مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الدليل الكتابي للإيمان الأرثوذكسي - الجزء الأول - القمص يوحنا فايز زخاري

62- تعبيرات ليست مترادفات في سر الإفخارستيا: الذكرى والرمز

 

تعبيرات ليست مترادفات

التعبير «ذِكْرِي» لا يرادف "رمْز" ولا يساويه على الإطلاق. فالرمز صغير والمرموز إليه أعظم وأثمن، ولا يمكن أن يكون الرمز هو ذات المرموز إليه أو يساويه.

فالشموع في الكنيسة ترمز إلى نور الملائكة والقديسين، ويرمز قِنْدِيل الشرقية الذي لا يُطفَأ إلى نور الله الذي لا ينام. فالفارق ضخْم بما لا يقاس. وهكذا كان خروف الفصح، يرمز للسيد المسيح الإله المتأنس المصلوب.

 

St-Takla.org Image: Lamb of God - Saint Mary Church, Haddington Road, Dublin, Ireland - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, May 5, 2017. صورة في موقع الأنبا تكلا: حمل الله - من صور كنيسة السيدة مريم العذراء، شارع هادينجتون، دبلن، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 5 مايو 2017 م.

أما الذِّكْرَى فموضوع آخَر... فهناك:

1. ذِكرَى صورية: صورتُكَ تُذَكِّرُنا بك، وهكذا صورة السيد المسيح تُذَكِّرنا بشخصه القدوس، وُصور القديسين تُذَكِّرنا بهم وبحياتهم المقدسة.

2. ذِكرَى أثرية: قَلَمُك الذي تكتب به هو أثَر من أثارك يُذَكِّرنا بك وهكذا ملابسك وأدواتك التي تستخدمها. فإذا أهديت منها شيئًا لأحد تكون ذِكرَى أثرية لك عنده.

وسر الافْخارِسْتِيَا ليس على الإطلاق ذِكرَى بأيٍ من المَعْنَيَيْنِ السابقيْن، فلا القربانة في شَكلِها تُشابه شكْل السيد المسيح فتكون ذِكْرَى صورية له. ولا هِيَ كانت يومًا من الأيام في يده استعملها، فتكون ذِكْرَى أثرية له.

أما النوع الثالث فهو:

3. الذِّكْرَى العينية أو الذاتية: أي يكون الشخص ذِكْرَى لنفسه أو لذاته.

"مضتِ السنون ولم أرَ صديقي. وبينما كنتُ مُسرِعا في تقاطعات ميدان رمسيس، استوقفني شخص، تفرَّسْتُ في وجهه وصِحْتُ قائلًا: "فُلان؟! نعم. تَذَكَّرْتُكَ."

لقد صار صديقي ذِكْرَى لنفسه، تذكرته به. لم أتذكره بصورته أو بهدية من آثاره فتكون ذِكْرَى صورية أو أثرية، إنما تذكرته بشخصه، فكان ذِكْرَى ذاتية عينية له. هذه هِيَ الذِّكْرَى الذاتية، أن يكون الإنسان ذِكْرَى لِذَاته. هكذا في سِرِّ الِافْخَارِسْتِيَا، المسيح ذِكْرَى لنفسه.

فكُلَّما أكلنا جسده وشربنا دمه الحقيقييْن، نتذكره. ففي سِرِّ الِافْخَارِسْتِيَا نلتقي بالمسيح الإله المتجسد على المذبح بجسده ودمه، بلاهوته وناسوته الذي لم يفارقه لحظة واحدة أو طرفه عين، إنه ذِكْرَى لنفسه.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

هل يوجد في الكتاب المقدس هذا المعنى؟ الذِّكْرَى العينية؟

نعم. وفي نفس المناسبة، حينما تكلَّم الرب عن سِرِّ الِافْخَارِسْتِيَا وقصة المَنِّ التي كانت ترمز إليه في الإصحاح السادس من إنجيل القديس يوحنا.

 

قصة المَنِّ تشرح معنى الذِّكْرَى:

يحكي لنا الإصحاح السادس عشر من سفر الخروج قصة المَنِّ النازل من السماء، والموضوع في قِسْط المَنِّ داخل تابوت العهد، وَهِيَ تشرح معنى الذِّكْرَى شَرحًا كاملًا. فلو رسمنا صورةً للمَنِّ يُمكِن أن نتذكر بها قصة المَنِّ تكون ذِكْرَى صورية. وعندما يحتفظ بني إسرائيل بالأواني التي وضعوا فيها المَنِّ أو أكلوه كَقِسْط المَنِّ مثلًا تكون هذه ذِكْرَى أثرية. ولكن الرب أمر موسى النبي أن يأخذ من ذات المَنِّ النازل من السماء، ويضعه في قسط المَنِّ في تابوت العهد، فصار المَنُّ ذِكْرَى عينية أو ذاتية للمَنِّ.

بهذا المعنى عَلَّمَ المسيح له المجد معنى الذِّكْرَى في سِرِّ الِافْخَارِسْتِيَا بأنها ذِكْرَى عينية. أي أننا في الِافْخَارِسْتِيَا نتناول ذات الجسد والدم اللذَيْن على الصليب. وهذه هِيَ الحكمة التي جعلت القديس يوحنا الحبيب بوحْي الروح القدس يربط بين قصة المَنِّ وسر الافْخارِسْتِيَا. فالربط بين سِرِّ الِافْخَارِسْتِيَا وبين قصة المَنِّ ليس فِكرًا بَشَرِيًّا منا بل ربْط ٌإلَهِي. ويُسَجِّل مار يوحنا حديث الرب «آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ» (يو6: 49، 50).

السيد المسيح يشرح سِرَّ الِافْخَارِسْتِيَا

الدليل الكتابي للإيمان الأرثوذكسي - ج1 كتب القمص يوحنا فايز زخاري

السيد المسيح يؤسس الِافْخَارِسْتِيَا

---