ج: قال المؤرخون أن كان السومريون هم الذين وضعوا بذرة الحضارة في منطقة الرافدين، فإن البابليين هم الذين تعهدوا هذه البذرة حتى نمت وترعرعت، فكانت حضارة بابل العظيمة. وقد بدأت مدينة بابل كمدينة صغيرة جاء ذكرها في سفر التكوين (تك 10: 9) ومؤسسها هو نمرود، بينما في الفكر البابلي نجد مردوخ عظيم آلهتها هو الذي بنى مدينة بابل، ومعنى اسمها حسب الترجمة السومرية "باب - إيل " أو "باب - الإله " واكتسبت بابل أهميتها من برجها العظيم الذي على جنباته تفرقت الألسن وانقسمت البشرية، وفي سنة 1800 ق.م اتخذها حمورابي عاصمة للإمبراطورية، فارتفع شأنها، وكان لها سور عظيم وبوابات ضخمة، وحملت الشوارع التي تؤدى إلى البوابات أسماء البوابات، فمثلًا شارع مردوخ يؤدى إلى بوابة مردوخ، وهكذا بقية الشوارع.
وقد عبد البابليون آلهة عديدة من أهمها:
إنليل - آنو - إيا - سين - شماس - إشتار - مردوخ - نبو - نرجل - نينيب - راما - تموز - آشور
1- إنليل Enlil: وهو إله الأرض ودُعي أيضًا الليل Ellil كما دُعي في العصور المتأخرة باسم "بيل " ويعتبر من أقدم الآلهة، وهو رب العالم وملك البلاد، ولُقب ب "السيد العظيم الذي لا يمكن تغيير أوامر فمه، والذي لا تزول نعمته، وهيكله الرئيسي في "نيبور " ودعى هذا الهيكل باسم "أي - كور " E- Kur أي "بيت الجبل ".
2- آنو Anu: إن كان إنليل يعتبر إله الأرض، فإن آنو يعتبر إله السماء، وعلى هذا فهو ليس في قدر إنليل، وزوجة "آنو " هي "آنتو " Antu أو "آناتو " Anatu ومركز عبادته الرئيسي كان في مدينة "أوروك " Uruk.
3- إيا Ea: وهو أبو الإله مردوخ، وهو أكثر الآلهة محبة للبشر، فيسرع إلى مساعدتهم وقت الأزمات، وزوجته تدعى "دامكينا " Damkina ومركز عبادته الرئيسي في "أريدو " Eridu التي تقع على الخليج الفارسي قرب مصب نهرى دجلة والفرات، ودُعي معبده باسم " إى - آبسو " Absu-E أي "بيت الأعماق " أو "بيت الحكمة " ودُعى هو برب الحكمة.
4- سين Sin: وهو إله القمر الذي يعتبر أرق الآلهة وأرحمهم، وهو أعظم شأنا من "شماس " إله الشمس، لأن البابليون استخدموا التقويم القمري، وكان مركز عبادته مدينة أورو Uru التي دُعيت في الكتاب المقدَّس بأور الكلدانيين، ودُعي معبده باسم "آى - كيشيرجال " E-Kishshirgal أي "بيت النور " واسم زوجته "نينجال " Ningal أي السيدة العظيمة أو الملكة.
5- شماس Shamash: وهو إله الشمس، فهو الإله العطوف ناشر الصلاح والخير للبشرية، وطالما نغنى به البشر، وكُتبت التراتيل الرائعة التي تصف مجده، فهو المنتقم من الأشرار، وهو القاضي الأعلى في السماء، وكان مركز عبادته "لارسا " Larsa جنوب بابل، و"سيبار " Sippar شمالها، ودُعي معبده في المنطقتين "إى - بابار " Babbar-E أى "البيت المشرق ".
6- إشتار Ishtar: وهي إلهة كوكب فينوس (الزهرة) وتعتبر إلهة الأثمار والحب، وارتبطت عبادتها بممارسة الدعارة، وهي إلهة الحرب والقنص، وتعتبر هي سيدة الآلهة عند الأشوريين، ومركز عبادتها في "أوروك " جنوبي بابل حيث دُعيت " نانا " Nana، وفي "أكد " Akkad في شمال بابل حيث دُعيت "أنونيتو " Anunitu كما عُبدت في نينوى وأربيلا في آشور، وقُدمت لها أروع التراتيل.
ويقول "ول ديورانت " عن إشتار "كانت مثلًا إلهة الحرب والحب، وإلهة العاهرات والأمهات... مع أن عبَّادها كثيرًا ما يخاطبونها بقولهم "العذراء " و"العذراء المقدَّسة " و"الأم العذراء ".. وقد رفض جلجميش أن يتزوج بها حين عرضت عليه الزواج، وحجته في ذلك أنها لا يوثق بها، ألم تحب في يوم من الأيام أسدًا وأغوته، ثم قتلته..؟ فليتأمل القارئ تلك الحماسة القوية التي يرفع بها البابليون إلى مقامها العظيم تسابيح الحمد:
أتوسل إليك يا سيدة السيدات، ياربة الربات، يا إشتار أيا ملكة المدائن كلها ويا هادية كل الرجال.
أنت نور الدنيا أنت نور السماء، يا ابنة سن العظيم (إله القمر)..
ألا ما أعظم قدرتك، وما أعظم مقامك فوق الآلهة أجمعين!
أنت تحكمين وحكمك عادل.
وإليك تخضع قوانين الأرض وقوانين السماء...
إذا ذُكر اسمك اهتزت لذكره الأرض والسموات، وارتجفت له الآلهة.
إنك تنظرين إلى المظلومين، وتنصفين في كل يوم المهانين المحقرين.
إلى متى يا ملكة السماء والأرض إلى متى..؟
إلى متى يا سيدة الجيوش، يا سيدة الوقائع الحربية؟
يا عظيمة، يا من تهابك كل أرواح السماء ويا من تخضعين كل الآلهة الغضاب، ويا قوية فوق كل الحكام ويا من تمسكين بأعنة الملوك..؟
يا نور السماء البرَّاق، يا نور العالم، يا من تضيئين كل الأماكن التي يسكنها بنو الإنسان، يا من تجمعين الأمم
حيث تتطلعين تعود الحياة إلى الموتى، ويقوم المرضى ويمشون، ويشفى عقل المريض إذا نظر إلى وجهك.
إلى متى، أيتها السيدة ينتصر عليَّ عدوّي؟
فمرى، فمتى أمرتِ ارتد الإله الغضوب.
إن إشتار عظيمة! إشتار ملكة! سيدتي، جليلة القدر، سيدتي ملكة، إنينى، ابنة سن القوية. وليس لها مثيل"(1)(2).
7- مردوخ Marduk: وهو إله مدينة بابل ابن الإله "أيا " وأبو الإله "نبو " وفي عهد حمورابي سنة 1800 ق.م تعظم شأن مردوخ فصار عظيم آلهة بابل وصار هو الإله الخالق بدلًا من آلاف الآلهة السومرية، وأصبح رئيسًا لمجمع الآلهة الموسع (البانثيون) الذي يضم ما بين 3000 - 4000 إلهًا، ودُعى معبده "إى - ساجيله " E-Sagilu أي "البيت الشامخ " ودُعي برجه باسم "آى - تيمينانكى " E-Teme- Nanki أي "بيت أساس السماء والأرض " وزوجته "ساربانيتو " Sarpanito.
8- نبو Nabu: ومعنى اسمه "المتكلم " أو "المعلن " وكان يعتبر إله الخضرة، ومركز عبادته في "بورسيبا " Borsippa، ودُعى معبده باسم "إى - زيتا " E-Zida أي "البيت الدائم " ودُعى برجه باسم "آى - يوريميناكى " E- Uriminaki أي "بيت سبع حكام السماء والأرض " وقد جاء ذكره في سفر دانيال.
9- نرجل Nergal: وهو إله العالم السفلى، وزوجته هي "إيريش كيجال " Eresh - Kigal ملكة العالم السفلى، ومركز عبادته الرئيسي مدينة "كوتو " Kutu أو "كوث" (2مل17: 24، 30) وفي العصور المتأخرة ارتبط هذا الإله بكوكب المريخ.
10- نينيب Ninib: وكان يعتبر في الأصل إله الخضرة، وإله الشفاء، وزوجته تُدعى "جولا " Gula حامية الأطباء، وارتبط بكوكب زحل، وفي العصور المتأخرة اعتبره البابليون بطلًا مغوارًا في الحرب.
11- راما Ramman: وهو إله العواصف والرعد ودعاه الآشوريين باسم "أداد " Adad كما دعاه السومريون باسم "أشكور " Ishkur وزوجته تُدعى "شالا " Shala.
12- تموز Tammuz: وهو إله الخضرة التي ازدهرت بأمطار الربيع، واسمه مشتق من الاسم السومرى "دموزى - ذواب " Dumuzi - Zuab أي "الابن الحقيقي لأعماق المياه " وتمتع تموز بشعبية جارفة، وارتبطت عبادته بعبادة عشيقته الإلهة إشتار، وظلت عبادته مستمرة حتى بعد انهيار حضارة بابل وآشور، وانتقلت إلى العالم الغربي.
13- آشور Asshur: هو إله الحرب لدى الآشوريين، ويمثل أعظم الآلهة الآشورية وقد أضفى عليه فلاسفة آشور صفات الإلهين "إنليل " و"مردوخ " ونسبوا له المعركة التي انهزمت فيها تيامات قبل خلقة العالم.
ومن الترانيم التي رُنَمت لإله الشمس القاضي العادل:
"من يخطط للشر، أنت تحطم قرنه.
من يمحو الحقوق في تثبيت الحدود.
أنت تكبح بقوتك جماح القاضي والظالم.
من يقبل الرشوة، ومن لا يقضى بعدل، أنت تضع عليه خطية.
أما من لا يقبل رشوة، ومن يهتم بالمظلوم.
فإن شماس ينعم عليه، ويطيل حياته.
القاضي الذي يصدر قرارًا عادلًا.
سينتهي به الأمر في قصر، ومكان الإسراء سيكون مسكنه"(3).
ونستطيع أن نقول أن مملكة بابل ازدهرت في القرن الثامن عشر قبل الميلاد في عصر الملك حمورابي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ثم ضعفت وخضعت للآشوريين الذين امتد سلطانهم إلى نحو القرن الثامن قبل الميلاد، ففي سنة 721 ق.م احتلت أشور السامرة عاصمة مملكة إسرائيل، ولكن في سنة 660 ق.م. فشلت آشور في إخضاع مصر لها، وفي سنة 625 ق.م عادت بابل وتفوقت على مملكة آشور، وفي سنة 612 ق.م سقطت نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية، وقامت مملكة بابل الثانية، ولكن بسبب افتخارها وكبريائها كان عمرها قصيرًا، وسقطت بابل المدينة الحصينة سنة 538 ق.م على يد مملكة فارس ومادى بقيادة كورش، فكانت نهاية الحضارة البابلية، وظل كورش يحكم فارس خلال الفترة 550 - 529 ق.م، وتوسعت الإمبراطورية الفارسية حتى وصلت إلى الهند، وظلت متماسكة حتى انهارت سنة 330 ق.م تحت أقدام الإسكندر الأكبر.
_____
(1) ترجمة د. زكى محمود ومحمد بدران.
(2) قصة الحضارة - المجلد الأول (2) ص 215، 216.
(3) دائرة المعارف الكتابية ج2 ص 39.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/277.html
تقصير الرابط:
tak.la/29ng9d2