إننا نتعجب من الذين يطالبون بالاستغناء عن العهد القديم، واصفين شريعته بشريعة الغاب، ويقولون نحن الذين بهرتنا أضواء العهد الجديد فما حاجتنا للعهد القديم البالي؟!!
وفي هذا ينكرون إن العهد القديم له الفضل في إرساء علاقة الإنسان بخالقه الواحد، في عصر تاه فيه الإنسان في غياهب الوثنية.
لقد كشف الله عن ذاته في العهد القديم من خلال معاملاته مع الآباء والأنبياء، فعرف الإنسان حقيقة الإله الواحد وحده الحقيقي، واستطاع ان يدخل في علاقة شخصية معه ويعبده، وعرف ان كل آلهة الأمم شياطين.
والعهد القديم هو المرجع الوحيد الصحيح في العالم كله الذي يخبرنا عن قصة وجودنا علي هذه الأرض، حيث خلقنا اللَّه من العدم بعد أن رتب لنا كل الأمور، وسقوطنا بغواية الحيَّة القديمة إبليس، وتعهد اللَّه لنا بالمراحم والرأفات، وإن كان اللَّه قد طرد الإنسان الأول من الفردوس عقب سقوطه، فإن ذلك كان خوفًا عليه لئلا يأكل من شجرة الحياة فيحيا الي الأبد في خطيئته، ولذلك طرده من الفردوس الي حين ان يتجسَّد ويرفعه إلي الملكوت السمائي، وخلال هذه الفترة لم يترك اللَّه الإنسان إنما تعهَّده بالناموس والأنبياء، وقد هييء ذهن البشرية لقبول فكرة تنازله وتجسده لكيما يحيينا من موت الخطية، ويهبنا حياة أبدية في ملكوته السماوي من خلال ابنه الوحيد وفاعلية روحه القدوس.
وللعهد القديم يرجع الفضل الأول في إرساء العلاقات الأسريَّة، ومنح المرأة حقوقها، وإليه أيضًا يرجع الفضل في إرسال العلاقات الاجتماعية، واهتم العهد القديم بالأرملة، واليتيم، والفقير، والغريب، والأجير، والعبد، وساوي العهد القديم بين اليهودي والأممي، وأكد علي نزاهة القضاء، وحُسن معاملة الأعداء، وأوصي بالرفق بالحيوان ووحوش البرية... الخ.
وجاء الرب يسوع في العهد الجديد لكيما يشهد بصحة العهد القديم بصورة حاسمة وقاطعة وقوية، وبهذا ثبَّت العهد القديم ولم يلغه، وكشف لنا عن ارتباط العهديْن معًا القديم والجديد، فأدرك الآباء أن العهد الجديد كان مستورًا في العهد القديم، والعهد القديم صار مشروحًا في العهد الجديد، وأدركنا أن المسيحية لم تأتِ من فراغ إنما لها جذور ضاربة في أعماق التاريخ تصل بنا إلي جنة عدن.
كما أدركنا مدي ارتباط العهدين معًا، فالمسيحية لم تأتِ من فراغ، بل جاءت من ملء العهد القديم، وأدركنا أن مسيحية بدون عهد قديم سابق هيَ شجرة بلا جذور، فالعهد الجديد يتجذَّر في العهد القديم، فمَن يفصل العهدين، فإنه يفصل الشجرة عن جذورها، فلا فائدة تُرجي من شجرة بلا جذور، ولا من جذور بلا شجرة. كما إننا أدركنا جيدًا أن مسيحية بدون عهد قديم هيَ بناء ضخم ولكن بدون أساس، فمَن يرُيد أن يفصل العهديْن، فإنه يفصل المبني عن أساسه، ولا فائدة تُرجي من بناء بلا أساس، ولا من أساس بلا بناء. حقًا أن العهد الجديد ارتبط بالعهد القديم، حتي إن إلغاء أحدهما لابد أن يسيء إلي الآخر.
وعلى نفس المنوال صار الآباء الرُّسُل الذين دونَّوا لنا العهد الجديد، مؤكدين على ثبات العهد القديم، وربطوا بين العهدين بصورة رائعة، وبذلك أصبح لزامًا علي كل إنسان مسيحي الالتزام بالشريعة الادبيه للعهد القديم، ومطالعة ودراسة أسفار العهد القديم المقدَّسة، والتعلُّم من أحداث الكتاب وشخصياته، فهناك أعداد ضخمة من قديسي العهد القديم الذين نتشفع بهم. وانعكس ارتباط العهدين معًا علي إيمان الكنيسه وعبادتها، فشكَّلت العبادات الكنسيَّة نسيجًا واحدًا لحمته العهد الجديد وسداه العهد القديم، والذين ينادون بإلغاء العهد القديم أو أجزاء منه ويدَّعون أنهم مسيحيون، لا يدركون ان هذا الأمر يؤول إلي تمزيق الإيمان القويم وتشويه العباده الحسنه.
ودعنا يا صديقي نسلط الاضواء على جانب واحد من جوانب هذه القضية، وهي ان العهد القديم أرسى دعائم العلاقات الانسانية...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/ot-god/ch3.html
تقصير الرابط:
tak.la/fwmj3j4