ج: تعتبر الخلية الوحدة الأساسية لجميع الأجسام النباتية والحيوانية والبشرية، وفي الكائنات الرقيقة تتحد الخلايا لتكون نوعًا واحدًا من الأنسجة العضلية أو العصبية... إلخ وتشبه الخلية الصندوق أو العلبة أو قالب الطوب، وتحتوي داخل غلافها الخارجي على مادة الحياة " البروتوبلازما " Protoplasma وتتكون من مقطعين Proto أي أولي، وPlasma أي شكل، فبروتوبلازما تعني المادة الأولية، وتتركب من الناحيَّة الكيميائية من عدد كبير من العناصر المعروفة أهمها:
1- الأكسجين 2- الكربون 3- الأيدروجين 4- النيتروجين 5- الفسفور 6- البوتاسيوم 7- الصوديوم 8- الكبريت 9- الكلور 10- المغنسيوم 11- الكوبالت 12- اليود وغيرها.
ويوجد بالخلية " النواة " التي تعتبر العقل المُنظِم للتفاعلات الحيوية في الخلية، فهي المركز الواعي، فإذا فصلت النواة عن البروتوبلازم لا يمكن لأحدهما أن يعيش بمفرده، ويحيط بالنواة غلاف رقيق يتحكم فيما يمر داخل النواة، وبه الكروموزومات أو الصبغيات، وهي جسيمات عضوية دقيقة، وتحمل الصفات الوراثية، وعددها ثابت في كل نوع من أنواع الكائنات الحيَّة، ففي الإنسان يوجد 48 من الكروموزومات بينما تبلغ في الكلب 78، وتحوي المادة الوراثية الحامض النووي Nucleic (نسبة إلى النواة) وهذا الحامض على نوعين، فالأول هو حامض دي أكس ريبونيوكليك Desoxyribonucleic Acid (DNA) والثاني حمض الريبونيوكليك Ribonucleic Acid (RNA).
أما عن التفاعلات الكيميائية بالخلية، فإنه توجد جزئيات بروتينية معقدة التركيب جدًا جدًا تُعرف باسم " الإنزيمات " وهذه تساعد على إحداث التفاعلات الكيميائية دون أن تدخل فيها، فهي بمثابة عامل مساعد، وتقوم الخلية بعملية التنفس، وعملية التمثيل الكلوروفيلي (في الخلية النباتية)، والحركة، والنمو، والتكاثر الذي يتم عن طريق تخليق الحامض النووي (DNA)، وقد تكون هذه البروتينات التي خلَّقها الحمض النووي بروتينات بنائية مثل العضلات أو الشعر أو الأظافر، وقد تكون هذه البروتينات أنزيمات أو هرمونات تتحكَّم في العمليات الحيوية في الكائن الحي... إلخ.
ويقول د. أنور عبد العليم " ويتم النشاط الحيوي والتكاثر عن طريق تفاعل حامض النوويك مع البروتينات. فعند انقسام الكروموسوم في داخل النواة تنقسم المادة الوراثية إلى قسمين متشابهين تمامًا مثل السلبية والموجبة في الصورة الفوتوغرافية، أو الجسم وصورته في المرآة... إن هذا الأمر إن دلَّ على شيء فعلى قوة عليا، لا يسع العقل البشري إلاَّ أن يخر حيالها ساجدًا... يمكننا تشبيه الخلية الحيَّة بدولة أو قطر كبير يضم مقاطعات ومدنًا مزدحمة، وشبكة من الأنهار والمواصلات السلكية واللاسلكية مُعقَّدة التركيب، وشوارع كثيرة وقرى... وكل هذه الوحدات تتبادل السلع فيما بينها على هيئة مواد خام ومواد مُصنَّعة وغازات وطاقة، كل ذلك يجرى بداخل تلك الخلية التي لا تراها العين!
كما أن ثمة نظام مُحكم وآلية مضبوطة بقوانين للتفاعلات التي تحدث داخل هذا النظام، بحيث لا يختلط تفاعل بآخر، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... وهكذا تقوم الحياة في أبسط صورها على نسق دقيق مُعقَّد... علاقات فائقة التنظيم... ويُعرّف بعض العلماء من أمثال أينشتين وهولدين المادة الحيَّة بأنها وحدة نظامية مميَّزة بثبات ديناميكي، قادرة على حفظ كيانها بنفسها، وعلى امتصاصها للطاقة من أي نظام محيط بها، وعلى تثبيت بقائها عن طريق التوالد والموت... ولكن على الرغم من دقة تعقيد هذه التعريفات فإن صفة الحياة نفسها لا تزال أكبر من أن تكون مجرد تفاعلات طبيعية وكيميائية تنصاع لقوانين معلومة"(1).
ويقول هارون يحيى " أن التركيب المُعقَّد للخلية الحيَّة لم يكن معروفًا أيام داروين... ولكن تكنولوجيا القرن العشرين تعمقت في أصغر جسيمات الحياة وكشفت أن الخلية هي أكثر النظم التي واجهتها البشرية تعقيدًا، ونحن نعلم - اليوم - أن الخلية تحتوي على محطات لتوليد الطاقة تنتج الطاقة التي تستخدمها الخلية، ومصانع تصنع الإنزيمات والهرمونات اللازمة للحياة، وبنك معلومات تُسجل فيه المعلومات الضرورية حول جميع المنتجات التي سيتم تصنيعها، ونظم نقل وخطوط أنابيب مُعقَّدة لحمل المواد الخام والمنتجات من مكان إلى آخر، ومختبرات ومحطات تكرير متقدمة لتحليل المواد الخام... وبروتينات متخصصة تُغلف أغشية الخلية لمراقبة المواد الداخلة والخارجة منها... ولا تشكل هذه الأشياء سوى جزء صغير من هذا النظام المُعقَّد بدرجة خيالية، ويقر " ثورب " وهو أحد علماء التطوُّر بأن أبسط نوع من أنواع الخلايا يشكل آلية أعقد بكثير من أية آلة صنعها الإنسان حتى الآن، أو حتى تخيل صنعها. وتعتبر الخلية من التعقيد بمكان بحيث لا يتسنى لمستوى التكنولوجيا العالي الذي توصل إليه الإنسان أن ينتج خلية واحدة، ولم يُكتب النجاح أبدًا لأي مجهود بُذل لإنتاج خلية صناعية، وفي الحقيقة لقد تم التخلي عن أي محاولات من هذا النوع"(2).
ويقول د. مصطفى عبد العزيز " وتختلف أحجام الخلايا باختلاف صور الحياة، فمنها ما لا يزيد طولها على الواحد من الألف من الملليمتر، ومنها ما بلغ عدة سنتيمترات، وتتكوَّن كل خلية من جدار خارجي يحتوي بداخله مادة الحياة أو البلازم الأولي Protoplasm وهي مادة مائية نصف شفافة رمادية اللون، تتكوَّن كيميائيًا من مخلوط من مركبات مذابة وأخرى غير قابلة للذوبان، فهي إما مُذابة أو مُعلَقة في 70 إلى 80 في المائة ماء، مما يُعزّز ضرورة وجود الماء بكثرة لمواصلة الحياة، وهناك عناصر خاصة لا بُد من أن تستوفيها الخلية لتصنيع هذه المكونات، ومن هذه العناصر ما تتطلبها الخلية بكميات كبيرة مثل الكربون، والأيدروجين، والأكسجين، والنيتروجين، والكبريت، والفسفور، ومنها ما تتطلبها بكميات طفيفة مثل الفلور، والكلور، والسيليكا، والبوتاسيوم، والصوديوم، والكالسيوم، والمغنسيوم، والحديد، وتبنى الخلية من مختلف هذه العناصر احتياجاتها من البروتينات والدهون والكربوايدراتات بفضل ما تملكه من إنزيمات.
وتوجد بداخل الخلية عدة أجسام تتميز إلى طرازين، طراز يُعرف باسم " الأجسام المتكونة " له القدرة على التكاثر والانقسام داخل المادة الحيَّة، وطراز آخر يتكون نتيجة تراكم نواتج ما تقوم به الخلية من عملية التحوُّل الغذائي... أما أكثر الأجسام المُتكوّنة أهمية في الخلية فهي " النواة " التي تتخذ شكل حويصلة كروية الشكل تحتوي بداخلها على السائل النووي، ويحتوي السائل الأخير بدوره على جسم أصغر هو النوية، وعلى شبكة من خيوط دقيقة تُعرف بالشبكة الكروماتينية، وتتميز على خيوط هذه الشبكة عقد تُعرف بالجينات Genes هي المُحدّدة لما تظهره الكائنات في صفات وراثية، وتُعد الجينات بمثابة السجلات التي تطوى في كل خلية سائر المواصفات التي يتوارثها الأبناء من الآباء، حتى تحتفظ كل صورة من صورة الحياة بشتى مميزاتها وأشكالها على مر الأجيال!
وعندما تأخذ الخلية في الانقسام تأخذ الشبكة الكروماتينية في التجزء إلى عدد معين من الخيوط أو الصبغيات (الكروموزومات Chromasomes) وسُميت صبغيات لأنها لا تستجيب إلاَّ لأصباغ خاصة، ولكل صورة من صور الحياة عددها المعلوم من هذه الصبغيات، وهذه الصبغيات بما تحمل من جينات هي التي تحدد جميع ما ينفرد به الكائن من صفات ومميزات... وهكذا فمادة الحياة (أو البلازم الأولي) في الخلية يتميز إلى بلازم نووي تحتويه النواة وبلازم خلوي يشغل الجزء المتبقي من الخلية، ووُجِد أن البروتينات التي يتكون منها البلازم الأولي يختلط بأحماض تُعرف بالأحماض النيوكليكية، وهي التي تسبغ على هذه البروتينات القدرة الحيوية"(3).
ويقول " مايكل دنتون " أستاذ البيولوجيا " كي تفهم حقيقة الحياة على النحو الذي كشفه علم البيولوجيا الجزيئية يجب علينا أن نكبر الخلية ألف مليون مرة حتى يبلغ قطرها 20 كيلو مترًا، وتشبه منطادًا عملاقًا بحيث تستطيع أن تغطي مدينة مثل لندن أو نيويورك. ما ستراه -عندئذ- هو جسم يتسم بالتعقيد والقدرة على التكيف بشكل غير مسبوق، وسنرى على سطح الخلية ملايين الفتحات مثل الفتحات الجانبية لسفينة فضاء ضخمة، تنفتح وتنغلق لتسمح لمجرى متواصل من المواد أن ينساب دخولًا وخروجًا. وإذا تسنى لنا دخول إحدى هذه الفتحات سنجد أنفسنا في عالم من التكنولوجيا المتميزة والتعقيد المحير... تعقيد يتعدى طاقتنا الإبداعية نفسها، وهذه حقيقة مضادة لفرضية الصدفة ذاتها وتتفوق بكل ما في الكلمة من معنى على أي شيء أنتجه عقل الإنسان"(4).
_____
(1) قصة الحياة ونشأتها على الأرض ص 73 - 82.
(2) خديعة التطوُّر ص 107، 109.
(3) صورة من الحياة ص 39 - 42.
(4) أورده هارون يحيى - خديعة التطوُّر ص 108.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/214.html
تقصير الرابط:
tak.la/cavc5q4