St-Takla.org  >   books  >   iris-habib-elmasry  >   woman-christ
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المرأة العصرية في مواجهة المسيح - أ. إيريس حبيب المصري

62- الأم في تاريخنا الكنسي

 

الأم في تاريخنا الكنسي:

ولماذا نذهب بعيدًا وأمامنا مثل رائع في شخص السيدة الوقور مريم أم مرقس كاروزنا الحبيب؟ لقد أكل الرب وتلاميذه الفصح في عليه من بيتها، وفي هذه العليه عينها اجتمع الرسل وهم منزعجون بعد صلب الرب، وفيها أيضًا حل الروح القدس على التلاميذ في يوم الخمسين، وهي تعتبر أول كنيسة مسيحية في العالم أجمع لأنها كانت المكان الأول الذي اعتاد المؤمنون الاجتماع فيه للصلاة(28).

St-Takla.org Image: Saint Mary mother of St. Mark, with her son - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 12 September 2023. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديسة مريم والدة الشهيد مارمرقس، مع ابنها - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 12 سبتمبر 2023 م.

St-Takla.org Image: Saint Mary mother of St. Mark, with her son - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 12 September 2023.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديسة مريم والدة الشهيد مارمرقس، مع ابنها - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 12 سبتمبر 2023 م.

وتاريخنا الكنسي حافل بالأمهات اللواتي ارتفعن إلى الذروة، ونكتفي هنا باختيار ثلاثة أمثلة غاية في الروعة. الأول خاص بأم أثناسيوس الرسولي حامي الإيمان القويم (البابا الإسكندري الـ20). فهذه الأم مع أنها كانت وثنية أدخلت أبنها المدرسة المسيحية التابعة للبابوية. وحين بلغ أبنها الثانية عشرة من عمره بدأت نفسها التي ما زالت وثنية تقلق لأن أبنها لا شاغل له غير الدرس، فهو يذهب إلى المدرسة وحين يعود منها إلى البيت ينعكف على المذاكرة وقراءة الكتب. وهي تريده أن يخرج ويلهو كما يفعل زملاؤه الذين في سنه. كما تريد أن تزوجه لأنه وحيدها أنها فشلت وامتلأت نفسها حيرة من أبنها الذي بلغ الخامسة عشرة دون أن تلين له قناة فكرت في أن تستشير عرافًا مشهورًا - وبالفعل ذهبت إليه. ونحن طبعًا لا نقرها على هذا العمل ولكن علينا أن لا ننسى أنها كانت ما زالت وثنية. فطلب منها العراف أن تسمح له بالتغدي في بيتها ليرى أبنها ويحادثه. وبعد الغداء قام أثناسيوس لفوره كالمعتاد ودخل غرفته. ولقد صدق العراف يومذاك إذ قال للأم الحيرى: "لا تتعبي نفسك لأن أبنك لا بُد أن يتبع الجليلي "وهنا تتجلى أمامنا حكمة أم ذاك الذي أصبح بطل الأرثوذكسية الأول فقد قالت لنفسها": "لماذا أقف في طريقه؟". وما أن فكرت هكذا حتى ذهبت إلى الأنبا الكسندروس البابا الإسكندري واعترفت له بكل ما جرى وسلمت له أمر تربية ابنها.

وبهذه الخطة الحكيمة قدمت للكنيسة في مشارق الأرض ومغاربها الحامي الأول للإيمان القويم.

أما المثل الثاني فيتعلق بالأنبا مكاري الأول (البابا الإسكندري الـ59). فلقد شاء هذا البابا أن يستهل عمله الكهنوتي الجسيم برحلة رعوية يتفقد فيها شعبه ويتعرف تطلعاته واحتياجاته. وبدأ هذه الرحلة بزيارة البيت الذي قضى فيه طفولته. وحدث أن أمه كانت في تلك الساعة جالسة أمام الباب تغزل. فحياها وردت هي التحية عليه دون أن ترفع نظرها نحوه. ودهش هو لهذا المسلك وقال لها: "سلام لك يا أمي. ألا تعرفين من أنا؟ أنني أبنك. وقد تركتك لأقضي حياتي في الدير راهبًا متعبدًا، ولكن النعمة الإلهية قد منحتني أن أصبح خليفة لمار مرقس - ألا يفرحك هذا؟" وعندها رفعت أمه عينيها إليه فإذا بدموعها تنهمر كالسيل على خديها. فأنزعج وسألها "ماذا بك يا أماه؟" أجابته: "لا شيء بي يا بني". فإزداد أنزعاجا وسأل في شيء من اللهفة: فلماذا تبكين إذن؟ أجابته: "إن الكرامة التي نلتها كرامة عظمى حقًا ولكن مسئولياتها غية في الخطورة. فأنت كنت مسئولا عن نفسك فحسب حين كن راهبًا بسيطًا في الدير. أما الآن وقد جلست على كرسي مار مرقس فقد أصبحت مسئولًا عن شعب الكرازة المرقسية. لهذا لا يسعني إلا أن أبكي ضارعة إلى الله تعالى الذي أئتمنك على هذه الوديعة ان يغمرك بنعمته فيمكنك من القيام بمسئولياتك الجسام". وأهتز الأنبا مكاري الأول حتى الأعماق لكلمات أمه إذ تجلت حقيقتها أمامه، ووضح له أن الكرامة البابوية التي نالها ليست منزلة فائقة فقط ولكنها مسئولية خطيرة أيضًا. فظل طيلة حياته يذكر ما قالته أمه ويجعله حافزًا له على الجهاد دون ملل ولا كلل.

← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ودموع أم الأنبا مكاري الأول هي الدموع التي يريدها مخلصنا: دموع التفطن إلى المسئوليات وإلى العمل بلا هوادة في تأدية هذه المسئوليات.

ولكي نتيقن من أن عمل النعمة الإلهية هو أمس واليوم إلى الأبد نتأمل المثل الثالث الذي جرى في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، ويتعلق بأم قديس عاش في دير الأنبا انطونيوس كوكب البرية. هذا القديس هو الأب الروحي مرقس الأنطوني. نشأ هذا القديس في قرية منشاة النصارى بالصعيد الأعلى من أبوين فقيرين للغاية. توفي أبوه وهو في طفولته. وقد عودته أمه على الصوم الانقطاعي حتى التاسعة من النهار "حوالي الثالثة بعد الظهر"، كما عودته على الصلوات البيتية والكنسية. فلما بلغ الثالثة والعشرين من عمره اشتاق إلى حياة الرهبنة فاستأذن من أمه إلى أحد الأديرة القريبة من منطقته. ولكنه دهش حين رأى الرهبان لا يصومون طيا ويتهاونون حتى في الصلوات. ولما لم يعجبه هذا السلوك ترك الدير وعاد إلى أمه فما أن وقعت عيناها عليه حتى قالت له: "لقد ظننت أنك مت عن هذا العالم. فما الذي أتى بك؟ أحذر يا بني لأن الذي يضع يده على المحراث لا ينظر إلى الوراء أبدًا لئلا يفشل في أن يكون صالحًا لملكوت السموات". وحالما سمع كلماتها تركها لساعته وقصد إلى دير الأنبا أنطونيوس أبي الرهبان.

هذه الإرشادات الموجهة إلينا من الإنجيل ومن تاريخ قديسينا هي صورة ملخصة لما يجب ان تكون عليه الأم التي تدرك مسئولياتها ولكن الله الذي وضع عليها هذه المسئوليات هو المعين لها على تأديتها، وهو الذي يشدد قلبها ويؤهلها لأن تقول له في ثقة يوم أن تقف أمام عرشه: "هو ذا أنا والأولاد الذي أعطيتني أياهم".

وجوب تربية البنت نحو أدراك مسئولية الأمومة وكرامتها:

فهل في الإمكان توجيه البنت نحو هذا الهدف الأسمَى؟ إن المقررات الدراسية أصبحت واحدة للبنين والبنات تحقيقًا لمبدأ المساواة الذي أنساب داخل العقول حتى استقر في المجتمع. والمساواة من حيث الفرص والكرامة يجب أن تستقر. ولكن ما دمنا قد قررنا أن الله شاء أن يوجد التنويع في مخلوقاته فقد اعترفنا ضمنا أن هناك اختلافات. ولندع جانبًا الاختلافات الفردية لنلتفت إلى الاختلافات بين الجنسين: المرأة والرجل - إذ أنها واقعية من غير شك. والذي يهمنا من الألتفات إليها هو وجوب تربية البنت على تقدير الأمومة وإدراك كرامتها. صحيح أن البنت لها الحق في التعليم العام وفي اختيار المهنة، فلتتعلم ولتختط المهنة التي توافقها ولكن لتتعلم فوق هذا وذلك أن الأمومة رسالة موضوعة عليها من الله. ولئن كانت رسالة شاقة لما تقتضيه من حمل وترضيع وعناية بالطفل إلا أن كل رسالة شاقة لما تقتضيه من حمل وترضيع وعناية بالطفل إلا أن كل رسالة سامية فيها ما يلازمها من مشقات. بل أن الشجرة المطلوب منها ثمرًا لن تثمر ما لم يتعهدها الزارع بعنايته الشاقة. ورب المجد نفسه حين أراد أن يفتدي الإنسان سار في أشق الطرق وأكثرها ألمًا. لقد كان عرقه دمًا حتى قبل أن تنزل السياط على ظهره ويتكلل رأسه بالشوك. فالبنت يجب أن تعرف أن المشقات مهما بلغت هي الثمن الرخيص في سبيل إيجاد إنسان في العالم: إنسان هو صورة جديدة لله ومثال حديث له تعالى. ويجب أن تعرف البنت أيضًا أن الأمومة هي أسمَى إنتاج. أن العالم الذي طغت عليه المادة جعل الرجل يزهو في خيلاء ويعير المرأة بأنه هو الذي أبتكر وتفنن وأنتج في حين أنها لم تنتج شيئًا من هذا باستثناء أفراد هزيلة العدد. والإجابة الحقة على هذا التعبير أن الأم التي عرفت كرامة أمومتها وقدمت للعالم الرجال المنتجين هي المصدر الأصيل لكل هذا. فالعلماء والمخترعون والأدباء ومؤلفو السيموفانيات كانت لديهم المواهب التي وضعها الله في داخلهم، ولكن لو لم يجدوا أمهات أفسحن أمامهم الطريق وهيأن لهم سبيل العلم والفن ما استطاعوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه. وكم من مواهب ضاعت لانسداد الطريق إلى استثمارها.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(28) (أعمال 12: 12).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/ecclesiastical-history.html

تقصير الرابط:
tak.la/w8tb6fm