صحيح أن موضوع المرأة قد شغلني على مدى سنوات طويلة إلا أنني في هذه الدراسة بدأت أحس بشيء من الرهبة تجاه جنسي إذ لمحت شيئًا من السرية المقدسة التي أودعها الله داخل المرأة حينما خلقها. والحق أن الرهبة داخلتني نتيجة لما رأيته وسمعته واختبرته خلال السنوات التي انشغلت فيها بدراسة المرأة بل وتعاملت معها من يوم إلى يوم فأدركت أن الله تعالَى قد وضع على عاتقها مسئولية تحبس الأنفاس. أنه في شامل حكمته قد ائتمنها على الحياة الإنسانية. فقد شاء أن يجعل منها المستودع الذي تكمن فيه الحياة الوشيكة على الانطلاق، ثم أن تكون هي الحارسة الأولى لهذه الحياة بعد انطلاقتها. فهي والحالة هذه في حاجة ملحة إلى أن تدع قيادة حياتها- روحيًّا وعقليًّا وجسديًّا -في يدي الخالق الذي منحها هذه المسئولية الخطيرة. وهو تبارك اسمه- حين أراد أن يطمئن الناس إلى محبته خاطبهم باللغة التي يفهمونها فقال على لسان إشعياء النبي: "هل تنسى الأم رضيعها فلا ترحم ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساكم" (1) وبهذه الكلمات بين لنا أن حب الأم أسمَى أنواع الحب الإنساني - ومع ذلك فحبه تعالَى يتجاوز هذا الحب الإنساني المثالي.
ولما كانت مسئولية المرأة بهذه الأهمية، ولما كان واجبها أن تسعى كل يوم نحو الكمال، وجب عليها أن تحاول تفهم حقيقة نفسها. فهي النفس التي خلقها الله على صورته ومثاله ثم أودع في داخلها قوة التأثير الخفي الذي يفعل فعله في الآخرين. والهدف من محاولة تفهم نفسها أن توجه قلبها وذهنها وروحها نحو الله، وأن تلح عليه بأن يكون هو المحور لحياتها، ثم لترجو منه أن يجعل التأثير الخفي المنبعث منها تبعا لتدبيره تأثيرا للخير وللسعي نحو التسامي فتتمكن بذلك من أن تطبع في الآخرين ذلك الجمال وذلك التطلع الروحي الذي شاءه تعالى أن تطبعه حين أودع في أعماقها تلك الإمكانية العظمى.
ويحق لي أن أشكر الله بلا انقطاع لأنه هيأ لي أن التقى بالعدد الوفير من الشابات والسيدات في مختلف المدن وأن أقرأ الشيء الكثير مما كتبته المرأة ومما يكتبه الآخرون عنها. وفي لقاءاتي كان الكثيرات يتقدمن بالأسئلة التي تحيرهن. ولما تكررت الأسئلة أحسست بأن الواجب الملح يقتضى أن أحاول الإجابة عليها. والصفحات التالية ملخص لهذه المحاولة كما أنها ثمرة أبحاث واختبارًات طويلة.
ومع هذه المحاولة أهيب بالقارئات (وبالقارئين إذا شاءوا) أن يتمنعوا فيما جاء فيها وأن يتقدم كل منهم بما يراه مكملا لهذه الدراسة. لأن الهدف الذي نتطلبه واحد: أن نمتد إلى ما هو قدام.
_____
(1) (إشعياء 49: 15).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/introduction.html
تقصير الرابط:
tak.la/rnk98zw