س257: بعد أن وصلنا إلى شريعة العهد الجديد، شريعة الكمال (مت 5، 6، 7) فما حاجتنا بعد لشريعة العهد القديم؟ وهل بعد أن أشرق علينا نور المسيح نلتمس نور سراج الأنبياء؟ وهل بعد أن كلمنا اللَّه في ابنه (عب 1: 2) نحتاج لحواره في الماضي مع الآباء والأنبياء؟ ولماذا التيهان في برية العهد القديم مادام الإنجيل فيه كل الكفاية وكل الغنى؟
ج: هذه التساؤلات ليست جديدة، بل سبق الإجابة عليها بالتفصيل، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد قديم جـ2 الفصل الثالث عشر: "النقد الكتابي والهجوم على العهد القديم" من س97 إلى س107. وارتبطت فكرة الهجوم على العهد القديم بفكر ماركيون الهرطوقي والماركونية، هذا الفكر الذي وصفه القديس مارآفرام السرياني بالسم، ثم ارتبط هذا الفكر بالصراع بين الأرية والسامية، فبينما كان الألمان يهاجمون اليهود هاجموا العهد القديم، وحديثًا الصراع مع دولة إسرائيل فبينما بعض النُقَّاد العرب يهاجمونها هاجموا العهد القديم أيضًا، ومازال هذا الفكر يتردَّد صداه للآن.
ومن الخطأ أن نقول أن نور العهد الجديد أخبَّأ نور العهد القديم، لأن أسفار العهد القديم تمثل جذور العهد الجديد: "اَللهُ بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِه" (عب 1: 1، 2) وقد أُستخدم اسم اللَّه في كلا العهدين، ففي العهد القديم أعلن اللَّه عن ذاته: "فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ وَنَادَى الرَّبُّ. الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ. وَلكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً" (خر 34: 6، 7) وهو ما نجده في العهد الجديد: "أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَة" (رو 2: 4)، وعندما سُئل السيد المسيح عن الوصية العظمى، تلا صلاة "شماع": "اسْمَعْ يَاإِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ" (مر 12: 29، 30)، وهو ما جاء في (تث 6: 4، 5)، هذه الصلاة التي كان اليهود يتلونها ثلاث مرات في النهار.
أما الأمر الجديد الذي حمله لنا العهد الجديد فهو شخص السيد المسيح الإله المتجسد ذاته، والسيد المسيح سار مع تلميذي عمواس وفسَّر لهم الأمور المختصة به في جميع الكتب من موسى وجميع الأنبياء (لو 24: 27)، كما فتح أذهان التلاميذ ليفهموا الكتب (لو 24: 45)، وكان قد حسم القضية من قبل عندما قال: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ" (مت 5: 17)، وتسلَّم التلاميذ ذاك المنهج فارتبطت عظة بطرس الرسول الأولى بالعهد القديم (أع 2: 14 - 36) وكذلك عظة أسطفانوس (أع 7: 2 ــ 53) وأيضًا عظة فيلبس لوزير كنداكة ملكة الحبشة (أع 8: 30 - 35) وهكذا عظات بولس الرسول في المجامع، وقال: "الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ. وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُب" (1 كو 15: 3 - 4).
ويقول "الخوري بولس الفغالي": "لا نستطيع أن نقرأ خبر الحاش (الآلام) دون أن نعرف (إش 53 عبد اللَّه المتألم)، و(مر 22: 69)، ولا نستطيع أن نقرأ أناجيل الطفولة (ولاسيما لوقا) دون أن نعرف الخلفية البيبلية التي تكوّن لحمة هذه الأخبار. ونقول الشيء عينه عن حدث دخول يسوع إلى أورشليم في يوم الشعانين (مت 21: 1 - 9، مر 11: 1 - 10، لو 19: 28 - 40، يو 12: 12 - 19).. فالجماعة الأولى (مت 21: 5، يو 15: 15) رأت في هذا الحدث تحقيق نبوءة (زك 9: 9) التي يوردها متى على الشكل التالي: "قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ ".." (560).
كما يقول "الخوري بولس الفغالي": "لن نترك العهد القديم من أجل الجديد، بل بقدر ما نعرف العهد القديم نستطيع أن نفهم العهد الجديد... إن المسيح قد قاد الشريعة إلى كمالها النهائي بمسيرة طبيعية جدًا. أنها مسيرة الزهرة إلى الثمرة، المسيرة التي تقود الطفل إلى حالة النضوج والبلوغ. نستطيع القول أن الثمرة شيء جديد بالنسبة إلى الزهرة، ونستطيع القول أيضًا أنها تقف في خط تطورها.
إن بطلان بعض الشرائع الخاصة بالعهد القديم لا يأتي في ضعفها الخاص وعجزها، بل من الكمال السامي الذي يحمله يسوع المسيح. لم نعد نحتفل بذبائح العهد القديم، لأنه ذبيحة المسيح الفريدة قد تجاوزتها وحلت مكانها. لا نعيد بناء هيكل أورشليم، لأن حضور اللَّه الذي يقيم في كل مؤمن وفي كل جماعة (إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة بِاسمي)، لم يعد مرتبطًا ببناء من حجر. وكذلك لن نتوقف عند شريعة المِثل، لأن المسيح طلب منا أن نذهب أبعد من ذلك، لأن محبة الأعداء بحب يشبه حب الآب لجميع البشر" (561).
_____
(560) دراسات بيبلية - 14 - إنجيل متى جـ 1 ص304.
(561) المرجع السابق ص305.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/257.html
تقصير الرابط:
tak.la/qrv54v4