يمكننا القول بأن المسيحية عاصرت ثلاثة عصور هامة: عصر الفلسفة، حيث كانت الثقافة الفلسفية تُحسب القمة، من لا يتثقف بها يُحسب متخلفًا وأميًا. ثم جاء عصر العلم، فلم يُعد العلم فرعًا من فروع الفلسفة بل صار له استقلاليته وسموه على الفلسفة. وأخيرًا يعتبر العصر الحالي عصر التقدم التكنولوجي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
ولكي نتعرف على العلاقة بين الأربعة يلزمنا تقديم فكرة مختصرة عن كلٍ منهم:
1. المسيحية: المسيحية ليست موضوع عقائد إيمانية وتعاليم مجردة (لاهوتيات بكل فروعها)، وإنما هي حياة تمس كل كيان الإنسان بمشاعره وأحاسيسه وتصرفاته أينما وُجد، وتحت أية ظروف. فالمسيحية هي تعرف على الحق والحياة به. حقًا يتخصص البعض في اللاهوتيات والتعاليم، وآخرون في التطبيقات العملية، لكن دون فصل بين الفريقين. فالعقيدة بلا حياة تولد تعصبًا وعجرفة ورياء. وحياة بلا عقيدة صادقة تولد تسيبًا وانحلالًا.
الفتى المسيحي وهو يعتز بإيمانه يحيا بالحب لله ولكيانه ولإخوته كل بني البشر، راجيًا التقدم للأفراد كما للجماعات في كل جوانب الحياة.
2. الفلسفة: نشأت المسيحية في عصر اتسم بالفلسفات، وكانت العلوم من طب وفلك ورياضيات وأدب إلخ. تُحسب فروعًا منها. غالبًا ما كان الحكام والقضاة والمحامون والأطباء والخطباء وأستاذة المدارس فلاسفة بدرجة أو أخرى.
2. العلم: غاية العلم التعرف على أسرار مملكة الطبيعة بصورة أفضل، ليس عن حب استطلاع مجرد، لكن مع ما يتمتع به الإنسان من سعادة داخلية عندما يتعرف على حقائق جديدة كان العالم يجهلها، يود ترجمة هذه الحقائق العلمية إلى تقدم تكنولوجي لخدمة البشرية.
على نفس المستوى مع الفارق فإن علم اللاهوت يدفعنا إلى الاشتياق لمعرفة الأسرار الإلهية السماوية، ليس من أجل حب الاستطلاع المجرد، فمع ما في معرفة الإلهيات والسماويات من لذة فائقة، لكن غايتها التمتع بعربون السماء في الحياة الحاضرة، واختبار الشركة مع الله في عملنا اليومي، أينما وجدنا، سوء في البيت أو العمل أو الكنيسة أو مع الأصدقاء أو حتى أثناء لنوم. هكذا كان آباء الكنيسة الأولى يؤكدون الوحدة الحقيقية بين إيمان بالإلهيات والحياة اليومية العملية. بهذا يتلاحم الإيمان مع الحياة ككلٍ!
* من يتفق معي في السلوك العملي لا يختلف معي أيضًا في الإيمان.
3. التكنولوجيا الحديثة: لم يعد يُوجد إنسان في العالم قادر أن يتابع سرعة التقدم التكنولوجي في كل مجالات الحياة. فالعصر الحالي إذ يُدعى عصر التكنولوجيا الحديثة، إنما يعني التحرك السريع للعلم لتطبيقه في الحياة بقصد الانتفاع به عمليًا.
هكذا الشاب المسيحي يدفعه إيمانه لقبول كل تطورٍ فلسفيٍ أو علميٍ أو تكنولوجيٍ، بل والمساهمة فيه عمليًا، لينظر إلى كل هذه الأمور بعينٍ مقدسة، فيصير كل تقدمٍ لبنيانه شخصيًا، كما لبنيان الجماعة على كل المستويات.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/technology.html
تقصير الرابط:
tak.la/rtrq964