سوف لا نضع صورة معينة للإيمان ثم نحاول إثباتها من الكتاب المقدس. لئلا نسوق النصوص الكتابية إلى معانٍ أوسع أو أضيق من حقيقتها.
سنجمع كل النصوص الكتابية التي تتحدث عن عقيدة معينة من موضوعات الإيمان، ونتركها ترسم لنا الصورة الكتابية الكاملة لهذه العقيدة. فإن انطبقت تمامًا على إيمان كنيستنا، عرفنا أنها بالحقيقة الكنيسة الإنجيلية الْأُرْثُوذُكْسِية، كنيسة المسيح.
وفي هذا الكتاب
نهدف إلى إظهار أمرًا واحدًا هامًّا، وهو أن الأسرار الكنسية السبعة، فوق أنها طقس هام في كنيستنا القبطية، وعقيدة هامة من عقائد الكنيسة الجامعة الْأُرْثُوذُكْسِية، فهي قبل كل شيء تعليمٌ إلهي مسيحي كتابي، سجَّلَه العهد الجديد الذي نؤمن به جميعًا.
تعليمٌ سلمه السيد المسيح لتلاميذه الرسل[2]. وهُم بِدَورِهم سلَّموه لمن بعدهم من الآباء الرسوليين[3]. على نحو ما قال القديس بولس الرسول لتلميذه الأسقف تيموثاوس «فَتَقَوَّ أَنْتَ يَا ابْنِي بِالنِّعْمَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً[4] أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا.» (2تي2: 1، 2)[5]. وما دام ذلك كذلك، فالخروج على تلك الأسرار الإلهية المقدسة، ليس مجرد خروج على الطقس القبطي، ولا هو خروج على الكنيسة الْأُرْثُوذُكْسِية الجامعة، بل هو فوق كل هذا، إنه خروجٌ عن تعليم السيد المسيح في العهد الجديد.
في هذا الكتاب
لا نتَتَّبَعُ انتقال التعليم المسيحي عبر الأجيال (التقليد)، بل نُقَدِّمُه تعليمًا إلهيًا إنجيليًا كتابيًا؛ لنؤكد أنه ليس من حق إنسان أيًا كان، أن يتجاهل الحديث عن الأسرار المقدسة تحت أي شعار[6]. فمهما كان هذا الشعار سَمِحًا في مظهره، ففي حقيقته هو مُرُوقٌ وخروج عن تعليم السيد المسيح في العهد الجديد، وإهمال للحق الكتابي، وحذْف عملي[7] لنحو 335 نصًّا أو عددًا من نصوص العهد الجديد، لذلك:
فهذا الكتاب أَعْتَبْرُه جَلْسَة حب حقيقى وجاد حول العهد الجديد، نُفَتِّشُه معًا، واثقين أنَّ لنا فيه حياة أبدية؛ لِنَصِلَ إلى قرارٍ كتابي حاسم في ما هو المفهوم الكتابي الصحيح للأسرار.
وهل نترك لكل أحد حسب فهمه أن يصوغ العقيدة الإيمانية كما يشاء؟، أم أن هناك إيمانًا محددًا ونصوصًا كتابية تُحدد هذا الإيمان. إنَّ الجهل بالإيمان خطيئة؛ ما دام الكتاب المقدس معنا. والتجاهل شَرٌّ أكثر؛ لأنه نوعٌ من الاستهتار بتعاليم السيد المسيح المُعَلِّم الأوحد. أو هو انسياقٌ تحت مذهب اللا أدرية[8]، نَعُفُّ نحن أبناء الكنيسة المقدسة أن نتَرَدَّى إلى هُوَّتِه السحيقة.
لقد شمل الدليل الكتابي للأسرار السبعة نحو (335) نصًّا أو عددًا من العهد الجديد مُسَجَّلة في (91) مَوْضِعٍ، على الرغم من أننا اقتصرنا هنا على استخدام النصوص الواضحة والمباشرة. وتركنا النصوص الأخرى العديدة غير المباشرة التي تشير إلى الأسرار المقدسة، وتحتاج إلى شرح لكي يدرك القارئ مفهومها ومدى ارتباطها بالأسرار.
ومما هو جدير بالذكر، أننا نجد أن جميع كُتَّاب العهد الجديد قد سجَّلوا فيما كتبوه مسوقين من الروح القدس نصوص عديدة عن (الأسرار الكنسية السبعة) إلا يهوذا الرسول الذي لم يكتب غير إصحاحٍ واحد، ومع هذا فهو يوحى بصورة عامة قائلا: «أَكْتُبَ إلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ» (يهوذا3).
هذا الإيمان الْمُسَلَّمِ للقديسين يشمل فيما يشمل حديث القديس بولس الرسول عن سِرِّ الِافْخَارِسْتِيَا، والذي افتتحه بقوله: «لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزًا. وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ: "خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي. كَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا... قَائِلًا: "هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي» (1كورنثوس11: 23-25).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
في الكتاب القادم، ندرس الأسرار التي يمكن أن يخْلُصَ الإنسان بدون أن يُمَارِسَها، وهي:
· سِرُّ مِسْحَة المرضى
· سِرُّ الزِّيجة
· سِرُّ الكهنوت
ملاحظة:
سر الكهنوت
لا بُد منه لخلاص الإنسان، باعتبار أن
الكاهن هو الذي
سيُعَمِّد المؤمن ويدهنه بالمَيْرُون، ويقبل
توبته واعترافه مُعْطِيًا له الحل، وهو الذي سيمنحه
سر الافْخارِسْتِيَا
فيناوله جسد الرب ودمه،
ولكننا لم نضعه ضمن الأسرار الخلاصية؛ بمعنى أن الإنسان
يَخْلُص بدون أن يصير كاهنًا.
_____
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
[2]الرسل الاثنا عشر، ثم السبعين، ثم القديس بولس الرسول.
[3]الآباء الرسوليون هم تلاميذ الآباء الرسل، مثل القديس بوليكاربوس تلميذ القديس يوحنا الحبيب.
[4] أكفاء (بتسكين الكاف)، وليس أكِفاء (بكسر الكاف)؛ لأن الأولى تعني الكفاءة، أما الثانية فتعني عميان جمع (كفيف).
[5] يُلاحَظ أن انتقال التعليم بالتسليم عبر الأجيال هو (التقليد). فالرسول بولس (كجيل أول) يُسلم التعليم شفاهًا «مَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ» للقديس تيموثاوس (جيل ثان)، ويطلب أن يودعه «أُنَاسًا أُمَنَاءَ» (جيل ثالث)، «يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا» (جيل رابع)، وهكذا.
[6] شعار اللاطائفية مثلًا الذى يعتبره معتنقوه أنه نوع من عدم التعصب، وهو في حقيقته تهاون في الإيمان وعدم تمسكهم بالعقيدة التي علمنا الرب في (يوحنا 6). لقد كان مستعدا أن يضحي بكل تابعيه، بل بالرسل الاثني عشر أنفسهم من أجل الاستمساك بعقيدة واحدة هي الافخارستيا، حتى سجل الكتاب «فَقَالَ يَسُوعُ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ: أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟». (يوحنا6: 67)
[7] الحذف العملي هو حذف النصوص من تعاليم جماعة معينة، فلا تتعرض لهذه النصوص؛ ابتغاء الابتعاد عن ما يسمونه الخلافات الطائفية، فـ 335 نصًّا أو آية تتحدث عن الأسرار السبعة.
[8]
مذهب اللأَدَرِية فكر إلْحادي ينكر وجود الله، ولا يبنون
نكرانهم على أسلوب علمي مُدَّعِين أن العلم يتعارض مع وجود
الله، بل يقولون: أن وجود الله فكرة أعلى من عقلنا لا يمكن
إثباتها ولا إنكارها، فإذا كان الله موجودًا أو غير موجود
فأنا لا أدرى، وهكذا يرفض الاهتمام بوجود الله.
(9) توضيح من
الموقع: لم يصدر الجزء الثاني بعد.
الدليل الكتابي لِسِرِّ المعمودية |
الدليل الكتابي للإيمان الأرثوذكسي - ج1 |
الدليل الكتابي أو الصورة المتكاملة |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/biblical-proof-1/verses.html
تقصير الرابط:
tak.la/tcdf5q4