت بها الأمواج تبقى هادئة في مكانها، ولا تتأثر بشيء من الصخب الذي حولها...
أما الإنسان الثائر الأعصاب، فإنه ينفعل بسرعة، يثور ويصخب ويضج، وربما الأتفه الأسباب، أو لغير ما سبب، لمجرد شكوكه الداخلية وتصوراته للأمور.
الشخص الهادئ الأعصاب هو إنسان قوي:
لأن الأسباب الخارجية عجزت عن أن تثيره، بل إستطاعت أعصابه القوية أن تصمد أمامها. وبسبب قوته الداخلية هذه ينال إحترام الناس وإعجابهم...
أما الثائر الصاخب، فمهما ثار وضج، وشتم وهدد، وبدا وكأنه يخيف غيره، فإنه لا ينال إحترام أحد. ثورته تدل على ضعف أعصابه، أو ضعف شخصيته...
إن أراد أحد أن يجعله منظرًا للناس وهزأة، فإنه يستطيع.
كمثال لذلك: إن وجد مدرس ضعيف الأعصاب لا يحتمل خطأ أو إثارة من طالب، فإن أي تلميذ يستطيع أن يقول لزميله: أتريد أن أجعلك تتفرج على هذا المدرس وهو في حالة عصبية، ليست مخيفة للتلاميذ بل هي مضحكة؟.. ويتصرف التصرف الذي يعرف أن المدرس سيثور بسببه. ثم يتفرج عليه!
هدوء الأعصاب يتعلق بسببين: أحدهما جسدي، والآخر نفسي.
والأسباب العضوية التي تتعب الأعصاب كثيرة، وليس مجالها الآن. ولكننا سنتعرض هنا إلى سبب جسدي كثيرًا ما يتعب أعصاب الناس، حتى الفضلاء منهم. وهو الإرهاق.
إن كان الجسد مرهقًا بسبب التعب والمجهود الزائد، حينئذ تكون الأعصاب ى حالة عدم إحتمال.
نصيحتى لك في هذه الحالة، لا تدخل في حديث طويل ولا في نقاش مع أحد، وبخاصة مع الذين لهم صلابة في رأيهم وليس من السهل إقناعهم... ولا يصح في حالة الإرهاق هذه أن تبت في أمر هام أو تتعرض لحل مشاكل... إحترس من الجدل وأنت مرهق، فربما تفقد أعصابك...
حالة الإرهاق يلزمها النوم، أو على الأقل الراحة والاسترخاء. وعلى أحبائك أن يلاحظوا حالات الإرهاق التي تكون فيها، فلا يدخلوا معك أثناءها في مناقشة أو حل مشكلة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ومن الوسائل التي تساعد على هدوء الأعصاب، روح المرح والبشاشة:
فالمرح يوجد في الجسد حالة من الإسترخاء تريح الأعصاب وكل الذين يتصفون بروح المرح، تكون أعصابهم هادئة، ولا يتضايقون بسرعة. وربما يقابلون الإثارة بفكاهة تضحك مثيريهم أيضًا، ويهدأ الأمر.
أما المتزمتون الذين يظنون أن الضحك خطية، فغالبًا ما تجد أعصابهم متوترة... والجدية الخشنة التي يقابلون بها تصرفات الناس، كثيرًا ما تفقد الجو هدوءه ويتأزم أرجو أن نعود إلى هذه النقطة بمشيئة الله حينما نتحدث عن مسببات الهدوء... وننتقل حاليًا إلى الحديث عن الأضرار التي تنتج عن عدم هدوء الأعصاب:
الشخص الثائر الأعصاب يؤذى نفسه نتيجة لأعصابه غير الهادئة، كما يؤذي غيره أيضًا.
يؤذى نفسه بأمراض الأعصاب. وربما ينتج عن انفعالاته وثوراته من أمراض القلب وضغط الدم، وكذلك الأمراض النفسية العديدة. وقد يضطر إلى تعاطى المهدئات والمسكنات والمنومات، التي تريح أعصابه إلى حين، ثم يرجع الشد مرة أخرى بدوافع نفسية من الداخل، ودوافع مثيرة من الخارج، فيرجع إلى المهدئات..!
وتصبح أعصابه مثل الأستك الذي بتوالي شده وإرخائه يفقد مرونته ويتلف.
ويدخل في دوامة من مشاكل الأمراض العصبية، التي يحاول الطب معالجة أسبابها. وفي المقدمة اٌقتناع بالهدوء. فالنفس الهادئة لا تصاب بأمراض عصبية ولا تحتاج إلى مهدئات لأنها هادئة بطبعها...
الشخص الذي يتحكم في أعصابه ويهدئها، يمكنه أن يتحكم في ألفاظه أيضًا ولا يخطئ.
وكذلك يمكنه أن يتحكم في تصرفاته، ويكون عنده ضبط النفس. وبهذا كله يكسب المواقف ولا يخسرها.
لذلك إن وجد إنسان أن أعصابه غير هادئة، عليه أن يؤجل بعض اللقاءات والاجتماعات التي يفسدها عدم هدوء الأعصاب. يؤجل أيضًا إتخاذ القرارات وهو في مثل هذه الحالة.
ومسالة الأعصاب هذه، تتعلق بالحياة الروحية بوجه عام.
فالإنسان الروحي يدرب نفسه على الوداعة والهدوء وعدم الغضب، كما يدرب ذاته على ضبط النفس والتحكم في ألفاظه، وعلى السلام مع الناس. وبالتالي يصل إلى هدوء الأعصاب.
لذلك يلزم للوصول إلى هدوء الأعصاب، معالجة العوامل النفسية الداخلية التي تؤدى إلى توتر الأعصاب.
ومن ضمنها الحساسية الشديدة نحو الكرامة الشخصية، والتأثر بأقل لفظ يظنه جارحًا له. كذلك موقفه من أخطاء الآخرين، ومقابلتها بالعنف، وحاولة الإنتقام لنفسه محافظة على حقوقه!!
كل هذه الأمور تحتاج إلى موقف روحي سليم، وإلى إقتناع داخلي بأنه يمكنه الإحتفاظ بشخصيته وحقوقه وكرامته عن طريق الهدوء...
وعليه معرفة أن ثورة الأعصاب، من الأخطاء المكشوفة.
فهي نقطة ضعف واضحة أمام الناس، تصرخ قائلة إن صاحبها عجز عن حل مشكلته بالعقل والمنطق، وعجز عن حلها بالهدوء، فلجأ إلى الأعصاب. والذي تثور أعصابه، يعطى دليلًا على أن الشر قد غلبه ولم يستطع مقاومته، فثار... بينما يقول الرسول: "لا يغلبنك الشر، بل إغلب الشر، بالخير" (رو 12: 21).
الثائر الأعصاب شخص منها. والهادئ الأعصاب إنسان متماسك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/calmness/nerves.html
تقصير الرابط:
tak.la/nas5n8z