أرجع البعض خطب أليهو (أي ص 32-37) إلى نحو سنة 450 ق. م سواء أضافها الشاعر نفسه أو بعض المحرّرين(9)، ويُعبِّر عن هذا الرأي " القس وليم مارش " فيقول: "يقول أكثر المُفسِّرين المحدثين أن خُطب أليهو لم تكن جزءًا أصليًا من سفر أيوب، بل جزءًا آخر أدرجه فيه كاتب السفر أو كاتب آخر، وغاية الكاتب إصلاح الغلط وتكملة الكلام، ومما يؤيد هذا الرأي:
(1) أن النفَس ليس كنفَس باقي السفر إذ فيه كثير من ألفاظ واصطلاحات آرامية.
(2) أن أليهو لم يُذكَر في مقدمة السفر مع الأصحاب الثلاثة ولا خاتمة السفر.
(3) أن نهاية الكلام ص 31 متعلقة بأول الأصحاح 28 (تمت أقوال أيوب. فأجاب الرب أيوب... إلخ.).
وإذا تُركت خُطب أليهو لا يظهر نقص في سياق الكلام. وعلى كل وجه بقيت خُطب أليهو كما هي"(1).
ويقول " أ. د. محمد خليفة حسن " قد اعتبر " فايفر " خُطب أليهو خُطبًا دفاعية جدلية أُقحمت للدفاع عن وجهة النظر اليهودية الأرثوذكسية، ولذلك ادَّعى أليهو أنه يملك المعرفة الحقيقية من خلال الإلهام الإلهي، فقام بدور الحكم النهائي على آراء أصحاب أيوب الثلاثة وعلى أيوب نفسه(10).
ج: 1- معنى اسم "أليهو" أي " إلهي هو"، ومعنى اسم " برخئيل " أي " بركة الله"، فواضح من الاسم أن أليهو وأبيه يعرفان الله الحي، كما أن " بوز " هو ابن ناحور أخي إبراهيم (تك 22: 21)، وجاءت أقول أليهو كفترة راحة نلتقط فيها أنفاسنا، بعد أن رفع أصدقاء أيوب الراية البيضاء، وبعد أن تكلَّم أيوب فأفاض ثم صمت، فظهر أليهو كشاب ممتلئ قوة وحماسة وثقة في نفسه، ليُقدِّم شيئًا جديدًا لأيوب ولأصدقائه، وصار حلقة وصل بين حديث أيوب عن الحكمة (ص 28) وبين حديث الرب مع أيوب.
ويقول " القس إلياس مقار " عن أليهو: "وإذ ينتهي الحوار عند هذا الحد، دون أن تُرجّح كفة أيوب أو كفة أصحابه، يدخل أليهو طرف في الحوار، وقد ظل مستمعًا طوال الوقت وكان أحدث سنًا، ولعل هذا هو الذي منعه من المساجلة أولًا..!! ولكنه لا يلبث وقد تمكن منه الغضب على أيوب وأصحابه، أن يندفع في حديث طويل، يتجه شطره الأكبر إلى أيوب، ما بين الأصحاحات الثاني والثلاثين إلى السابع والثلاثين، والأقل إلى أصحابه... وفيه يندفع قاسيًا فهو لا يقبل تبرير أيوب لنفسه، ويشتد عليه في الكلام... وإن كان في الوقت نفسه يُدخِل عنصرًا جديدًا لم يذكره أصحاب أيوب الثلاثة... وهو أن الآلام والمآسي تأتي من الله أساسًا في أغلب الأحوال، وهي تأديبات المحبة، وليست عقوبة الغضب، وإنها مُرسَلة للتعليم والتقويم والتحذير، دون أن تكون رصدًا لخطايا قديمة ينتقم منها!!"(2).
2- شغلت أحاديث أليهو ست أصحاحات من السفر (ص 32-37) بدأت بمقدمة نثرية أعلن فيها غضبه على الوضع القائم تجاه حوارات أيوب والأصدقاء الثلاثة (أي 32: 1-5) ثم جاءت أحاديث أليهو الأربعة كالتالي:
الحديث الأول (أي 32: 6-33: 33): توجه فيه أليهو باللوم للأصدقاء الثلاثة، ثم أخذ يحاجج أيوب ويوبّخه بمحبة لأنه برَّر نفسه، موضحًا أن الله يستخدم الألم ليؤدب الإنسان، وإن الله لا يهمل الإنسان إنما يتحدث إليه مرة واثنتين بالأحلام والرؤى والتأديبات والرسل، وفي هذا الحديث ردَّ أليهو على ثلاث شكاوي تقدم بها أيوب وهي:
(أ) قال أيوب إن الله تجاهل آلامه ومعاناته وإلى طلباته لم يلتفت (أي 33: 13)، فردَّ عليه أليهو قائلًا: إن الله لم يتجاهلك، إنما تكلَّم إليك مرة ومرتين بالرؤى والأحلام وأنت لم تلتفت (أي 33: 14-18)، وحاول أليهو أن يضع أيوب في الحضرة الإلهيَّة.
(ب) قال أيوب ما معناه إن الله يستخدم سلطانه متغافلًا عن العدل (أي 33: 8-11)، فرد عليه أليهو قائلًا: بأن الله يستخدم الألم والمصائب كوسيلة لتأديب الإنسان (أي 33: 19-28).
(جـ) حاول أيوب تبرير نفسه (أي 33: 9)، فردَّ عليه أليهو بأن الإنسان الذي يقبل تأديب الرب برضى، ويرفع قلبه بالصلاة، يهبه الله الفرح والخلاص ويرضى عنه (أي 33: 26).
وركز أليهو على أن الله يعرف الأفضل للإنسان، لأن الله أعظم من الإنسان (أي 33: 12)، فإن كان الله يعرف الأفضل فلماذا يشكو أيوب من الله؟! فأليهو يختلف عن الأصدقاء في أنه قدَّم الجانب الإيجابي للبلايا والتجارب.
الحديث الثاني (ص 34): خاطب أليهو الرجال الحكماء قاصِدًا الأصدقاء الثلاثة، ثم ردَّ على أيوب الذي اتهم الله بالظُّلم، موضحًا أن الله يرى طرق الإنسان، ووبَّخ أيوب على كبريائه ودعاه للخضوع للَّه لأنه أضاف إلى خطيته معصية.
الحديث الثالث (ص 35): يعود أليهو لشكوى أيوب ثانية، مؤكدًا على أن الله لا يتأثر بالشر أو الخير الذي يصنعه الإنسان، فالإنسان لا يستطيع أن يُؤلِم أو يُفرِح الله (أي 35: 8) فأوضح أليهو إن الله لن يُضار من شر الأشرار، ولن يستفيد من بر الأبرار، وأجاب أليهو على التساؤل: لماذا لا يستجب الله للصلاة؟ فقال بأن صلاة الإنسان الشرير لا تُستجاب بسبب الصلف والكبرياء وضعف الإيمان (أي 35: 13، 14)، وضم الحديث الثالث هذا درة رائعة لأليهو عندما قال " مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ" (أي 35: 10) فحيث الظلمة والحزن يسودان، فإن الله قادر أن يهب السرور والهدوء والسلام لأحبائه.
الحديث الرابع (ص 36، 37): ركز أليهو على عدل الله في معاملاته، وإن خطايا أيوب هي التي منعت عنه البركة، مظهرًا عَظَمَة الله وقدرته الفائقة في مظاهر الطبيعة مثل البروق والأمطار والثلوج والزوابع والبرد والجليد والغيوم داعيًا أيوب للتأمل في عجائب الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ففي هذا الحديث يتجه أليهو للَّه بنغمات حساسة ولطيفة، وهو واثق أنه لا يحوّل عينيه عن البار في معاناته وأن: "يُنَجِّي الْبَائِسَ فِي ذِلِّهِ، وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ فِي الضِّيقِ" (أي 36: 15)، فإن الله يشفي الإنسان من خلال الآلام، ويفتح آذانه ليسمع موسيقى جديدة، وقال " مارتن إسرائيل": "إن واحدة من أعظم اسهامات الآلام هو أن يفتح (الله) عيوننا النائمة، على نوعية أفضل للوجود الإنساني... توعية أعمق لهذا الوجود، لنبحث عن المعاني الجديدة لوجودنا في هذه الحياة، هذه المعاني التي تأتي بعيدًا عن الأحاسيس الزائفة التي تشغل بالنا عن الهدف الحقيقي من وجودنا"(3).
وفي هذا الحديث يفتح أليهو فاه لتمجيد الله في قوته وعظمته (أي 36: 22-37: 24)، ويأتي أليهو إلى الهدف الأساسي عندما قال: "لِذلِكَ فَلْتَخَفْهُ النَّاسُ. كُلَّ حَكِيمِ الْقَلْبِ لاَ يُرَاعِي" (أي 37: 24) وفي ترجمة (NIV): "لذلك فليحترمه الإنسان. لأنه لم يراعِ كل الحكماء في قلوبهم " لقد أراد أيوب وأصدقاؤه أن يجيبوا على سؤال مؤداه: ما سبب الآلام والبلايا؟ وربط الأصدقاء بين هذه الآلام وبين الشر، بينما لم يقرَّ أيوب تفكيرهم هذا، أمَّا أليهو فأخذهم لمنطقة بعيدة وهي التأمل في قوة الله وجَمَاله وجَلاله وحكمته، وانتهى بهم في منطقة مخافة الله، وهو ما انتهى به أيوب أيضًا في نهاية أصحاح الحكمة (ص 28) فالحكمة ليست هي أمور لاهوتية نظرية، ولا فكر مجرد، إنما الحكمة هي في الالتصاق بالله والحفاظ على مخافته داخل قلوبنا، وبينما انشغل أليفاز بعظمة الله وجلاله متغافلًا تفصيلات حياة الإنسان، فإن أليهو يوضح اهتمامات الله بكل جوانب الحياة الإنسانية.
ويقول " ممدوح شفيق": "إن أليهو لا يتعاطف مع تصميم أيوب على تحدي الرب، فيواصل تقديم رأيه بشكل رائع، ولكن بأسلوب يتجاهل ضعف الإنسان. إن دفاع أليهو يخلو من الحب أو حتى الشفقة. إن تحليل أليهو لخطأ أيوب صحيح، وإيمان أليهو بلا لوم، لكن صلابة قلبه تنم عن طبيعته الحادة، ومع هذا فكلماته تُعد أيوب لسماع الصوت القادم من العاصفة. إن خطاب أليهو يُنتج توترًا دراميًا بين تمسك أيوب ببراءته، وبين موقف الله منه، فمن الناحية النفسية يظهر عجز الإنسان عن التوافق مع الحياة بعيدًا عن الله. ومن الناحية العقائدية يُعد البطل (أيوب) للقاء وشيك مع الله. وإن كان أليهو لم يُقنع أيوب بخطئه العقيدي، إلاَّ أنه نجح في تحويل تفكيره من دائرة تتمركز حول ذاته، إلى دائرة أخرى مركزها هو الله، فتصبح كلماته هي المدخل الذي يعبره أيوب إلى قدس الأقداس"(4).
3- بعد أن صَمَتَ الأصدقاء الثلاثة وبعد أن أخذ أيوب فرصته كاملة ليُعبِّر عن مشاعره ظهر "أليهو بن برخيئيل البوزي" على مسرح الأحداث وبعد طول صَمْت قائلًا: إن الأيام تتكلَّم وكثرة السنين تُظهِرُ حِكمةً، ولكن دون جدوى، فحَمِيَ غضب أليهو على أيوب لأنه حسب نفسه أبرَّ من الله، وغضب على أصحابه الثلاثة لأنهم لم يجدوا جوابًا واستذنبوا أيوب بدون حُجة مقنعة، وهذا ما دفع أيوب للدفاع عن نفسه وتبرير ذاته.
وإن كان ظهور أليهو جاء بلا مقدمات، فهذا لا يعني أنه لم يكن حاضرًا الحوارات السابقة، بل قد حضر أليهو جميع الحوارات وأصغى بسمعه لكل ما قيل لذلك استطاع أن يُعقِب على أقوال أيوب وأقوال الأصدقاء، وجاءت أحاديثه موفقة، بدليل قبول أيوب والأصدقاء لأقواله، فلم يُعقب عليها أحد منهم، وأيضًا الله لم يدنه كما أدان الأصدقاء الثلاثة، ونادى أليهو أيوب باسمه عدة مرات تقديرًا واحترامًا له، وبعد أحاديث أليهو الناجحة الذي تحدَّث كمبعوث العناية الإلهيَّة، بدأ يتكلَّم الله، فجاء كلام الله ملتحمًا مع كلام أليهو. ولو إن أحاديث أليهو أدخلها أحد على السفر، لأدخل ردّ أيوب عليها، وعدم وجود إجابة لأيوب على أقوال أليهو يعد دليلًا على أصالة هذه الأقوال.
4- لو أن تجربة أيوب وقفت عند احتمال أيوب على ما أصابه من كوارث فقط، فلا فائدة من هذه التجربة، ويقول " القمص بيشوى عبد المسيح": "إن مشكلة أيوب أنه كان الرجل المثالي في الكَرَم والجُود... في نظر نفسه وبالفعل كان كذلك في إبان يسره كما في زمان الشدائد قد صبر، ولمَّا جُرّب ظل متمسكًا بذاته؟؟ ولو وقفت التجربة عند هذا الحد لخرج منها بلا فائدة بل ازداد ثقة بذاته... لقد بدأ أنه من أشق الأمور اسكات أيوب المتحدث القدير، والمؤمن ببره الذاتي... ويرفع أليهو الستار لأول مرة عن اللغز الذي لم يستطع ولا واحد من أصحاب أيوب أن يحلّه بل ولا أيوب نفسه... لقد سمعنا أيوب في ختام الأصحاحات السابقة التي انتهت بحديثه الحماسي الأخير الذي دافع فيه عن نفسه دفاعًا مستميتًا رغم ما وقع فيه من تجارب شديدة تذيب الصخر، لأنه كان شديد الافتخار لِمَا فعله في حياته ولم ينسب ذلك إلى عمل الله بل كان كثير التأمل في أعماله حتى تعب وملأه العجب!! لقد كان برّه الذاتي كشيء دفين في حياته... وهذا ما أثار أليهو عليه وجعله يتكلَّم ليقنع أيوب بذلك وليوضح فكر الله له بعدما هُزم الأصدقاء الثلاثة وسكتوا!"(5).
ولم يكن هدف أليهو إدانة أيوب كما فعل أصحابه من قبل، بل تكلَّم مع أيوب عوضًا عن الله، وظهر كوسيط بين الله وأيوب كما تمنى أيوب هذا، وقال لأيوب: " أَنَا أَيْضًا مِنَ الطِّينِ تَقَرَّصْتُ. هُوَذَا هَيْبَتِي لاَ تُرْهِبُكَ وَجَلاَلِي لاَ يَثْقُلُ عَلَيْكَ" (أي 33: 6، 7) تقرَّصتُ أي تشكَّلتُ من الطِّين، وكان أيوب يشكو من أن الله يرعبه بهيئته، فقال له أليهو أنا إنسان مثلك، ونجح أليهو عندما أوضح لأيوب أن هناك أسبابًا أخرى للآلام غير الشَّر والخطية، فإن الآلام تُنقي الإنسان، وإن للَّه حكمته التي لا يسبر الإنسان أغوارها، وبذلك استراح أيوب الذي طالما دافع عن نفسه، وجاء حديث أليهو بعد صَمْت الأصدقاء، بل وصَمَتَ أيوب نفسه، أيوب المُتحدِّث اللبق الفذّ البارع لم يعد لديه ما يقوله، فاستمع الجميع لأليهو الإنسان المُهذَّب الذي تكلَّم بلباقة كبيرة. عاتب الأصدقاء بمحبة قائلًا لهم: "فَتَأَمَّلْتُ فِيكُمْ وَإِذْ لَيْسَ مَنْ حَجَّ أَيُّوبَ، وَلاَ جَوَابَ مِنْكُمْ لِكَلاَمِهِ" (أي 32: 12)، وعاتب أيوب أيضًا بمحبة كبيرة قائلًا له: "هَا إِنَّكَ فِي هذَا لَمْ تُصِبْ. أَنَا أُجِيبُكَ، لأَنَّ الله أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ. لِمَاذَا تُخَاصِمُهُ؟ لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا" (أي 33: 12، 13) فهو يقول لأيوب لقد تعوّدنا منك أن تقول الصواب دائمًا ولكن في هذه الجزئية فقط لم تُصبْ، وتغافلتَ أن الله أعظم من الإنسان بما لا يُقاس ولا يصح أن نحكم عليه بمقاييس البشر، وهو ليس مُلزَمًا أن يعطي تبريرًا لكل تصرف يتصرفه، ومع ذلك فأنه يتكلَّم للإنسان مرة ومرتين سواء في حلم أو رؤى الليل، والإنسان لا يلاحظ (أي 33: 14، 15).
وما أجمل صلوات الكنيسة في طلبة
أسبوع الآلام عندما تخاطب الله: "أيها المدبر القوي، المؤدّب الشافي، طبيب
الأرواح والأجساد الذي امتحن
عبده
أيوب وشفاه من بلاياه، وردّ عليه ما فُقد منه
وأكثر مما كان"... وعندما وثق
أليهو في أن محبته وصلت لأعماق قلب
أيوب،
بدأ يعاتبه عتابًا أقرب للتوبيخ، فمثلًا قال له: "فَأَيُّ إِنْسَانٍ
كَأَيُّوبَ
يَشْرَبُ الْهُزْءَ كَالْمَاءِ"
(أي 34: 7) مؤكدًا له صلاح الله: "فَحَقًّا إِنَّ
الله
لاَ يَفْعَلُ سُوءًا، وَالْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ"
(أي 34: 12).
5- تناقضت آراء النُقَّاد، فبينما أكّد البعض أن هذه الأحاديث دخيلة على السفر أكّد آخرون أنها أصيلة في السفر، وجاءت منسجمة في سياق القصة، وتسد ركنًا هامًا في بناء القصة، فبعد أن صَمَتَ الأصدقاء ووصلوا إلى طريق مسدود، وتكلَّم أيوب فأفاض، كان لا بد أن يظهر أليهو ليزن الأمور، ويقول " فرانسيس أندرسون": "إن سبب رفض أحاديث أليهو (واعتبارها) كأحاديث دخيلة بلا سند يرجع لأسباب لاهوتية ولغوية تتعلَّق بالأسلوب والتكوين. ومن المدهش أن تعرف مقدار انقسام الدارسين في تقييمهم لهذه الآراء المتصارعة، فالآراء مختلفة لدرجة أن الكثير منها يمحو الأخرى ويقضي عليها"(6).
6- إن كانت ظهرت في أحاديث أليهو مفردات آرامية أكثر من بقية السفر، فليس معنى هذا أن هذا الجزء كُتب في وقت متأخر عن كتابة السفر، بل قد يعني أن الكاتب أراد أن يجعل لغة وشخصية أليهو متمايزة عن بقية الأصدقاء، ويقول " فرانسيس أندرسون": "قيل أيضًا أنه يوجد في هذا الجزء من سفر أيوب الكثير من المفردات الآرامية أكثر من أي جزء آخر، وهذا يوحي بتاريخ لكتابته، ولكن قد يُفسّر ذلك بأنه وسيلة أخرى يستخدمها الكاتب لإعطاء أليهو شخصية مختلفة عن الآخرين"(7).
7- لم توجد إشارة لأليهو في مقدمة السفر لأنه لم يشارك الأصدقاء الثلاثة جولات الحوار الثلاثة مع أيوب، ولم يأتِ ذكره في خاتمة السفر لأن الله الذي أدان الأصدقاء الثلاثة على أسلوبهم في الحوار مع أيوب، لم يدنه لأنه لم يخطئ في أحاديثه الأربعة، بل مجَّد اسم الله بحق وعدل، بدون مجاملة ولا تحيز.
8- الذين اتهموا أليهو بالتهوُّر والغطرسة هم أرباب النقد الأعلى من اليهود الذين لم يستريحوا لسفر أيوب، ومديح الله لأيوب وهو رجل أممي، بينما كان اليهود ينظرون للأمم على أنهم كلاب نجسة، ويقول " وليم كلي": "من الأمور التي تستحق الملاحظة أن العقول العالمية لا تحب أليهو، وقصة هذا العداء المستحكم بين أصحاب النقد العالي وأليهو قصة قديمة للغاية بدأها بعض اليهود المُتشدّدين، ثم انحدرت مع الزمن حتى يومنا الحاضر. ومجمل القصة أن هؤلاء النُقَّاد المتفلسفين يعتبرون أليهو شابًا متهورًا، مليئًا بالغرور بلا مبرر، والحقيقة... أن أليهو يشغل مركزًا ثمينًا للغاية في الكتاب، فهو الذي يُبيِّن لأول مرة بركات الألم الذي يتحوَّل لفائدة النفس، الأمر الذي لم يكن معروفًا في الشعب القديم"(8).
_____
(1) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ5 ص 241.
(2) رجال الكتاب المقدَّس ص 146.
(3) سلسلة تفسير الكتاب المُقدَّس يتحدث اليوم - سفر أيوب ص 152، 153.
(4) الله والإنسان في سفر أيوب ص 99.
(5) أيوب الصديق تجاربه ونبواته ص 175، 176.
(6) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - أيوب ص 48، 49.
(7) المرجع السابق ص 50.
(8) إحدى عشرة محاضرة في سفر أيوب ص 153.
(9) راجع جان ليفيك - أيوب الكتاب والرسالة ص 8، 9.
(10) راجع مدخل نقدي إلى أسفار العهد القديم ص 196.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1501.html
تقصير الرابط:
tak.la/k47k8q6