ج: 1- سبق الإجابة على هذا التساؤل، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 9 س 1220.
2- أراد كاتب سفر صموئيل أن يؤكد على وحدانية الله، وأنه هو ضابط كل شيء، وهو مصدر كل خير، وفي نفس الوقت لا يحدث شر ما إلاَّ بسماح منه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولهذا نسب الفعل لله قائلًا: أن الله هو الذي دفع داود لإحصاء الشعب، لأنه هو المتحكم في كل شيء، حتى في شرور الناس والشيطان، ليس بمعنى أنه هو الذي يدفعهم لهذه الأخطاء وتلك الشرور، ولكن بمعنى أنه هو الذي يمنع الشر أو يسمح به أو بقدر منه، ولهذا قال الله بفم إشعياء النبي: "أنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرّ" (إش 45: 6، 7) وقال عاموس النبي: "هل تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟" (عا 3: 6) وفي قول إشعياء وعاموس هنا ردًا على القائلين بالثنائية، أي أن هناك إله للخير وآخر للشر، فأراد الوحي الإلهي أن يؤكد على وحدانية الله، والمقصود بالشر والبلية هنا هو ما يراه الناس هكذا مثل الكوارث الطبيعية والأوبئة والمرض والموت، وهو في حقيقته ليس كذلك.
أما كاتب أخبار الأيام فقد أراد أن يوضح أن الله هو مصدر الخيرات، وأن الشر نابع من إبليس، ولذلك نسب الفعل للشيطان، قائلًا أن الشيطان أغوى داود لإحصاء الشعب.
3- يقول "القمص تادرس يعقوب": "من الذي وراء هذه الخطية؟ جاء في (2صم 24: 1) "فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ". كأن الرب حثَّ داود على ذلك، لأن غضبه حلَّ على الشعب. وفي سفر الأخبار يُقال أن الشيطان وراء هذا التصرف. الاثنان حق، فالله سمح للشيطان أن يُجرّب داود. الله ليس مصدرًا للشر، بل يسمح به لتحقيق غاياته. يُقدّم الشيطان الغواية، لكن لا يُلزم الإنسان بقبوله... إحصاء الشعب ليس بشرٍ في ذاته، إذ يليق بالراعي أن يعرف رعيته. ولكن من الواضح أن داود أخطأ في هذا العمل، وكان سببًا في غضب الله، لأنه عمل ذلك عن كبرياء قلب وقلة ثقة في الله، بالاعتماد على الأعداد. أجرى داود هذا التعداد بهدف الافتخار بقوة جيشه، ليتكل على إمكانياته العسكرية لا على الله. الدافع لعمله خطية وهى الغرور. كثيرًا ما تكون الخطية لا في تصرفاتنا الظاهرة، بل في دوافعنا الخفية. نحن متأكدون أن الله لا يتسبب في الخطية "فهو لا يجرّب أحدًا" لذلك عندما يُقال أنه أهاج داود ليفعلها، يجب التوضيح أنه لأجل هدف حكيم ومقدَّس سمح الله للشيطان أن يفعلها"(1).
4- هناك مواقف مشابهة لهذا الموقف تمامًا في الإسلام، ففي القرآن جاء:
"فيضل الله من يشاء ويُهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم" (إبراهيم 14: 4).
"ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء" (النحل 16: 93).
"فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء" (فاطر 35: 8).
"كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" (المدثر 7: 31).
ومن الثابت أن الضلال هو من عمل الشيطان الرجيم، فكيف يقوم الله بعمل الشيطان؟! لا مناص من تفسير النصوص السابقة على أن نعمة الله عندما تتخلى عن الإنسان فإن الشيطان يستطيع أن يضله ويغويه، فالله يُهدي الناس ولا يضل أحدًا، ولكن متى أصرَّ الإنسان على شره فإن نعمة الله تتخلى عنه فيسقط في يد الشيطان الذي يضله.
كما أن هناك نصوص قرآنية أخرى مشابهة لِمَا سبق، مثل القول: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" (الإسراء 17: 16) فمن هو الذي يأمر بالفسق، الله أم الشيطان هو الذي يغوي الإنسان على الفسق؟!
ومن هذه النصوص أيضًا: "وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاَّ قليلًا" (النساء 4: 155).
"أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون" (النمل 16: 108).
"كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين"(الأعراف 7: 101).
"وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون"(التوبة 9: 87).
"ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون" (المنافقين 63: 3).
فهل الله يطبع الكفر على القلوب أم أن الشيطان هو الذي يغوي الإنسان بالكفر؟!
_____
(1) تفسير سفر أخبار الأيام الأول ص 475، 476.
(2) محمد قاسم - التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 404، وعلاء أبو بكر - البهريز جـ1 س414، وليوتاكسل - التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 362، 363، وجيمس فريزر - الفولكلور جـ2 ص 361 - 368.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1397.html
تقصير الرابط:
tak.la/3wjzpg7