الدرس الثالث
مخطوطات الكتاب المقدس
قصة: في مارس سنة 1947م. كان الغلام محمد الديب من قبيلة التعميرة يرعى بعض الأغنام في منطقة قمران على الجانب الغربي من البحر الميت على بعد 8 أميال جنوب مدينة أريحا، ففُقدت إحدى الماعز وبدأ يبحث عنها حتى تسلق المرتفعات، ولما تعب من حرارة الشمس استلقى على ظهره ووضع رأسه في ظل حجر مُعلَّق، فوقع بصره على فتحة كهف، فألقى حجرًا صغيرًا داخل الكهف، واندهش عندما سمع صوت رنين لأواني فخارية، فظن أن الكهف يحوي في أحشائه كنزًا ثمينًا، وحاول جاهدًا دخول الكهف حتى تمزَّقت يداه دون جدوى، وفي اليوم التالي اصطحب معه أحد أصدقائه، ونجح في دخول الكهف، فوجدا سبعة جرار بعضها فارغ ، ومن الثالثة أخرج عدة لفائف من الجلد وهما لا يدركا قيمتها.
ذهب الصديقان إلى بيت لحم يُعرضان هذه اللفائف على إسكافي يدعى "خليل إسكندر جاهين" والشهير بكاندو لعله يشتري هذه اللفائف من الجلود ليستخدمها في تصنيع بعض الأحذية، فاشتراها خليل إسكندر، وقام ببيع ثلاث مخطوطات منها للأستاذ سكتك بالجامعة الأمريكية وخمس منها لرئيس دير القديس مرقس السرياني، فاهتم رئيس الدير بجمع مخطوطات أخرى من نفس المنطقة، وفي فبراير 1948م. سلمها إلى د. جون تريفر بالجامعة الأمريكية للأبحاث الشرقية بالقدس، وكان تريفر يهوى التصوير جدًا، فقام بمجهود خارق حتى تمكن من تصوير مخطوطة لسفر إشعياء بطول 24 قدم وعرض 10 بوصة، وأرسل الصور إلى د. أولبرايت من جامعة جون هوبكنز بأمريكا الذي يعتبر عميد الحفريات الكتابية، فأرسل أولبرايت رده السريع إلى تريفر " تهانينا القلبية على اكتشاف أعظم مخطوطة في عصرنا الحديث. يا له من اكتشاف مذهل، ولا يمكن أن يوجد ظل شك في العالم كله في صحة هذه المخطوطة" (برهان يتطلب قرار ص77) إنها مخطوطة كاملة لسفر إشعياء ترجع إلى سنة 125 ق.م، ومخطوطة أخرى غير كاملة لسفر إشعياء أيضًا، ومخطوطة ثالثة لسفر حزقيال.
وعندما تم التنقيب في منطقة قمران تم اكتشاف المزيد من الكهوف التي احتفظت في جوفها بهذه الكنوز العظيمة، حتى إنه في سنة 1957م. تم اكتشاف أكثر من مائتي كهف منها 11 كهفًا تحوي مئات المخطوطات وبلغت هذه المخطوطات نحو 500 مخطوطة وعشرة آلاف قصاصة تحوى معظم أسفار العهد القديم وبعض التفسيرات، ومعلومات عن الجماعة التي عاشت في هذه المنطقة، وبعض العملات التي يرجع تاريخها إلى سنة 125 ق.م. كما تم اكتشاف دَرْج نحاس مدوَّن عليه قائمة بستين مكانًا تحتوي على كنوز مخفية، ولكن للآن لم يستطع أحد التوصل لأحد هذه الأماكن، أما الكتان الذي كان يغلف بعض المخطوطات فقد أُرسل إلى معهد الدراسات النووية بشيكاغو حيث أُجريت عليه الأبحاث وتم تحديد عمره نحو 167 ق.م. وحتى عام 1965م. وصل عدد المخطوطات إلى 15 مخطوطة لسفر التكوين، و5 للخروج، و8 للاويين، و6 للعدد، و25 للتثنية، و2 ليشوع، و3 للقضاة، و4 لراعوث، و4 لصموئيل الأول والثاني، و4 لملوك الأول والثاني، وواحد لأخبار اليوم الأول والثاني، وواحد لسفر عزرا ونحميا، و4 لأيوب، و27 للمزامير، و2 للأمثال، و2 للجامعة، و4 لنشيد الأنشاد، و18 لإشعياء، و4 لأرميا، و4 للمراثي، و6 لحزقيال، و8 لدانيال، و8 للأنبياء الصغار، وقد بيع عدد كبير من هذه المخطوطات للجامعة العبرية في إسرائيل بمائتين وخمسين ألف دولار أمريكي فحُفظت في معرض بُني خصيصا لها على شكل أحد الجرار التي وُجِدت بها اللفائف، وترجع أهمية كنوز قمران إلى إنها قربتنا للأصل بنحو ألف سنة... كيف؟
لقد كانت أٌقدم نسخ لدينا من العهد القديم ترجع إلى نحو القرن التاسع، أما مخطوطات قمران فيرجع تاريخ مخطوطة سفر الخروج إلى نحو 250 ق.م.، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ورأى البعض إن مخطوطة صموئيل الأول والثاني إلى 280 ق.م، واللاويين إلى نحو 400 ق.م. حتى إن الفارق الزمني كاد يتلاشى بين مخطوطات قمران والأنبياء المتأخرين من بني إسرائيل مثل ملاخي وحجي وزكريا ونحميا الذي أنشأ مكتبة كاملة لأسفار العهد القديم وعزرا الكاهن والكاتب الماهر في سفر الشريعة، ومن أجل هذا فرح علماء الآثار وسعدوا جدًا بأعظم اكتشافات العصر الحديث ولاسيما عندما طابقوا جميع المخطوطات بالنسخ التي بين أيدينا اليوم فشكروا النسَّاخ العظماء على دقتهم، وذهبوا يبحثون في تاريخ هذه المنطقة... فماذا اكتشفوا؟
لقد اكتشفوا بنايات ديرية في منطقة قمران التي كانت عامرة بالسكان من القرن الثامن قبل الميلاد وحتى 68 م. حيث حطمها الرومان، واكتشفوا المبنى الكبير الذي يتكون من دورين ومحاط بحصن ارتفاعه ثلاثة أدوار، واكتشفوا داخل المبنى القاعة الكبيرة التي كانت تستخدم لنسخ الأسفار المقدسة، ووجدوا بهذه القاعة مواد كتابة مكلَّسة ومحبرتين كبيرتين، واكتشفوا حجرات أخرى كانت معدّة إما للدراسة أو لحفظ المخطوطات، واكتشفوا المطبخ الضخم والمخازن وأحواض الغسيل، وأماكن للصباغة وفناءًا كبيرًا ، واكتشفوا مبنى آخر مجاورًا به قاعة للاجتماعات وبها مكان في الصدارة لرئيس الجماعة، ولقارئ الأسفار المقدسة, وحجرة مجاورة وجدوا بها 1100 من الأطباق والصحون والأكواب وقوارير الخمر ومستلزمات الطعام الفخارية، واكتشفوا مخازن إضافية، ومحلات وإسطبلات وصهاريج ومجاري المياه، أما أماكن النوم فتكاد تكون غير ظاهرة علامة على إنهم كانوا ينامون في الكهوف أو الأكواخ القريبة من هذا المجمع، كما اكتشفوا خارج الأسوار مقبرة بها رفات 1100 شخص (راجع مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الأصلية - د. أميل ماهر ص23، 24) لقد عاش في هذه الكهوف اليهود الأسينيين الذين قال عنهم معلمنا بولس الرسول "وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض" (عب 38:11).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/bible-gospel/manuscripts.html
تقصير الرابط:
tak.la/m7xkxp4