أرجو منك أن تقرأ هذا الشاهد بعُمق وتأنى، وأن تُصلى طالبًا إرشاد الله، ثم تقرأه مرة ثانية... وبعد ذلك تُتابع معي هذه الأفكار:
1-الحياة هبة مِن الله:
"ألزم الرب تلاميذه أن يدخلوا السفينة"
لو اعتبرنا أن السفينة هي الحياة التي يعيشها كُلٍ منًا، نجد أنه لا أحد فينا يختار يوم ميلاده، بل مشيئة الله وحدها هي التي تمنح نسمة الحياة لكُلٍ منًا، في زمن مُعيًن، وظروف معيشة مُعينة.
إن هذا الوجود في الحياة هبة مِن الله، ودعوة خاصة لكُل إنسان ليتمتع بهذه النعمة، لذلك نُصلى شاكرين الرب في القُداس الغريغوري قائلين: [كونتني إذ لم أكن].
وقد أعلن الرب لأرميا النبي تدخله المُباشر في خلقته، فقال له: "قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت مِن الرحم قدًستك" (أر1: 5).
وداود النبي عرف هذه الحقيقة فنطق مُسبحًا الرب: "أنت اقتنيت كُليتي نسجتني في بطن أمي.... لم تختفِ عنك عظامي حينما صُنعت في الخفاء ورُقمت في أعماق الأرض. رأت عيناك أعضائي وفى سِفرك كُلها كُتبت يوم تصوًرت إذ لم يكُن واحد منها" (مز139: 13- 16).
كُنتُ عدم ولا شيء، كُنتُ غير موجود وليس لي ذكر، كُنتُ فكرة في عقل الله، وفى وقت مُعيًن جعل الله لنفسي مكانًا في هذا الكون. فهل نشعر بأن حياتنا نعمة وهبة مِن الله؟ أم أننا ناقمون عليها وعلى وُجودنا كُله، ونتمنى لو لم نُولد؟! إن الله أوجد كُل شيء جميل وحسنُ جدًا، ولكن الأتعاب والآلام هي مِن صُنع البشر بعضهم في بعض.
هل تُريد أن تعرف قيمة عُمرك ووجودك في نظر الله؟ أُنظر إلى الصليب، تأمل حجم الآلام التي تحملها الرب مِن أجلك لكي تكون لك حياة باسمه -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- إنه لم يصنع هذا مع الملائكة حينما سقطت. إنه لمًا رأى الموت في طريق خلاصنا مِن عبودية العدو، احتضنه بإرادته وأرسل "ابنه الوحيد لكي لا يهلك كُل منْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16).
إن إحساسنا بقيمة وجودنا الذي وهبه الله لنا هو الخطوة الأولى التي تقودنا استثمار حياتنا لأجل منْ منحنا هذا العمر.
والعمر عند المؤمنين لا يُحسب بطول الأيام أو قِصرها، بل بعمق الشركة مع الله، كما يقول الكتاب: "ولكن لا يُخفَ عليك هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد" (2بط3: 8)، (مز84: 10، 90: 4).
لذلك نسمع عنْ العذراء مريم وهى في سنْ لا يتعدى أربعة عشر عامًا استحقت مِن أجل عِظم إيمانها وبساطتها وطهارتها أن تكون أُمًا لله وسماء ثانية له.
ونسمع عنْ الطفل القديس أبانوب صاحب الاثني عشر عامًا، والعظيم في صبره على احتمال الآلام التي لا يقوى عليها الكبار مِن أجل الشهادة الأمينة للمسيح.
مِن هذا المُنطلق فقط نفهم قول الرب يسوع: "منْ وجًد حياته يُضيعها. ومنْ أضاع حياته مِن أجلى يجدها" (مت10: 39).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pauline-todary/god-life/gift.html
تقصير الرابط:
tak.la/nb273f4