إنها سبع كلمات، لفظ بها الرب على الصليب، في آلامه... وكانت كلها حياة... لنا.
لم يتكلم أثناء المحاكمات، ولا أثناء التعذيب والاستهزاء إلا نادرًا. كان يغلب عليه الصمت... لقد تنازل عن حقه الخاص، وكرامته الخاصة. "فالمحبة لا تطلب ما لنفسها" (1كو5:13).
أما على الصليب، فتكلم، حين وجب الكلام. تكلم من أجلنا، لنفعنا وخلاصنا. وكان لكل كلمة هدف ومعنى. ولكل كلمة تأثير... وسندخل في أعماق كل هذا بعد حين... على أننا نلاحظ على كلماته بوجه عام عدة ملاحظات، منها:
نلاحظ في كلمات المسيح على الصليب عنصر العطاء...
عجيب أنه- وهو على الصليب- في مظهر الضعف والانهزام كان يعطي... أعطى لصالبيه المغفرة، وأعطى للص اليمين الفردوس، وأعطى للعذراء ابنًا روحيًّا ورعاية واهتمامًا، وأعطى ليوحنا الحبيب بركة العذراء في بيته... وأعطى للآب ثمن العدل الإلهي الذي يتطلبه، وأعطى للبشرية كفارة وفداءًا... وأعطانا أيضًا اطمئنانا على تمام عمل الخلاص... أعطى لكل أحد. وهو الذي لم يعطه أحد شيئًا... قدم للبشر كل هذا، في الوقت الذي لم يقدموا له فيه سوى مرارة وخل...
وكلمات المسيح السبع، كان أولها وآخرها موجها إلى الآب.
كانت أول كلمة موجهة إلى الآب في قوله "يا أبتاه، أغفر لهم". وآخر كلمة موجهة إلى الله الآب في قوله يا أبتاه في يديك أستودع روحي". وبين الأول والآخر كانت هناك كلمتان أيضًا موجهتين إلى الآب: إحداهما إلهي إلهي لماذا تركتني". والثانية "قَدْ أُكْمِلَ". ومع أنها قد تكون إعلانًا عامًا، إلا أنها تحمل خطابًا إلى الآب أي "العمل الذي أعطيتني لأعمله قد أكملته"...
غالبية كلمات المسيح إذن أو نصفها كانت موجهة إلى الآب. وكانت تحمل طمأنينة للبشر.
ونلاحظ أنه في كلامه مع الآب استعمل التعبيرين "يا أبتاه" و"إلهي": في عبارة "يا أبتاه" رد على الذين كانوا يتحدونه قائلين إن كنت ابن الله... إنزل من على الصليب". فأثبت أنه ابن الله. ولكنه لم ينزل من على الصليب، وإنما رفع الصليب إلى علو السماء.
في عبارة يا أبتاه أثبت لاهوته، وفي عبارة "إلهي أثبت ناسوته. ومن كليهما معًا أعلن أنه الإله المتأنس، الله الذي ظهر في الجسد (1 تي 3: 16). في عبارة "يا أبتاه شجب الهرطقة الأريوسية التي أنكرت لاهوته في القرن الرابع. وفي عبارة يا إلهي شجب هرطقة أوطيخا الذي أنكر ناسوت المسيح في القرن الخامس في الأولى تكلم كابن الله وفي الثانية تكلم كابن الإنسان، كنائب عن البشر...
ولم يتكلم على الصليب مع الآب فقط، وإنما مع البشر أيضًا... مع القديسين ممثلين في السيدة العذراء وفي يوحنا الرسول... ومع الأشرار التائبين ممثلين في اللص اليمين...
وكانت كلماته كلمات بركة ونعمة... لقد كانت ساعة للخلاص وكانت تليق بها البركة. لذلك تكلم بكلام المغفرة والخلاص والفردوس، وبكلام الهبة والنعمة... وعلى الصليب لم أحدًا، ولم يعاقب على الرغم من كل الذي وقع عليه... إنه لم يأتِ ليهلك العالم، بل ليخلص العالم.
ونلاحظ في كلماته على الصليب ترتيبًا خاصًا لا تخفى حكمته... غيره أولًا ثم نفسه. ونفسه من أجل غيره. وبدأ أولًا يطلب المغفرة للناس، لأنه على الصليب بدأت فاعلية دمه المقدس في الغفران... وإذ فتح باب المغفرة، جاءت الكلمة الثانية الخاصة بفتح الفردوس، لأنه إذ يدفع الدم ثمنًا للمغفرة يمكن فتح الفردوس...
نلاحظ أيضًا أن السيد المسيح ذكر أعداءه أولًا ثم أحباءه. كلامه الأول خاص بصالبيه، ثم باللص، ثم بالعذراء ويوحنا...
وفي حديثه مع الله الآب كلمه أولًا كأب ثم كإله... أولًا كالابن المحبوب الكائن في حضن الآب منذ الأزل (يو 1: 18)، ثم كابن الإنسان المولود في ملء الزمان...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
كلماته الثلاث الأولى كانت خاصة بالمغفرة والرعاية. وكلماته الأربع الأخيرة كانت إعلانات لعمل الفداء وإتمامه:
فعبارة "إلهي لماذا تركتني أن الآب قد تركه ليدفع ثمن الفداء وتعني آلامه النفسية من جهة تحمل غضب الله على خطايا البشر. وعبارة "أنا عطشان" تعني إعلانًا للآلام الجسدية من أجل البشر. وكلا العبارتين تعنيان أنه يدفع الثمن. وعبارة "قَدْ أُكْمِلَ" فيها طمأنه للإنسان أن الثمن قد دفع. وعبارة "في يديك أستودع روحي" تعني الموت ثمن الخطية، وبه يكون قد تم الخلاص... إذن فهذه العبارات الأربع الأخيرة تحمل طمأنينة للبشر من جهة فدائهم...
ونلاحظ أن الكلمتين الأخيرتين فيهما هتاف الفرح والانتصار...
كما أعلن الرب ألمه الذي به تم الفداء. أعلن أيضًا فرحه بإتمام الفداء. فعبارة "قَدْ أُكْمِلَ" تحمل معنى أن كل شيء خاص بالفداء قد تم. لقد فرح الرب بإتمام عمله ولم يسمح لشيء أن يعوقه. ونفس الكلام نقوله عن عبارة في يديك أستودع روحي". بهاتين العبارتين أعلن هزيمة الشيطان. لقد انتهت المعركة. واستطاع الرب بالموت أن يبيد سلطان الموت... وهتف هتاف الفرح والانتصار.
كل هذا يعطينا فكرة أن المسيح على الصليب، كان يعمل، لأجلنا... ليس فقط عمل الفداء. وإنما كان على الصليب -كعهده- يصنع خيرًا... كان معلمًا، وكان يعلن إعلانات هامة لأجل الخلاص...
في كلمته الأولى أعطانا تعليما عمليًّا عن التسامح والمغفرة، ومحبة الأعداء... وفي كلمته الأخيرة "في يديك أستودع روحي"، أعطانا تعليما عن خلود النفس، وانتقال الروح البارة بعد الموت إلى الله.
وفي كلمته الثالثة أعطانا تعليما عن الرعاية الحقة، وعن التنفيذ الصادق العملي للوصية الخامسة... بإكرامه لأمه...
ما أكثر التعاليم والتأملات التي نجدها في هذه الكلمات السبع، التي يرمز عددها إلى الكمال... فلننتقل الآن إليها... وندخل إلى أعماقها واحدة فواحدة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/7-words-on-the-cross/introduction.html
تقصير الرابط:
tak.la/s3vfwcq