وينقل الخوري بولس الفغالي آراء بعض النُقَّاد في حرب الملوك الأربعة " قال بعضهم: لا قيمة تاريخية لمثل هذا الخبر، إن هو إلاَّ تقليد لقصة قديمة، أو هو من صنع الخيال، فكيف ينتصر رئيس قبيلة صغيرة على أكبر ملوك الشرق الذين دمروا الممالك العديدة في سرعة مذهلة؟ ولكن يبدو أن الخبر قديم جدًا، فلا يمكن إنكاره. أيكون أن الأفواه تناقلته أجيالًا عديدة قبل أن يدوَّن ويُقحم في سفر التكوين؟ هذا ممكن. وممكن أيضًا أن يكون مأخوذًا من شعب غريب، ثم أدخله الكتاب، كما أُدخل غيره من النصوص، إلى تراث شعبه"(1).
ج: 1- سبق مناقشة موضوع حقيقة سدوم وعمورة وانقلابهما من قبل(2) ويقول " وليم كامبل".. " ولكن سجلات إبلا أشارت إلى كل مدن السهل، وفي إحدى اللوحات جاءت قائمة أسمائها بنفس الترتيب التوراتي. بل أن الرواية التوراتية في تكوين 14 تحتوي على كلمات وعبارات نادرة الاستعمال، لم ترد في سائر الكتابات العبرية، فمثلًا كلمة "هانيخ" (ومعناها: تابع مسلَّح) لم ترد في التوراة، إلاَّ هنا، واصفًا للشاب الذي نشأ في بيت إبراهيم وتدرَّب على حمل السلاح، ولكنها وُجدت في النصوص الفرعونية في القرنين 19، 18 ق.م.، أثناء حياة إبراهيم، ووجدت أيضًا في القرن 15 ق.م. في الكتابة المسمارية Cuneiform في تعنك في فلسطين"(3)(4).
2- " أمرافل ملك شنعار" (تك 14: 1) الذي صاحب كدرلعومر هو " حمورابي " ملك بابل المشهور، فقيل عن نمرود من قبل " وكان إبتدأ مملكته بابل وآرك وأكَّد وكلنه في أرض شنعار" (تك 10: 10) ويقول الأب سهيل قاشا " كذلك عُثر على صورة " أمرافل " الذي هو الملك الكبير "حمورابي " وكان من معاصري إبراهيم"(5) كما يقول " أ.م هودجكن".. " وقد كان عسيرًا جدًا تصديق ما ذُكر في الإصحاح الرابع عشر من سفر التكوين عن تاريخ حملة كدرلعومر على مدينة سدوم، غير أن التاريخ قد حقق أسماء نفس الملوك المذكورين في هذا الإصحاح، فإن أمرافل المذكور في الإصحاح المشار إليه هو نفسه حمورابي الذي كان يملك في بابل في ذلك الوقت. وقد قال الأستاذ " سايس " عن ذلك {وهذا دليل آخر على أن ما يبديه النُقَّاد من إعتراضات يتضح في النهاية أنه ناتج عن قصور في معلوماتهم..}"(6).
3- يقول القمص تادرس يعقوب " أما كدرلعومر ملك عيلام فاسمه يعني (عبد لعومر) أي عبد أحد آلهة عيلام، عُرف ببطشه وسطوته إذ اكتسح كل ممالك الجنوب، وأخضع لسلطانه كل بلاد وادي الأردن، وبسط حمايته على الطريق الرئيسي بين دمشق ومصر. خضعت له البلاد وبعد اثنتي عشر سنة إذ شعرت بالمذلة قام خمسة ملوك بالثورة ضده حتى لا يدفعوا له جزية، هم ملوك سدوم وعمورة وأدمة وصوبيم وبالع (صوغر). فاضطر كدرلعومر أن يقوم بحملة ثانية لتأديب هؤلاء الملوك المتمردين، وقد تحالف معه ثلاثة ملوك آخرين هم ملوك شنعار والأسار وحوبيم... وقد اكتسح هؤلاء الملوك الأربعة المنطقة"(7).
4- يقول جوش مكدويل " وهناك مثال إضافي عن مساهمات اكتشاف إبلا تختص بما ورد في الإصحاح 14 من سفر التكوين والذي اعتبر لسنوات طويلة بأنه لا يمكن الوثوق به من الناحية التاريخية. فانتصار إبراهيم على كدرلعومر والملوك الأربعة وُصفت بأنها خيالية، وكذلك فإن الخمس مدن المذكورن وهي (سدوم، عمورة، أدمة، صبوئيم، وصوغر) خيالية. مع ذلك فإن تسجيلات إبلا تشير إلى هذه الخمس مدن في السهل بنفس الترتيب الذي ظهرت فيه في سفر التكوين 14، وهي تعكس مستوى الكتابات الأدبية التي كانت سائدة أيام الآباء والتي توضح أنه قبل حدوث الكارثة التي أشار إليها تكوين 14، كانت المنطقة غنية بمواردها وناجحة كما ذكر السفر تمامًا"(8).
5- جاء في دائرة المعارف عن كدرلعومر " ومع أن كدرلعومر يُذكر ثالثًا في العدد الأول من الإصحاح الرابع عشر من سفر التكوين. إلاَّ أنه من الواضح كان زعيم الحلف، إذ يُذكر بعد ذلك وحده (تك 14: 4، 17) أو يذكر أولًا (تك 14: 9).. واسم كدر لعومر مكوَّن من مقطعين، الأول " كدر " وهي كلمة عيلامية بمعنى " عبد " والأرجح أن المقطع الثاني " لعومر " هو اسم إلهة من آلهة العيلاميين"(9).
6- لا يمكن أن نتغافل مدى تأثير عامل المفاجأة في هذه الحرب، فبعد أن انتصر كدرلعومر ومن معه على الملوك الخمسة، وصاروا سادة الموقف، وسلبوا ما سلبوه، شعروا بالأمان والطمأنينة، وإذ بإبراهيم الشجاع يهاجمهم في ظلام الليل ليس من اتجاه واحد، بل من عدة اتجاهات " وانقسم عليهم ليلًا هو وعبيده فكسرهم" (تك 14: 15) مما أحدث هرج ومرج، ولم يدرك جنود لعومر ماذا يجري، ففروا هاربين، ولا بُد أن الله نظر إلى مخاطرة إبراهيم الذي حمل رأسه على كفه من أجل محبته لإبن أخيه لوط، فأوقع الرعب في قلوب جنود كدرلعومر، وهذا ما حدث فيما بعد بصورة أقوى إذ " كان المديانيون والعمالقة وكل بني المشرق حالين في الوادي كالجراد في الكثرة. وجمالهم لا عدد لها كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة" (قض 7: 12) وإذ جدعون يهاجمهم ليلًا بثلثمائة رجل كل يحمل جرة بها مصباح في يد وبوقًا في اليد الأخرى " فضربت الفرق الثلاث بالأبواق وكسروا الجرار وأمسكوا المصابيح بأيديهم اليسرى والأبواق بأيديهم اليمنى... فركض كل الجيش وصرخوا وهربوا" (قض 7: 20، 21).
_____
(1) المجموعة الكتابية - سفر التكوين ص 213.
(2) راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 4 إجابة س297.
(3) Naham Sarna, UNDERSTANDING GENESIS P, 111.
(4) القرآن والكتاب المقدَّس في نور التاريخ والعلم - الفصل الأول - القسم الثالث.
(5) الكتابات البابلية في المدوَّنات التوراتية ص 257، 258.
(6) تعريب حافظ داود - شهادة علم الآثار للكتاب المقدَّس ص 21، 22.
(7) تفسير سفر التكوين ص159.
(8) برهان يتطلب قرارًا ص 345.
(9) دائرة المعارف الكتابية جـ 6 ص 331.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/451.html
تقصير الرابط:
tak.la/7gfzn4s