في رأي القدّيس أمبروسيوس أن دفاع الإنسان عن نفسه لا يمكن قبوله لأنه حتمًا يحطم فضيلة الحب، التي تُدعى التقوى، وتوحد الإنسان مع الله، وهي أساس كل الفضائل الأخرى[40].
[حقًا حتى إن واجه إنسان لصًا مسلحًا لا يقدر أن يرد اللطمة باللطمة إلا في حالة دفاعه عن نفسه، وذلك في ضعف من جهة فضيلة الحب. يعالج الإنجيل هذا الوضع بطريقة واضحة تمامًا: "رد سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون بالسيف، بالسيف يهلكون" (مت 52:26). المُضطهد الذي اقترب من المسيح لموته مكروه أكثر من اللص، لكن المسيح الذي يبحث عن شفاء كل أحدٍ بجراحاته لم يرد أن يحمى نفسه بإصابة مضطهديه بضررٍ[41].]
لكن الأمر مختلف عند القدّيس أمبروسيوس إن كان بخصوص الدفاع عن طرف ثالث مظلوم.
[كل إنسانٍ لا يمنع الضرر عن صاحبٍ له، إن كان في وسعه ذلك، يكون مخطئًا على نفس المستوى كمن يسبب ضررًا. بهذا المبدأ أكد القديس موسى شجاعته. فإنه إذ رأى يهوديًا يؤذيه مصري، دافع عن ذاك الذي من بني جنسه حتى قتل المصري، وأخفاه في الرمل[42].]
هكذا يميز القدّيس أمبروسيوس بين دفاع الإنسان عن نفسه، ودفاعه عن آخر، مثل عائلته أو صديقٍ له أو مواطنيه، أو أي إنسانٍ يتعرض لخطرٍ ويقدر أن يحميه.
يميز القدّيس أمبروسيوس بين كراهية الشر وكراهية الأشرار، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى:
[يلزم تفسير كلمات (مز113:119) لتعني أنه كان يكره الشر ذاته، لا فاعلي الشر الذين بالرغم من أفعالهم يمكن أن يتغيروا بالكرازة بالإنجيل[43].]
يعتقد القدّيس أمبروسيوس أن يد الله كانت تعمل في جيوش الإمبراطورية. ففي عام 378 م. إذ كان Gratian يساعد خالهValens ضد الغوصيين الذين كانوا أريوسيين. جاء في مقاله On the Faith:
[لست أريد أن أعوقك بكلمات كثيرة أيها الإمبراطور، إذ أنت في حالة حرب ومشغول بالنصرة على البرابرة. سرْ إذن في حماية درع الإيمان، ممسكًا بسيف الروح.
سرْ نحو النصرة التي سبق أن تُنُبأ عنها في الأيام الماضية بواسطة الكتب المقدسة. فإنه في تلك الأيام تنبأ حزقيال عن الدمار الذي نعاني منه والحروب مع الغوصيين (حز 39: 10-12)[44].]
لكن إذ حدث على خلاف ما توقع القدّيس أمبروسيوس في بداية أسقفيته، إذ انهزم الجيش الروماني في Hadrianople قبل مجيء جراتيان Gratian وفرقه، اكتشف القديس خطأ فكره، ولم يعد يربط بين الحرب والإيمان.
أما بالنسبة للهراطقة، فقد حسب سقوط الهراطقة تحت التأديب مثل دفع غرامات ومصادرة ممتلكاتهم أمرًا شرعيًا، لكنه رفض تمامًا الحكم بإعدامهم[45].
[عندما يحكم على مجرم بالإعدام يُعاقب الإنسان لا الخطية، عندما تُجنب الخطية جانبًا، فإن المغفرة للشخص تعادل عقاب الخطية[46].]
في عام 390 م. عندما ذبح ثيؤدوسيوس 7000 شخصًا في تسالونيكي ليعاقب المدينة على قتل القائد الروماني هناك. حرم القدّيس أمبروسيوس الإمبراطور بسبب استخدامه العنف والظلم حتى يعلن توبة علنية، فإنه في رأيه للتأديب حد لا نتجاوزه.
في الرسالة (3:25) يوضح القدّيس أمبروسيوس أن الرحمة أفضل من العنف، إذ نترجى دائمًا توبة المخطئين ورجوعهم. وفي موضع آخر يمنع القديس كهنته من الاشتراك في أعمال العنف للتأديب.
[الاهتمام بأمور الحرب تبدو غريبة عن نظامنا، لأننا نهتم بأمور النفس أكثر من الجسد، ونشاطنا لا يرتبط بالأسلحة بل بأعمال السلام[47].]
[على أي الأحوال لا تنتصر الكنيسة على القوى المضادة لها بواسطة أسلحة وقتية بل أسلحة الروح، القادرة في نظر الله على هدم حصون ومرتفعات الشر الروحية (راجع 2 كو 4:10).. سلاح الكنيسة هو الإيمان، سلاحها هو الصلاة الذي يغلب المقاوم[48].]
_____
[40] Discourse on Ps. 118:18:45; On Ps. 36:37.
[41] On the Duties of the Clergy 3:4:27.
[42] On the Duties of the Clergy 1:36:178.
[43] On Ps. 15:22.
[44] On the Faith 2:16:136-143.
[45] Letter 24:12 ; 26:3.
[46] Letter 26:20.
[47] On the Duties of the Clergy 1:35:175.
[48] On Widows, 8:49.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/ambrose-2.html
تقصير الرابط:
tak.la/xpw6fff