وبسبب الاضطهادات التي عانى منها القديسون في هذا العالم، فقد عرفوا ما هي الخيرات التي سوف يرثونها. ولذلك من يتمسك بالراحة في هذا العالم فلن يكون له رجاء في الراحة الأبدية. لأن ملكوت السموات لن يكون للمستريحين في هذا المكان، بل لأولئك الذين يعيشون بضيقات كثيرة وتمزقهم المحن في هذه الحياة. وهم لم يأخذوا هذه النعمة لأنهم مختارين، بل اكتسبوها بجِهادات عظيمة وعرق جعلتهم أهلًا لها. ولم يبالوا في أنفسهم بمقدار الجهاد ههنا، ومن أجل أن ينضموا إلى السماء، نسوا آلامهم وأوجاعهم، وبقدر آلامهم في هذا العالم الباطل وهبت لهم راحة عظيمة لا يعبر عنها.
ما قولك أيها الإنسان؟ ها قد ظهر أمامك طريقان، الحياة والموت، أيهما تريد أن تسلك! وأيضًا النار والماء، أيهما تريد أن تمد إليه يدك! بخصوص ما هو لك من مقتنيات في الحياة، وأيضًا بخصوص ما تتمناه، سيأخذه الموت. الموت هو العالم، والحياة هي البر، العالم بعيد جدًا عن البر، بقدر بُعد الموت عن الحياة. ومن يسلك في العالم، في الموت يسلك ويتحول بعيدًا عن الله، بحسب ما كتب في الكتاب الإلهي. ومن يسلك بالبر فهو يسلك في الحياة، ولن يلفه الموت مطلقًا. لأنه ليس موت للأبرار بل انتقال. والرجل البار ينتقل من هذا العالم إلى موضع الراحة الأبدية، وكما يحمى أي واحد من الداخلين، هكذا القديسون يخرجون من ضيقات هذه الحياة إلى الخيرات المعدة لهم "ما لم تره عين. ولم تسمع أذن. ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو 2: 9). أما الخطاة فإنهم يشقون هنا بالشر، وهناك أيضًا بالنار المعدة لهم.على مثل هؤلاء أن يبكوا مرتين، لأنهم هنا يكونون في ضيق، وهناك لن يكونوا في رحب. من أجل هذا قال الكتاب الإلهي: "من يتبع الشر فإلى موته" (أم 11: 19) -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- لأن ضيقاته تكون من كل جهة، هناك آلام وهنا شدة ومحن. والإنسان الذي لم يتعب في ضيق شديد في هذه الحياة، فقيرًا أو غنيًا، عبدًا أو حرًا، خاطئ أم بار، الكل عليهم نفس الجهاد، فعند اللقاء بالكل سوف يحدث، للخاطئ وللبار، بحسب ما كان عليه في هذا العالم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pauline-todary/asceticism/strife.html
تقصير الرابط:
tak.la/4vsj8vg