س3: لماذا تفتخر المسيحية بالصليب إلى هذه الدرجة؟!
وقال البعض: "لو أن أباك مات مقتولًا تحت إطارات سيارة دهمته وقضت عليه. هل لك أن تلتقط صورة لهذه العربة الطائشة معلقًا إياها على صدرك؟ فالمسيح الذي مات مصلوبًا... لماذا تتباهون بالصليب كل هذا التباهي، وتفتخرون به كل هذا الافتخار مع أنه هو الذي قضى على مسيحكم؟".
ج: هنا فرق شاسع بين إنسان دهمته سيارة، وبين اختيار السيد المسيح بنفسه موت الصليب ليفدينا، فالذي دهمته سيارة طائشة مات رغمًا عنه. أما السيد المسيح فقد تقدّم إلى موت الصليب بكامل إرادته من أجل فداء الإنسان، وعلى الصليب كانت نصرة السيد المسيح الجبّارة على الشيطان وكل مملكته، وهذا ما لا يدركه غير المؤمنين، فقد تجرّأ الشيطان وتقدّم ليقبض على روح المسيح ظنًا منه أنه إنسانًا محضًا، ففوجئ به يعلن لاهوته أمام هذا المتعدّي، ويقبض عليه ويُجرِّده من سلطانه، وينزل إلى مملكته أي الجحيم من قِبَل الصليب ويُحرّر الأسرى الذين ماتوا على الرجاء، وينقلهم إلى فردوس النعيم... هذا هو المفهوم الصحيح للصليب، فأنه قوة وليس ضعفًا، غلبة ونصرة وليست انهزامًا، حتى صار الصليب عصا تأديب للشيطان، وقد يكون أحدكم قد رأى الأرواح النجسة وهي تصرخ... النار... النار... بمجرّد أن يضع الأب الكاهن الصليب على رأس الإنسان الذي تسكنه هذه الأرواح.
لقد تحوّل الصليب إلى دعوة وحياة وعلامة للطاعة والبذل والاحتمال والحب والغلبة... إلخ.
فالصليب هو دعوة المصلوب للمقاومين: "طول النهار بَسَطت يديَّ إلى شعب مُعاند ومُقاوم" (رو 10: 21).
والصليب هو شرط لتبعية المسيح: "ومن لا يأخُذ صليبَهُ ويتبعُني فلا يستحقُّني" (مت 10: 38).. "إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فليُنكِر نفسَهُ ويَحمِل صليبَهُ كل يوم ويتبعني" (لو 9: 23).
والصليب شركة مع المصلوب: "لأعرفَه، وقوَّة قيامتـه، وشركة آلامِهِ، متشبِّهًا بموته" (في 3: 10).. "مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيَا فيَّ. فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن اللَّه، الذي أحبَّني وأسلَم نفسه لأجلي" (غل 2: 20).. "بل كما اشتركتُم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجدِه أيضًا مُبتَهجين" (1بط 4: 13).
والصليب حياة يومية معاشة: "إننا من أجِلكَ نُمات كل النهار" (رو 8: 36).. "ولكن الذين هم للمسيح قد صَلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 5: 24).
والصليب علامة ابن الإنسان التي تقاوم: فقال سمعان الشيخ للعذراء مريم: "إن هذا قد وُضِعَ لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تقاوَم" (لو 2: 34).. "وحينئذٍ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء... ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوَّةٍ ومجدٍ كثير" (مت 24: 30).
والصليب رمز وعلامة الطاعة: "وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان، وضع نفسَه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 2: 8).
والصليب رمز وعلامة الاحتمال: "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمِّله يسوع، الذي مـن أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهينًا بالخزي" (عب 12: 2).
بالصليب كان الفداء: "هذا هو دَمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفَكُ من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26: 27، 28).. "الذي فيه لنا الفداء بدمِهِ غفران الخطايا" (أف 1: 7).. "المسيح افتدانا من لَعْنَة الناموس، إذ صَار لَعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعُونٌ كل مَن عُلِّق على خشبَةٍ. لتصير بركة إبراهيم للأُمم في المسيح يسوع" (غل 3: 13، 14).. "الذي بَذَل نَفسه فِديَةً لأجل الجميع" (1تي 2: 6).. "فسيروا زمان غُربَتِكُم بخوفٍ. عالمين أنكم افتُديتُم لا بأشياء تفنى، بفضَّةٍ أو ذهبٍ... بل بدم كريم، كما من حَمَل بلا عيبٍ ولا دنسٍ، دم المسيح، معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم" (1بط 1: 17 – 20)..
والصليب يطهّرنا ويكفّر عن خطايانا: "ودَم يسوع المسيح ابنِهِ يُطهِّرنا من كل خطية" (1يو 1: 7).. "وإن أخطأ أحد فلنا شَفيع عند الآب، يسوع المسيح البار. وهـو كفَّارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1يو 2: 1، 2).
والصليب رمز الحب والبذل: "ليس لأحَدٍ حُبٌّ أعظَم من هذا: أن يضَع أحَدٌ نفسَهُ لأجل أحبَّائِهِ" (يو 15: 13).. "هكذا أحبَّ اللَّه العالم حتى بَذَل ابنَهُ الوحيد، لكي لا يَهلِكَ كل من يؤمَن به، بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو 3: 16).. "ولكن اللَّه بيَّن محبَّته لنا، لأنه ونحن بعد خطاةٌ مات المسيح لأجلنا" (رو 5: 8).. "ليس إننا نحن أحببنا اللَّه، بل أنه هو أحبَّنا، وأرسَل ابنه كفَّارَةً لخطايانا" (1يو 4: 10).
والصليب علامـة الصفح والمغفرة: فالذي قال: "أحبُّوا أعداءكم. باركوا لأعِنيكُم. أحسِنوا إلى مُبغِضِيكم" (مت 5: 44) هو الذي قال على الصليب "يا أبتاه، اغفِر لهم لأنهم لا يعلَمُون ماذا يفعَلُون" (لو 23: 34).. "الذي إذ شُتِم لم يكـن يَشتِمُ عوضًا، وإذا تألَّـم لم يكن يُهدّد بل كان يُسلّم لمَن يقضي بعَدل" (1بط 2: 23).
وبالصليب اصطلحنا مع اللَّه ومع الناس وصرنا قريبين منه: "ويُصالح الاثنين في جسدٍ واحدٍ مع اللَّه بالصليب، قاتلًا العداوة به" (أف 2: 16).. "وأن يُصالح به الكل لنفسِهِ، عاملًا الصُّلح بدَم صليبه" (كو 1: 20).. "فإن المسيح أيضًا تألَّم مرَّةً واحِدَة من أجل الخطايا، البارّ من أجل الآثمَةِ لكي يُقرِّبنا إلى اللَّه" (1بط 3: 18).. "أنتُم الذين كُنتم قبلًا بعيدين، صِرتم قريبين بدَم المسيح" (أف 2: 13).
والصليب علامة الغلبة والظفر: "إذ جرّد الرِّياسات والسَّلاطين أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 15).. "فإذ قد تألَّم المسيح لأجلِنا بالجَسَد، تسَلَّحوا أنتم أيضًا بهذه النيَّة" (1بط 4: 1).
والصليب علامة القوة: "فإن كلمة الصَّليب عند الهالكين جَهَالةٌ، وأمَّا عندنا نحن المُخلَّصين فهو قوة اللَّه" (1كو 1: 18).
والصليب علامة الفخر: "وأمَّا من جهتي، فحَاشَا لي أن أفتخر إلاَّ بصَليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلِب العالم لي وأنا للعالم" (غل 6: 14).
وبالصليب نصلب الأهواء الردية والشهوات الحارقة: "ولكن الذين هُم للمسيح قد صَلبُوا الجسد مع الأهواء والشّهوات (غل 5: 24).
وبالصليب ننال الشفاء: "الذي حَمَل هو نفسُهُ خطايانا في جَسَدِه على الخشبَةِ... الذي بجلدته شُفيتم" (1بط 2: 24).
والصليب محور الكرازة: "ولكننا نحن نكرزُ بالمسيح مصلوبًا: لليهود عثرَةً، ولليونانيين جهالةً. أما للمدعُوِّين: يهودًا أو يونانيين، فبالمسيح قوَّة اللَّه وحكمَةِ اللَّه. لأن جهالةً اللَّه أحكم من الناس. وضعف اللَّه أقوى من الناس" (1كو 1: 23، 24).. كانت الكرازة بالمسيح المصلوب عثرةً لليهود الذين يطلبون المسيا الملك الذي يخلّصهم من حكم وسطوة الرومان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكانت الكرازة بالإله المصلوب تمثل نوع من الجهالة لدى اليونانيين أهل العلم والحكمة، ولا تتفق الكرازة مع المنطق الروماني الذي يمجد ويؤلّه القوة، وفي كل هذا لم يتخلَ الرسل والتلاميذ وسائر المسيحيين عن المناداة بالإله المصلوب حبًا في الإنسان، وبالصليب هزم الشيطان وخلّص البشرية من قبضته. لقد صنع بالضعف ما هو أعظم من القوة، لأن أي قوة في العالم كانت تستطيع أن تخلّص الإنسان من قبضة الرجيم؟! ولهذا يقول معلمنا بولس الرسول لأهل كورنثوس: "لأني لم أعزِم أن أعرفَ شيئًا بينكُم إلاَّ يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا" (1كو 2: 2) ويقول لأهل غلاطية: "أنتم الذين أمام عُيُونِكُم قد رُسِمَ يسوع المسيح بينكُم مصلوبًا" (غل 3: 1) ورغم اضطهادات وعذابات عدو الخير للرسل فإنه: "بقوة عظيمَةٍ كان الرُّسل يؤدُّون الشهادة بقيامَةِ الرب يسوع، ونعمَةٌ عظيمَةٌ كانت على جميعهم" (أع 4: 33).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/pride.html
تقصير الرابط:
tak.la/pb8rb6t